شركة تصنع القيمة وأخرى تدمرها

 شركة تصنع القيمة وأخرى تدمرها

اشتهرت شركة سيمنز الألمانية العملاقة للهندسة قبل عقدين بكونها مثالا لتكتل، تتم إدارته على نحو سيئ. الشركة العملاقة التي تتخذ من ميونيخ مقرا لها، في ذلك الوقت، كانت تفاخر بأن لديها 13 وحدة تشغيلية مختلفة لمجموعة منتجات انتقائية تراوح بين محطات الطاقة النووية والمصابيح الكهربائية وأجهزة السمع الطبية. وقد اعتاد المحللون على المزاح آنذاك بالقول "سيمنز تحقق أي شيء، باستثناء الربح".
لم يعد الأمر كذلك الآن. فمنذ عام 2003، تخلت الشركة التي يبلغ عمرها 175 عاما عن الوحدات غير المربحة وتلك التي لا تتناسب مع أعمالها الأساسية. فصلت وحدة الإضاءة التي كانت متعثرة وعملياتها في مجال الطاقة، إضافة إلى وحدة الرعاية الصحية سريعة النمو والمربحة للغاية. واستثمرت بكثافة في البرمجيات والمعدات المستخدمة في الطاقة الخضراء. كذلك عملت الشركة على معالجة قضايا الامتثال التي كانت تعانيها لمدة طويلة، التي أدت في الماضي إلى واحدة من أكبر فضائح الرشا في تاريخ الشركات الألمانية.
وقد أجزل هذا التحول العطاء للمساهمين. فعلى مدار الـ20 عاما الماضية، صنعت "سيمنز" للمساهمين أكبر قدر من القيمة من بين جميع الشركات الألمانية المدرجة، وفقا لدراسة نشرتها الشهر الماضي ذراع الأبحاث التابعة لشركة فلوسباخ فون ستورش الألمانية لإدارة الأصول.
فمنذ عام 2003، استطاعت شركة سيمنز توليد 126 مليار يورو من القيمة لمستثمريها مع تضاعف قيمة أسهمها ثلاث مرات، كما دفعت الشركة مليارات اليوروهات على شكل أرباح موزعة وإعادة شراء للأسهم. وارتفع إجمالي قيمة المساهمين إلى 152 مليار يورو، بما في ذلك قيمة مساهمي الشركات المنبثقة عنها، مثل سيمنز هيلثينيرز وسيمنز إنيرجي وأوسرام ليخت، وهو ما يمثل 9 في المائة من إجمالي القيمة التي أنشأتها الشركات الألمانية المدرجة البالغة 1013 شركة فيما بينها على مدار الـ20 عاما الماضية.
حتى إن شركة سيمنز تفوقت على شركة SAP المتخصصة في صناعة البرمجيات، وهي شركة مفضلة في سوق الأوراق المالية منذ فترة طويلة حققت 117 مليار يورو من قيمة المساهمين للمستثمرين. والأكثر من ذلك، أن الشركات الألمانية الخمس الأكثر نجاحا منذ عام 2003 -سيمنز وSAP وأليانز ومرسيدس بنز ودويتشه تيليكوم- تستحوذ على 29.8 في المائة من إجمالي القيمة التي تم إنشاؤها.
يقول فيليب إمينكوتر مؤلف الدراسة، "إن القيمة التي تم إنشاؤها تتركز في عدد قليل من الأسهم". ومن بين 1013 شركة يتم تداولها منذ عام 2003 في إحدى بورصات ألمانيا الكبرى، فقط 58 في المائة منها أوجدت القيمة خلال فترة الـ20 عاما كلها.
هذه الدرجة العالية من التركيز في العوائد ليست مسألة مستغربة في ألمانيا، لكنها تعكس نتائج بحث مماثل شمل الولايات المتحدة، تم نشره في عام 2018 في مجلة "جورنال أوف فاينانشيال إيكونومكس" الأكاديمية.
وقد تم التوصل إلى هذه النتيجة جزئيا بسبب المنهجية التي اتبعتها الدراسة، التي تركز على المبلغ المطلق لأرباح رأس المال للشركات وتوزيعات الأرباح وإعادة شراء الأسهم. وهو ما يمنح الشركات الكبيرة وزنا أكبر من الشركات الصغيرة.
علاوة على ذلك، يعتمد التصنيف على المواعيد النهائية. حيث بدأ إمينكوتر دراسته في عام 2003 عندما كان قطاع التكنولوجيا في أدنى مستوياته، بعد انفجار فقاعة الدوت كوم، الأمر الذي سهل على شركة دويتشه تيليكوم أن تتألق نظرا لاستبعاد انهيار قيمتها السابقة، مثلا. فبين اكتتابها العام الأولي في عام 1996 ونهاية عام 2002، ارتفع سهم الشركة بشكل كبير قبل أن ينهار.
تقول نتيجة الدراسة، إن عائدات أسواق الأسهم الإيجابية يدفعها إلى حد كبير عدد قليل من الشركات الناجحة، ويكون لذلك أثره في المستثمرين. فمن ناحية، تساعد النتائج على تفسير سبب أن عددا قليلا جدا من مديري الأصول يتمكنون من التفوق على معاييرهم بصورة مستمرة. ونظرا إلى ضخامة عدد الأسهم المدمرة للقيمة، المتاحة للاختيار، يحتاج مديرو الصناديق فقط إلى اتخاذ القرارات في عدد قليل من الأسهم ذات القيمة الحاسمة التي لا ينبغي تفويتها.
ومما يفهم كذلك من الدراسة أن المساهمين الذين أرادوا جني الأرباح على مدارالـ20 عاما الماضية كان من الممكن أن تقدم لهم نصيحة للابتعاد عن الشركات المالية الألمانية، التي تدمر قيمة المساهمين باستمرار.
هذا ليس بسبب الإخفاقات كالتي تعرضت لها شركة الإقراض العقاري هايبو ريال إستيت وشركة واير كارد فقط، لكن أيضا بسبب كفاح المقرضين مثل كوميرزبانك وآي كيه بي، اللذين كتبت لهما النجاة من الأزمة المالية فقط بسبب مليارات اليوروهات في عمليات إنقاذ من أموال دافعي الضرائب.
من بين جميع الشركات الـ1013 التي تم فحصها من قبل فلوسباخ فون ستورش، هبط بنك دويتشه بانك، أكبر البنوك الألمانية، إلى أسفل القائمة، بعد أن دمر ما يقدر بـ25 مليار يورو في فترة اتسمت بخسائر بمليارات وغرامات باهظة وزيادات مؤلمة في رأس المال. وعلى مدى الأعوام الخمسة الماضية، عمل كريستيان سيوينج الرئيس التنفيذي، على تحقيق الاستقرار، وأعلن البنك الأسبوع الماضي أعلى ربح يحققه منذ 15 عاما. كما كرر سيوينج وعده بتوزيع ثمانية مليارات يورو من رأس المال على المساهمين بحلول عام 2025. وهو يأمل ألا يكون أداء البنك في السابق معيارا لأدائه في المستقبل.

الأكثر قراءة