بعث جديد لأهمية الطاقة النووية «4»
بجزء ضئيل من الثروة والبنية التحتية والقدرات التكنولوجية، يتوقع من الدول النامية أن تحقق ما تعجز عن تحقيقه دول العالم الأكثر ثراء -أي إمداد اقتصاداتها بالكهرباء دون تطوير مزيد من الوقود العادي- بسبب الحظر الشامل الذي فرض على تمويل هذا التطوير تحت مسمى التخفيف من آثار تغير المناخ. ونظرا إلى أن معظم بنوك التنمية تستثني الطاقة النووية والكهرومائية، وهو ما يرجع في جانب كبير منه إلى الاعتراضات البيئية من الدول المانحة، فإن تمويل تنمية الأنشطة المناخية يحد اليوم فعليا من طموحات الدول الأشد فقرا في استخدام الطاقة المتجددة. وعلى الرغم من أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية بدأتا أولى خطواتهما في عديد من الدول الفقيرة، فلا يزال حجمهما بالغ الصغر، ولن تقدما إلا القليل لمساعدة تلك الدول على بناء طرق ممهدة، أو تصنيع الصلب أو الأسمدة، أو بناء مساكن وبنية تحتية حديثة في مدنها متسارعة النمو.
إذا كان هناك أي مكان في العالم ينبغي أن يتبع كل ما سبق ذكره في جدول أعمال الطاقة فهو إفريقيا جنوب الصحراء التي تستخدم تقريبا كمية الكهرباء نفسها التي تستخدمها إسبانيا رغم أن عدد سكانها يفوق عدد سكان الأخيرة 18 مرة. ويفتقر أكثر من 600 مليون شخص إلى الحصول على الكهرباء، ووقود الطهي النظيف، ووسائل النقل الحديثة. والقارة بأكملها لا تملك سوى مصنعين قادرين على إنتاج الأمونيا، ذلك المكون الحيوي للأسمدة الصناعية، كما يمثل نقص الحصول على الأسمدة بتكلفة معقولة عقابا لصغار المزارعين الذين تقل عائداتهم خمس مرات عن المزارعين الأمريكيين أو الأوروبيين.
ولا تمثل الطاقة النووية، مثلها مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وصفة سحرية ولا يمكنها أن تحل كل هذه المشكلات. أما التكنولوجيات النووية الجديدة المصممة والموجهة لاحتياجات إفريقيا فلن تتاح قبل عقد على الأقل. ومع ذلك، أبدى عدد كبير من الدول الإفريقية، من بينها: غانا وكينيا وناميبيا ونيجيريا وجنوب إفريقيا والسودان وتنزانيا وأوغندا وزامبيا اهتماما كبيرا في الأعوام الأخيرة بتطوير محطات نووية جديدة. والأرجح أن أي مسار طويل المدى نحو إفريقيا الحديثة التي تتمتع بالرخاء سيحتاج إليها. فمن المتوقع أن يتضاعف عدد سكان إفريقيا بحلول 2050 لتصبح واحدة من أكثر مناطق العالم اكتظاظا بالسكان.
وبما لا يقل عن الحال في الدول الأكثر ثراء، يرجح أن يظل الوقود العادي حقيقة حياتية في جميع أنحاء إفريقيا وفي جزء كبير من بقية العالم النامي لعقود عديدة مقبلة. وسيتطلب التعجيل بالتحول بعيدا عنه على مستوى العالم طرح خيارات جديدة منخفضة الكربون، لا استبعادها. ومما لا شك فيه أن الطاقة النووية هي أحد هذه الخيارات. وبينما يعيد العالم الغني النظر في قيمة الذرة، فقد تأخر كثيرا في إعادة النظر في إمكاناتها القادرة على معالجة التحديات الإنمائية العالمية، وكذلك التحديات المناخية العالمية.