اقتصاد الظل .. العقوبات والعلاج

خطوات مشجعة للسيطرة على اقتصاد الظل في السعودية، حيث انخفضت نسبته للناتج المحلي الإجمالي إلى ما دون 15 في المائة، وذلك أفضل من أوضاع بعض الدول المتقدمة.
اقتصاد الظل يشمل جميع العمليات المالية التي تتم في أي اقتصاد، ويشمل ذلك العمليات التجارية خارج النظام المصرفي وكذلك الأعمال غير القانونية والإجرامية، لذا فمحاربة اقتصاد الظل أمر بالغ الأهمية على عدة مستويات.
مسببات انخفاض نسبة اقتصاد الظل في المملكة العربية السعودية عديدة، منها الجهود الموجهة لمحاربة التستر وتنامي المدفوعات الرقمية وما يجري في تنظيم سوق العمل، وغير ذلك من خطوات إصلاحية مهمة. وعملية تقدير حجم اقتصاد الظل ليست أمرا هينا لتعدد طرق تجاوز الأنظمة التجارية وتنوع أساليب التهرب الضريبي إلى جانب حتمية ممارسة الأنشطة غير القانونية بعيدا عن القنوات الرسمية.
من الدلائل المستخدمة في معرفة نمو اقتصاد الظل: أسلوب دراسة حجم النقد المتداول خارج المصارف ونسبة نموه من فترة لأخرى ومقارنة ذلك بحجم عرض النقود في البلاد. فلو نظرنا إلى الوضع النقدي في المملكة سنجد أن حجم النقد خارج المصارف يرتفع وينخفض من فترة لأخرى بحسب الحاجة إلى العملات الورقية والمعدنية من وقت لآخر، ولو قارنا ذلك بمقياس عرض النقود "ن2" سنجد أن نسبة النقد خارج المصارف كانت 25 في المائة في التسعينيات الميلادية، ثم انخفضت إلى دون 20 في المائة عام 2000، ثم إلى 10 في المائة في 2010، ولا تزال عند هذه المستويات بل إنها نزلت قليلا إلى ما دون 10 في المائة في العامين الماضيين.
في غياب أي جهود للسيطرة عليه فإن نسبة اقتصاد الظل تنمو مع نمو الاقتصاد الحقيقي، لذا من المهم في المملكة أن تستمر هذه النسبة في الانخفاض نظرا للنمو الكبير لاقتصاد المملكة، الذي كان الأعلى بين جميع دول مجموعة العشرين في 2022 بارتفاع حقيقي بنسبة 7.6 في المائة. أي يجب ألا ترتفع نسبة نمو اقتصاد الظل من عام لآخر تماشيا مع نمو الاقتصاد الكلي.
هناك شبه اتفاق بين كبار الباحثين في مجال محاربة اقتصاد الظل أن أنجع الحلول للحد منه لا تتم بإصدار العقوبات وملاحقة المخالفين بقدر ما أنها تتطلب معالجة جذور المشكلة وإدراك مسببات اللجوء إلى اقتصاد الظل. بالطبع هناك الأنشطة الخارجة عن القانون وغيرها من العمليات الإجرامية التي تتطلب إجراء أقصى العقوبات بشأنها، لكن النسبة الأكبر من عمليات اقتصاد الظل تتمثل في محاولات بعض الأطراف التهرب من دفع ضرائب يرونها عالية جدا، أو قيام البعض بتفادي الالتزام بقوانين تجارية يرونها غير عادلة أو مكلفة، أو لجوء البعض إلى العمالة غير النظامية لسرعة توافرها وتدني تكلفتها مقارنة بالعمالة النظامية.
لا ننسى كذلك أن اقتصاد الظل قائم على العرض والطلب، ولا يمكن أن يزدهر دون وجود طلب كبير عليه من قبل أطراف كثيرة، لذا فإن جهود السيطرة عليه يجب أن توجه إلى جانبي العرض والطلب في الوقت نفسه. على سبيل المثال، حاجة بعض الناس إلى رفع مستوى مدخولهم الشهري ربما يتطلب منهم ذلك العمل خارج أوقات الدوام، وفي حال كون ذلك إجراء غير نظامي فسيلجأ هؤلاء الناس إلى اقتصاد الظل لإنجاز معاملاتهم المالية. لذا إحدى الطرق المتبعة في المملكة وتصب في هذا الجانب أن تم السماح لموظفي الدولة بممارسة بعض الأعمال خارج أوقات العمل، من خلال رخصة العمل الحر.
جزء كبير من اقتصاد الظل في الدول المتقدمة سببه العمل غير النظامي، سواء من قبل الوافدين المخالفين لأنظمة الجوازات أو من قبل المواطنين الذين يبحثون عن أعمال إضافية بطرق غير رسمية دون تحمل أي رسوم تجارية أو تكاليف ضريبية.
بوادر إيجابية لما تم الكشف عنه من انخفاض نسبة اقتصاد الظل في المملكة، مع أملنا أن نرى انخفاضا في حجم هذا الاقتصاد وليس فقط في نسبته، وكذلك علينا التركيز على إزالة جميع ما هناك من معوقات في الاقتصاد الحقيقي لجعله جاذبا للجميع، وبشكل تنتفي معه الحاجة إلى اللجوء لاقتصاد الظل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي