لا تتهيب الأسئلة "الغبية" .. لن تخسر شيئا
عندما كنت مراسلة اقتصادية مبتدئة، تم تكليفي ذات مرة بمهمة أصابتني بالذعر. طلب مني كتابة مقالة عن مفهوم اقتصادي لم أفهمه تماما. لم يكن حولي أي عضو آخر من فريقي. البحث في جوجل تركني فقط أكثر حيرة. لحظتها، مر مارتن وولف، كبير الصحافيين الاقتصاديين في فاينانشيال تايمز، من أمام مكتبي. أخذت نفسا عميقا وسألته. شرح ذلك بوضوح في بضع جمل، وإن كان قد ظن أني سخيفة لأني سألت، فإنه لم يجعلني أشعر أني كذلك أبدا.
من ساعتها، كنت من أشد المؤمنين بطرح الأسئلة "الغبية"، وأعني بها الأسئلة التي تخشى أن تظهرك بمظهر الغبي. لكني قلقة من أنها فن يندثر.
طبعا لم يكن الأمر سهلا قط. طالما وجد المحاضرون أن أفضل أسئلة الطلاب هي التي يساورهم قلق من أنها قد تكون سخيفة لكنها مفيدة جدا في الواقع، وهي تطرح عادة أثناء فترات الراحة، أو أثناء السير بين المباني بعد انتهاء المحاضرة.
عندما تحول التدريس إلى دروس عبر الإنترنت بعد تفشي الوباء، اختفت تلك الفرص. لكن تبين لكثير من الأكاديميين والمدربين أن الأدوات الإلكترونية سهلت في الحقيقة على بعض الطلاب السؤال عن أمور التبست عليهم. فجأة، يمكنهم كتابة أسئلة في مربع الدردشة أو إرسال رسالة مباشرة إلى المحاضر، بدلا من رفع أيديهم وطرحها أمام الجميع.
أضافت منصات مثل "مينتيميتر" طبقة إضافية من الراحة بسماحها للطلاب طرح أسئلة دون إظهار هوياتهم. بات بعض الأكاديميين يدمجون هذه الأدوات الإلكترونية في محاضراتهم وجها لوجه، حتى يتمكن الطلاب من الاستمرار في طرح أسئلة دون الكشف عن هوياتهم.
من الواضح أن لهذا بعض الفوائد. أدير أحيانا جلسات أسئلة وأجوبة مع الجمهور تدور حول بعض الأحداث، ويمكن لقلة من المتحدثين الواثقين أن يتسيدوا الحوار. يبدو أن إمكانية إرسال المستمعين أسئلة نصية تحث مجموعة أكثر تنوعا على الكلام ممن قد يلتزمون الصمت لولاها.
لكن ماذا لو خسرنا شيئا أيضا؟ كلما استخدمنا التكنولوجيا لتجنب مشقة طرح الأسئلة، زاد خوفنا من طرحها وجها لوجه. أخبرني أحد الأكاديميين أن الأغلبية العظمى من طلابه "مستعدون حقا لطرح سؤال" لكنهم يبدون متوترين للغاية لاتخاذ "تلك الخطوة النهائية". لقد شعر بإحباط شديد بسبب الصمت في المحاضرات، فأحضر إحدى كرات طفله اللينة، قائلا: "سأرميها ومن يمسك بها عليه أن يسألني سؤالا. أي سؤال". قال إنهم نظروا إلى الكرة كما لو كانت قنبلة يدوية.
لكن قد يكون طرح الأسئلة وجها لوجه أفضل طريقة لضمان أن تفهم موضوع السؤال جيدا. طلبت أحيانا من الناس رسم مخططات توضيحية لي. هذا أمر مهم إذا كانت وظيفتك تستلزم تقديم رسالة واضحة - وإلا فقد ينتهي بك الأمر إلى تكرار مفردات متخصصة لأنك لا تتحلى بالثقة لتصوغها بلغة مبسطة.
كما يقول كتيب صحافي غال علي، يجب أن تكون متمكنا من "تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، المجرفة بالمجرفة، بدلا من إحضار أحد ما من جامعة هارفارد ليعلن رسميا أنها أداة شخصية لجرف التربة بعصا طويلة". لا يفلح الصحافيون في هذا دائما (بمن فيهم أنا).
وجد بحث حديث ينظر في حيادية تغطية هيئة الإذاعة البريطانية، "بي بي سي"، لبعض القضايا الاقتصادية أن "كثيرا من الصحافيين لا يفهمون الاقتصاد الأساسي، أو يفتقرون إلى الثقة في إعداد تقارير عنه". كما كان معدو البحث "محتارين من عدد الذين قالوا إنهم لا يفهمون موضوع التغطية".
الخوف من طرح الأسئلة "الغبية" يمكن أن يقودك إلى التظاهر بأنك تعرف أكثر مما تعرف، ويجعلك أكثر عرضة للخداع والهراء والاحتيال. مثلا، مع تقدم الذكاء الاصطناعي خطوات هائلة في بعض المجالات، تشتري الشركات أيضا منتجات تجارية كثيرة قائمة عليه يسميها أستاذ علوم الحاسب، أرفيند نارايانان "ذكاء اصطناعي أجوف".
طلبت إحدى الدراسات المنشورة عام 2021 من المشاركين ترتيب معرفتهم بمجموعة من المصطلحات على مقياس من خمس نقاط: من "لم أسمع بها من قبل" إلى "أعرفها جيدا، وأفهم المفهوم". كانت بعض المصطلحات حقيقية، وبعضها الآخر مزيفا. وجدت الدراسة أن الذين كانوا أكثر استعدادا للتحدث بالهراء فيما يعرفونه كانوا أيضا أكثر عرضة للانخداع بهراء الآخرين.
أعلم أن الجميع ليسوا محظوظين بما يكفي لأن يمر مارتن وولف من أمام مكاتبهم. لكن خذها من شخص يطرح أسئلة من أجل لقمة العيش: لا يمانع معظم الناس أبدا في أن تسألهم سؤالا "غبيا". إن كانوا يمانعون، فربما لأنهم لا يفهمونه تماما، أو لديهم أمرا يخفونه. من هذا المنطلق، ستتعلم شيئا مفيدا في كلتا الحالتين.