الملكية الفكرية .. المحاكم الصينية تستعرض قوتها عبر الحدود

الملكية الفكرية .. المحاكم الصينية تستعرض قوتها عبر الحدود

لعقود كان يخشى أن الصين هي الغرب المتوحش بالنسبة لحقوق الملكية الفكرية. فقد أنتج محرك النمو الاقتصادي العالمي بشكل علني منتجات مقلدة لسوقها الاستهلاكية الضخمة، وكذلك للتصدير. ومع نمو صناعاتها مترامية الأطراف، اتهمت بكين بسرقة مئات المليارات من الدولارات من حقوق الملكية الفكرية من الولايات المتحدة وأوروبا واليابان.
لكن منذ 2020 تفوقت الشركات في ثاني أكبر اقتصاد في العالم على منافساتها الأمريكية في عدد براءات الاختراع الجديدة، التي تحصل عليها كل عام.
هناك أيضا دلائل على أن الشركات الصينية تقلب الطاولة على نظيراتها الأجنبية في دعاوى الملكية الفكرية -وهي خطوة يبدو أنها حظيت بدعم محاكم الصين المحلية.
فيما يرى بعض المحامين أنه اتجاه سائد، أصبحت الشركات الصينية حازمة بشكل متزايد في المجال الضيق نسبيا "لبراءات الاختراع الأساسية المعيارية"، التي يتم استخدامها على نطاق واسع في صناعة الاتصالات، للترخيص وتوفير الوصول إلى التقنيات الحاصلة على براءات اختراع.
في الأعوام الأخيرة أصدرت المحاكم الصينية أربعة "أوامر زجرية رئيسية ضد دعاوى" عبر الحدود في أعقاب مطالبات قدمتها مجموعات معدات الاتصالات والهواتف الذكية الضخمة في البلد –هواوي، وشاومي، وزد تي إي، وأوبو- في نزاعات ضد شركة كونفيرسانت الألمانية، ومجموعة إنترديجيتال الأمريكية، وشارب اليابانية.
سعت هذه الأحكام بشكل أساسي إلى منع الشركات غير الصينية من إنفاذ حقوق الملكية الفكرية في ولايات قضائية أخرى، ما يعني أنه لا يمكن مقاضاة الشركات الصينية بسبب أي انتهاكات مزعومة، بل يتم إنفاذها من خلال غرامات يومية على الفروع المحلية للشركات الأجنبية في الصين، إذا أصرت تلك الشركات على متابعة قضية ما.
ووفقا لريكو ميتشيشيتا، وهي محامية متمرسة في الصين في مجال الملكية الفكرية في شركة بيرد آند بيرد، الغرامات المتزايدة بسرعة تجعل الأوامر الزجرية أقرب إلى "أخذ رهينة"، وتحذر من أن القضايا هي مؤشر على كيف أن الشركات والمحاكم الصينية ستصبح أكثر ثقة بنشر هذه المناورات القانونية مع تقدم البراعة التكنولوجية للبلد.
"إنهم يفهمون حقا قيمة حقوق الملكية الفكرية (...) فهم يعتمدون بشدة على المنتجات والتكنولوجيا الأمريكية"، كما تقول ميتشيشيتا، مضيفة "بعد حصولهم على ـ ميزة ملكية فكرية أصلية ـ سيكونون أكثر جرأة (...) ويتعين على الشركات أن تكون مستعدة لذلك".
ورغم ذلك، لم تكن المحاكم الصينية أول جهة تصدر أوامر لمنع الشركات من متابعة الإجراءات في نزاعات براءات الاختراع الأساسية المعيارية في ولايات قضائية أخرى. فقد تزايدت الأوامر القضائية ضد الدعاوى عبر الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا والهند منذ الخلاف بين مايكروسوفت وموتورولا قبل عشرة أعوام.
يعتقد كي فانج، وهو متخصص في الملكية الفكرية ومكافحة الاحتكار لدى شركة فانجدا بارتنرز في بكين، أن استخدام الصين للأوامر الزجرية ضد الدعاوى يعكس استعراضا لعضلاتها على الساحة العالمية.
قال "بإصدار تلك الأوامر، فإن هدف المحكمة هو ترسيخ نفسها هيئة تحكيم كبرى للفصل في تلك القضايا". وأضاف "ولا يمكن إنكار أن هذا أصبح مثل لعبة شد الحبل بين مختلف المحاكم من مختلف الولايات القضائية".
وعلى الرغم من أن الحالات حتى الآن قليلة جدا، وأن مجال براءات الاختراع الأساسية المعيارية في الاتصالات "محدود جدا" من حيث النطاق -فقد أجاب كي على "الكثير من الأسئلة" من العملاء والشركات الغربية حول أهميته المحتملة.
القلق المتزايد بشأن استخدام الصين للأوامر الزجرية ضد الدعاوى يأتي على خلفية التوسع السريع في ممارسة التقاضي بشأن الملكية الفكرية. وفقا لبيانات صادرة عن محكمة الشعب العليا، وتعامل القضاة الصينيون مع أكثر من 640 ألف قضية تتعلق بحقوق الملكية الفكرية العام الماضي -بزيادة 22 في المائة عن أرقام 2020. ويشير مسؤولو المحكمة أيضا إلى أنه تم الانتهاء من أكثر من 600 ألف قضية منها، بزيادة 15 في المائة عن العام السابق، على الرغم من ارتفاع حجم القضايا وزيادة تنوع الخلافات وتعقيدها.
فيما يخص النزاعات التجارية، يتفق المحامون على نطاق واسع على المحاكم الصينية التي أصبحت أكثر تطورا وأفضل موارد من حيث توافر الاختصاصيين الذين يتمتعون بمؤهلات أعلى من أي وقت مضى.
وفي حين أن السوابق قد تكون غير واضحة، إلا أن هناك أيضا اتساقا أفضل في القرارات بين الأقاليم، ويعود الفضل في ذلك جزئيا إلى إصدار مجمع المحيط الهادئ "لقضايا إرشادية" والمشاركة الواسعة للأحكام المهمة عبر الإنترنت.
بنشن لي، وهو محام مختص في الملكية الفكرية في شنغهاي يعمل مع فينزون بارتنرز، الشركة الصينية الشريكة في العمليات المشتركة لشركة بيكر مكينزي، يقول نظرا لأن مشهد قانون الملكية الفكرية لا يزال سريع التطور، من المهم أن تظل الشركات الأجنبية منخرطة، وأن تحاول التأثير على التغييرات القادمة.
"إنني لا أقول لا وجود مطلقا لأي تحيز أو نزعة حماية محلية. لكن من بياناتنا، فإن الشركات الأجنبية في الواقع هي التي تحصل على تعويضات أعلى بكثير عن الأضرار من الشركات المحلية".

الأكثر قراءة