البحث الإداري .. لماذا يتم تبني القليل من أفكاره؟

البحث الإداري .. لماذا يتم تبني القليل من أفكاره؟

في نصف القرن الماضي، تضاعف عدد كليات إدارة الأعمال وأعضاء هيئة التدريس والمنشورات الأكاديمية. يشير أحد الأعداد التقديرية، من هيئة اعتماد كليات الأعمال، جمعية تطوير كليات إدارة الأعمال، إلى أن إجمالي أنشطة البحث الخاصة بها يكلف نحو أربعة مليارات دولار سنويا.
لكن لا تتغلغل نتائج هذه الأبحاث في الأغلب بعيدا عن المجلات الأكاديمية إلى ما يمكن اعتباره السوق المستهدفة، كبار القادة في الشركات، والحكومة والمؤسسات الأخرى خارج جامعات مؤلفيها.
هناك نقاش متزايد، سواء داخل كليات إدارة الأعمال أو خارجها، حول إلى أي مدى يجب أن تقاس مخرجات البحث بمدى وصول الأفكار التي يتم تبنيها عمليا.
شارون هودجسون، كبيرة المستشارين السابقين لدى شركتي آي بي إم وبي دبليو سي، وعميدة كلية آيفي للأعمال في كندا، ليس لديها أدنى شك في الحاجة الملحة إلى سد ما يسمى بـ"فجوة الصلة" من خلال صلات أوثق بين الأساتذة والممارسين، وهو ما جعلته أولوية.
تقول "هناك كثير من المال والخبرة في الجامعات، لكن كثيرا من الأبحاث ليس موجها إلى السوق أو يستغرق وقتا طويلا". الأوساط الأكاديمية منعزلة جدا، لذا فإن هدف كلية آيفي يكمن في تسريع وتوسيع دورة الابتكار.
رأى تحليل حديث للأوراق البحثية المنشورة بين 2015 ونهاية 2020 أن عددا قليلا من مؤلفي كليات إدارة الأعمال توقعوا أو استكشفوا العواقب الإدارية والاقتصادية للجائحة، حتى بعد أشهر من ظهور كوفيد - 19. وعلى الرغم من الزيادة الكبيرة في المنشورات التي يتم الاستشهاد بها على الإنترنت وعلى وسائل التواصل الاجتماعي حول هذه الموضوعات، إلا أن معظمها كتب من قبل مؤلفين من خارج كليات إدارة الأعمال الرائدة.
هناك فرص لأعضاء هيئة التدريس في كليات إدارة الأعمال للتواصل مع قاعدة جماهيرية أوسع، لكن لا يتم استخدامها بشكل كاف نسبيا. تقول بيث دالي، محررة "ذا كونفيرسيشن يو إس"، موقع إلكتروني ينشر مقالات للقراء العاديين كتبها أكاديميون، "إنها تتلقى عددا هائلا من العروض الترويجية في السياسة، والصحة، والبيئة والعلوم، لكن أقل في مجال الأعمال، والفن والدين، على الرغم من أن هذه المواضيع من بين أكثر المواد قراءة لدينا".
يحصل الأكاديميون على قدر ضئيل من الفضل للكتابة في "المنشورات التجسيرية"، تستهدف الأشخاص في مجال الأعمال، مثل مجلة "هارفارد بزنس ريفيو"، أو للتبني النهائي لأفكارهم في السياسة أو المنظمات، أمر يصعب تتبعه إلى حد كبير.
يحذر آخرون من أن التشجيع على تعميم أفكار الأكاديميين يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية، بل ربما يشكل خطرا. كما حذر سومانترا جوشال، العميد المؤسس لكلية الأعمال الهندية، في ورقة بحثية 2005 "تعود جذور عديد من أسوأ تجاوزات الممارسات الإدارية الأخيرة إلى مجموعة من الأفكار التي ظهرت من أكاديميي كليات إدارة الأعمال على مدى الأعوام الـ30 الماضية".
استشهد بالقضايا التي درسها طلاب كلية إدارة الأعمال على نطاق واسع، حيث أشادوا بشركات مثل إنرون قبل انهيارها، وتطبيق المفاهيم الأكاديمية لتبرير المكافآت المفرطة للتنفيذيين، والإشراف المفرط المنبثق من عدم الثقة بالموظفين، والكراهية للجهات التنظيمية.
بالنسبة إلى جوشال، فإن واحدة من أكثر الأفكار تأثيرا لكن سلبية التي نشأت في الأوساط الأكاديمية تمثلت في التركيز على تعظيم قيمة المساهمين، التي دعا إليها ميلتون فريدمان الخبير الاقتصادي "الذي لا ينتمي إلى إحدى كليات إدارة الأعمال".
بدلا من ذلك، قال، "ينبغي لهم التركيز مجددا على التوليف، والتدريس، وتطبيق الأفكار، والمشاركة في الأعمال".
تشير المبادرات الأخيرة إلى أن مزيدا من البحوث التطبيقية يمكن أن تكون مفيدة في سياق تجاري ومجتمعي أوسع. سلطت جوائز تعليم الأعمال المسؤولة من "فاينانشيال تايمز" الضوء على الأكاديميين الذين حددوا وساعدوا على الحد من التحيز العنصري في خوارزميات التأمين، وعززوا التبرعات بالأعضاء، وقللوا من خسائر محاصيل المزارعين الأفارقة من أصحاب الحيازات الصغيرة.
إن أحد عوائق التغيير هيكلي. إذ يتم دعم أبحاث كليات إدارة الأعمال إلى حد كبير عبر الرسوم الدراسية وتبرعات الخريجين. لديهم عدد أقل من المنح الخارجية الأكبر من الحكومات، والمحسنين والشركات التي تذهب إلى كليات العلوم، أو الطب أو الهندسة، مقابل توقع نتائج مفيدة.
هناك عقبة أخرى تتمثل في الاتجاه المتزايد للترويج للأكاديميين استنادا إلى معيار ضيق لاستخدام المقاييس لتتبع المنشورات والاستشهاد بها في المجلات المرموقة التي يراجعها الأقران، والتي يقرأها أكاديميون آخرون بشكل حصري تقريبا.
تمتلك "فاينانشيال تايمز" قائمة "إف تي 50" الخاصة بها من المجلات الأكاديمية المؤثرة في كليات إدارة الأعمال، جزء من تصنيفها السنوي العالمي لماجستير إدارة الأعمال. يستكشف فريق التصنيف التابع لها طرقا لتوسيع تقييم البحوث ليس فقط لتتبع الدقة الأكاديمية، لكن أيضا الصدى لدى جمهور أوسع والملاءمة لاحتياجات المجتمع.
يقول أوشا هالي من جامعة ولاية ويتشيتا، متخصص في تأثير البحث، "لا نكافأ ضمن الأنظمة التي نعمل فيها على التأثير الخارجي من خلال البحث. تتم مكافأتنا على المساهمة التراكمية في تجمع المعرفة. لكن قليلا جدا مما نفعله يجذب انتباه صانعي السياسات أو المديرين".
بالنسبة إلى بعض الأكاديميين، فإن الدافع إلى زيادة الصلة والتطبيق مضلل. يقول البروفيسور تيم ديفيني، من كلية ألاينس مانشستر للأعمال "من الذي له الحق في تحديد المزيج الصحيح من الأسلوب والمحتوى والبحث المناسب؟ إن أحد جوانب الأوساط الأكاديمية الحاسمة هو حرية التعبير والفكر".
في النهاية، قد يأتي التأثير الأكبر للأكاديميين من خلال البحث بدرجة أقل من التدريس للطلاب والمديرين التنفيذيين، الذين تنتقل الأغلبية العظمى منهم بعد ذلك إلى مجال الأعمال أو يعودون إليه. يحذر جوليان بيركينشو، أستاذ الاستراتيجية وريادة الأعمال في كلية لندن للأعمال، من أن كثيرا من البحث الأكاديمي يخدم في أي حال لتحديد الممارسات الإدارية الحالية والتدقيق فيها أكثر من تطوير ممارسات جديدة.
لكن الضغط من أجل الإصلاح ما زال مستمرا. يقول أندرو كارولي، عميد كلية إس سي جونسون للأعمال في كورنيل والرئيس القادم لشبكة الأبحاث المسؤولة في الأعمال والإدارة للأكاديميين، "إن كليته قد عينت عميدا مشاركا للاستراتيجية والتأثير المجتمعي.
نأمل أن يرى مزيد من أعضاء هيئة التدريس إمكانية للانخراط في الصناعة، ما يذكرهم لماذا يكونون قد قرروا السعي للحصول على وظيفة كعالم إداري في المقام الأول".

الأكثر قراءة