تعافي الصين قد لا يكون مثلما تراه العين

تعافي الصين قد لا يكون مثلما تراه العين

هل كل حالات الانتعاش الاقتصادي في الصين متشابهة، مثلما هي أسر المؤلف تولستوي السعيدة؟ يبدو أن كثيرا من المراقبين هذه الأيام يعتقدون ذلك. مثلا، يعكس الانتعاش الأخير في أسعار المعادن ثقة بالسوق، بأن تسارع معدل النمو في الصين هذا العام سيلقي الظل المعتدل نفسه على الاقتصاد العالمي، كما حدث في حالات التعافي الكبيرة السابقة. لكن قد لا تكون الحال كذلك.
تميزت حالات الانتعاش الاقتصادية الصينية الكبيرة في العقد الماضي، أو نحو ذلك، بميزتين بالدرجة الأولى، كانت مدفوعة بالتحفيز وقيادة الاستثمار. عادة كانت المبالغ الكبيرة من الدعم عبر أسواق الائتمان وأدوات التمويل خارج الميزانية العمومية للحكومات المحلية تركز جميعها على دعم النشاط في البنية التحتية والعقارات. وأدى التحفيز المالي والنقدي إلى زيادة كبيرة في الإنفاق الاستثماري.
كان هذا النوع من النمط واضحا للغاية في الانتعاش الذي أعقب الأزمة المالية والانتعاش الذي أعقب ركود الصين في عام 2015. خلال تلك الأعوام، لم تكن الاقتصادات الكبيرة الأخرى نفسها تفعل الكثير على صعيد الاستثمار جراء سياسات التقشف التي أعقبت أزمة ما بعد عام 2008 وآثار أزمة منطقة اليورو بعد ذلك. بالتالي، لعب الإنفاق الاستثماري للصين دورا كبيرا في صياغة التجارة العالمية والطلب على السلع الأساسية.
سيكون الأداء الاقتصادي للصين في عام 2023 مختلفا، بمعنى أن تسارع النمو هذا العام سيكون في الأغلب نتيجة لإنهاء البلاد الإغلاق الذي استهدف السيطرة على انتشار كوفيد. لذلك، سيحظى الاقتصاد بما يمكن وصفه على الأرجح بأنه انتعاش تلقائي "وليس مدفوعا بالحوافز"، وسيشهد أكبر التأثيرات في الخدمات والاستهلاك "وليس الاستثمارات".
لماذا ستلعب السياسة النقدية والمالية دورا محايدا إلى حد ما؟ فيما يتعلق بالسياسة المالية، من غير المرجح حدوث زيادة كبيرة في عجز الميزانية الصينية، لأن أحد أسباب إعادة الفتح في المقام الأول هو أن بكين أصبحت أكثر قلقا بشأن مخزون الديون في الميزانية العمومية للقطاع العام. يبدو الأمر كما لو أن الحكومة تريد أن يصلح الانتعاش مشكلة ميزانيتها العمومية، بدلا من استخدام ميزانيتها العمومية لإصلاح مشكلة الاقتصاد.
وبالمثل، فإن مزيدا من التحفيز النقدي الكبير غير مرجح، لأن أسعار الفائدة الصينية أصلا أقل كثيرا من نظيرتها في الولايات المتحدة، ما يزيد من مخاطر حدوث مزيد من التدفقات المالية الخارجة إذا تم تخفيف السياسة النقدية أكثر من ذلك بكثير.
ومع أنه لن يكون هناك القدر نفسه من التحول نحو سياسة اقتصاد كلي أكثر مرونة كما كانت الحال في الماضي، إلا أن هناك نوعا مختلفا من التحول يحدث في الوقت الراهن، تحول من الأيديولوجية نحو البراجماتية. من الواضح أن بكين -في الوقت الحالي- أقل تركيزا على "الرخاء المشترك" أو "التوسع غير المنضبط لرؤوس الأموال". فلغة جسد صانعي السياسات الصينيين تجاه القطاع الخاص دافئة هذه الأيام، رغم أن موقف السلطات تجاه قطاع العقارات لا يزال يتميز بشعار "المنازل هي للعيش فيها، وليست للمضاربة".
لذلك، من المرجح أن تكون الآمال في حدوث تعاف مدفوع بالحوافز والاستثمارات مخيبة للظن. مزيد من ذهاب الأسر الصينية إلى المطاعم والملاهي سيكون له تأثير أقل بكثير في الدول الأخرى من تأثير مزيد من القطارات الصينية عالية السرعة أو المباني السكنية.
بعبارة فنية أكثر، من المرجح أن تكون "النزعة الهامشية للاستيراد" -مقدار إنفاق كل رينمينبي يعزز صادرات الدول الأخرى- أقل بالنسبة إلى الخدمات الصينية والإنفاق الاستهلاكي منه إلى الإنفاق الاستثماري. وهذا صحيح بشكل خاص في الاقتصادات الناشئة الأخرى.
هناك سمة أخرى لإعادة فتح الصين هذا العام يتعين التفكير فيها، هي عواقبها على ميزان المدفوعات. ففي حين إن فتح حدود الصين يفيد بوضوح المستفيدين التقليديين من سخاء السياحة في الدولة، من الممكن أن يختفي فائض حسابها الجاري بسرعة، فقد أنفق السياح صافي 220 مليار دولار في الخارج في عام 2019، ومن المرجح أن يكون الطلب المكبوت على السفر إلى الخارج مرتفعا.
لكن الطلب المكبوت على تحويل رؤوس الأموال إلى الخارج سيكون مرتفعا بالقدر نفسه. كانت الفرص التي أتيحت للصينيين لتنويع ثرواتهم دوليا محدودة للغاية خلال الأعوام الثلاثة الماضية. في ذلك الوقت، لم تفقد سوق العقارات في الدولة جاذبيتها كمخزن موثوق للثروة فحسب، بل تحول الفارق في أسعار الفائدة بين الصين والولايات المتحدة أيضا إلى الجانب السلبي بشكل حاد. إجمالا، من المرجح أن يكون الحافز لإخراج الأموال قويا، وهو أمر من المرجح أن يضخ بعض التقلبات في أداء الرنمينبي.
من المؤكد أن العالم أفضل حالا مع تعافي الصين من عدمه، لكن من الأفضل عدم افتراض أن هذه المرة ستكون مثل سابقاتها.

*رئيس اقتصادات الأسواق الناشئة في سيتي جروب

الأكثر قراءة