أذرع الحوسبة السحابية تلتقط براعم الذكاء الاصطناعي الناشئة
تسعى شركات التكنولوجيا الكبرى بقوة للاستثمار وعقد تحالفات مع شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة عبر أذرعها للحوسبة السحابية، ما يثير تساؤلات تنظيمية حول دورها موردة ومنافسة في معركة تطوير الذكاء الاصطناعي التوليدي.
كان رهان شركة جوجل الأخير بقيمة 300 مليون دولار على شركة أنثروبيك ـمقرها سان فرانسيسكوـ الأحدث في سلسلة من الشراكات المتعلقة بالسحابة، التي أقيمت بين مجموعات الذكاء الاصطناعي الناشئة وأكبر شركات التكنولوجيا في العالم.
تعد شركة أنثروبيك جزءا من موجة جديدة من الشركات الناشئة التي تعمل على تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي، وبرامج الحاسوب المتطورة التي يمكنها تحليل النصوص وكتابتها وإنشاء الأعمال الفنية في ثوان، التي تنافس تلك التي يتم بناؤها داخليا من قبل شركات أكبر منها بكثير مثل جوجل وأمازون.
التكنولوجيا الكامنة وراء المنتجات، بما في ذلك برمجية "شات جي بي تي" من شركة أوبن إيه آي، روبوت محادثة يمكنه التحدث مع المستخدمين عبر الرسائل النصية، تتطلب كميات هائلة من قوة الحوسبة، بنية تحتية باهظة التكلفة يتحكم فيها العدد القليل نفسه من عمالقة التكنولوجيا.
لاحظ ويليام كوفاسيتش، الرئيس السابق لوكالة مكافحة الاحتكار الأمريكية، وأستاذ قانون مكافحة الاحتكار في جامعة جورج واشنطن، أن "هذا بالضبط هو نوع السيناريو الذي قالت لجنة التجارة الفيدرالية إنها ستركز عليه".
وقال "هناك قلق متزايد بشأن الكيفية التي تحد بها شركات خدمات المعلومات الكبرى من فرص ظهور أجيال جديدة من المنافسين"، مضيفا أنها "قد تولي قدرا كبيرا من الاهتمام لهذه الاتفاقيات". رفضت لجنة التجارة الفيدرالية التعليق.
تمنح هذه الشراكات مالكي السحابة نظرة ثاقبة في المواهب والتكنولوجيا التي تتوافر عليها الشركات الناشئة، مع السماح للشركات الأصغر بتجنب الاستثمارات الرأسمالية الضخمة التي قد تكون بغير ذلك ضرورية لبناء البنية التحتية للبيانات الخاصة بها. الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي التي تحتاج إلى تدريب النماذج ليس لديها خيار سوى الاندفاع إلى أحضان الشركات الكبرى التي تقدم الحوسبة السحابية الأساسية بأسعار مخفضة، والوصول إلى المبالغ الكبيرة من رأس المال الذي تحتاج إليه.
قال جوناثان فرانكل، المؤسس المشارك لـ"موزايك إم إل"، شركة تعمل بالذكاء الاصطناعي تسعى إلى تحويل السحابة إلى سلعة لعملائها من الشركات التي تحتاج إلى نماذج الذكاء الاصطناعي "تحب السحابات أن تلزم الناس، حيث تجبرهم على التزامات ضخمة لعدة أعوام".
بعد أن ذكرت "فاينانشيال تايمز" لأول مرة أن استثمار "جوجل-أنثروبيك" منح عملاقة البحث حصة 10 في المائة في الشركة، أعلنت الشركتان إنشاء شراكة سحابية منفصلة.
يعكس هذا الترتيب الاستثمار النقدي مقابل الحوسبة الذي تبلغ قيمته مليار دولار، وهو ما فعلته شركة مايكروسوفت مع شركة أوبن إيه آي قبل ثلاثة أعوام. في كانون الثاني (يناير)، أعلنت شركة مايكروسوفت عن استثمار "متعدد الأعوام بمليارات الدولارات" في شركة أوبن إيه آي يبلغ نحو عشرة مليارات دولار.
عززت الاتفاقية مكانة شركة مايكروسوفت باعتبارها مزودة حصرية للبنية التحتية لإحدى الشركات الناشئة الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي في العالم. ذكر ساتيا ناديلا الرئيس التنفيذي لمايكروسوفت، أن شركته بنت حاسوبا عملاقا للتعامل مع عمل شركة أوبن إيه آي، وأنها تستطيع الآن التعامل مع بعض حسابات الذكاء الاصطناعي بنصف تكلفة منافسيها. يعد خفض التكلفة أمرا أساسيا للتطوير السحابي المكثف للنماذج اللغوية الكبيرة: تشير التقديرات إلى أن تكلفة تشغيل برمجية "شات جي بي تي"، بافتراض وجود عشرة ملايين مستخدم شهريا، تبلغ مليون دولار في اليوم.
في الوقت نفسه، أبرز تحالف لشركة أمازون مع الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي حتى الآن كان مع "ستيبلتي إيه آي"، التي أعلنت في تشرين الثاني (نوفمبر) أن شركة إيه دبليو إس هي "شريكتها السحابية المفضلة" لبناء وتدريب نماذج توليد الشبكات.
تتضمن الشراكة التزاما من قبل شركة ستيبلتي باستخدام رقائق شركة أمازون، ترينيوم، معالجات مصممة حسب الطلب تنافس وحدة معالجة تينسور لشركة جوجل. وتمنح الاتفاقية شركة أمازون، التي يرى بعض العاملين في صناعة الذكاء الاصطناعي أنها متخلفة عن شركتي مايكروسوفت وجوجل من حيث قدرات الذكاء الاصطناعي، شريكا رائدا لعرض منصتها السحابية. الصفقة ليست حصرية، وفقا لشخص على دراية بالشروط، ما يترك شركة ستيبلتي حرة للعمل مع مزودي خدمة سحابية بديلة مثل جوجل كلاود. قالت شركة جوجل أيضا، إن اتفاقيتها السحابية مع شركة أنثروبيك غير حصرية.
مع ذلك، فإن بناء نماذج لغوية كبيرة ونشرها مع مليارات من المعايير، مثل جي بي تي أو نموذج بالم من شركة جوجل، يتطلب أجهزة مستقرة، ما يجعل من الصعب التنقل بين الأنظمة الأساسية المختلفة بمجرد أن تبدأ في تدريب نموذج ما، وفقا لباحثي الذكاء الاصطناعي.
تاريخيا، جذب هذا النوع من الاتكال انتباه منظمي مكافحة الاحتكار في مجالات أخرى، بما في ذلك الاتصالات، وفقا لكوفاسيتش، وأضاف "حقيقة أن موردك للخدمة الرئيسة هو منافسك أيضا علاقة محرجة بطبيعتها ومليئة بالتوتر".
الحاجة الأساسية لمزود خدمة سحابي موثوق يمكنه توفير البنية التحتية للحوسبة بالحجم والتردد اللذين تحتاج إليهما الشركة الناشئة للذكاء الاصطناعي تعني أن الشركات ستضطر سريعا إلى الدخول في شراكات سحابية مع شركات التكنولوجيا الكبرى.
تتمتع شركتا جوجل وأمازون بعلاقات وثيقة مع الشركات الناشئة الأخرى الممولة جيدا في مجال الذكاء الاصطناعي، التي تبني نماذجها اللغوية الخاصة، من بينها شركة كوهير ـمقرها كاليفورنياـ وشركة إيه آي 21 لابز التي باع يواف شوهام مؤسسها المشارك، شركتين من شركاته السابقة لشركة جوجل.
قال توم بيز، الرئيس التنفيذي لشركة الإدارة السحابية، يلو دوج، "بعض الأكاديميين الذين يرغبون في بناء شركاتهم الناشئة، تكون محادثتهم الأولى مع مزودي الخدمات السحابية قبل أن يوظفوا مطورين، لأنهم يعلمون أن ذلك مكلف للغاية. إنه أمر أساسي". لكنه رفض تسمية أي من الشركات المشاركة، بسبب اتفاقيات عدم الإفصاح الموقعة مع مزودي خدمات السحابة الإلكترونية الكبرى.
يمكن لمثل هذه الصفقات أن تستدعي تدقيقا تنظيميا بسرعة. في العام الماضي تم تقديم تشريع في الكونجرس الأمريكي يستهدف ما يسمى السلوك التفضيلي الذاتي لعمالقة التكنولوجيا، لمنع منصات الإنترنت الكبرى من استخدام نفوذها في مجال واحد لتعزيز منتجاتها الأخرى.