رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


هل خرج النفط من قفص الاتهام؟

ذكرت سابقا أن استقرار أسواق الطاقة واستدامتها وسلامة شرايينها، هو عين التطور وأساس التنمية وقلب المدنية النابض، ولا يمكن بأي حال من الأحوال استقرار الدول والمجتمعات التي تواجه شحا في الطاقة، أو اضطرابا في إمداداتها.

بعد جائحة كورونا التي نحرت الاقتصاد العالمي، الذي لم يكن في أحسن حالاته، من الوريد إلى الوريد، بعد هذه الجائحة يواجه بعض دول العالم أزمة في الطاقة، وقد يمتد أثرها إلى العالم بأسره في المديين القريب والمتوسط إذا لم يتم التعاطي مع ملف الطاقة بحكمة ومسؤولية والتزام.
وضحت أن هناك اختلافا في اعتقادي بين أزمتي كورونا والطاقة الحالية، حيث إن الأولى تطلبت وقتا طويلا لتقييمها ومعرفة آثارها واكتشاف علاجها، أما أزمة الطاقة الحالية فأسبابها نظريا في رأيي معلومة وحلولها أيضا، لكن التطبيق صعب جدا لكون الملف شائكا ولأطراف المعادلة أهداف آنية ومستقبلية مختلفة، بل متناقضة.

بعض الجهات وبيوت الخبرة العالمية المختصة في مجال الطاقة ما زالت تعيش حالة من الوهم والتخبط والسعي الحثيث إلى تهميش الوقود الأحفوري وتقويض الصناعات المرتبطة به، والاستثمارات فيها، رغم أن العالم كان وما زال وسيبقى متعطشا لجميع مصادر الطاقة دون استثناء، وإن عنوان المرحلة الأجدى في اعتقادي هو رفع كفاءة الإنتاج والاستهلاك لجميع مصادر الطاقة المتاحة، وليس إقصاء أو تهميش بعض هذه المصادر.

المعايير التي يتبناها حملة لواء شيطنة الوقود الأحفوري وعلى رأسها النفط هي معايير هشة، وهذا ليس رأيا مرسلا بل أثبتت الحقائق على أرض الواقع ذلك.

التعاطي المتطرف مع هذه القضية تعاط متناقض بل مثير للسخرية عندما يتعلق الموضوع بمنتج حيوي واستراتيجي مثل الطاقة بأنواعها المختلفة، فمن المسؤولية الدولية أن يتم التجرد من المصالح الشخصية والأجندات السياسية قدر المستطاع، وأن يتم التعامل مع أمن الطاقة العالمي بمسؤولية والتزام.
من ينظر إلى الأزمة الأوروبية وتبعات الحرب الروسية - الأوكرانية التي ألقت بظلالها على منتجات الطاقة في أوروبا وعلى رأسها الغاز، الذي ارتفعت أسعاره إلى مستويات قياسية بنحو 1000 في المائة خلال العام الماضي، ما أدى بطبيعة الحال إلى تعثر بعض المصانع ومعاناة كثير منها، حيث ارتفعت فاتورة الكهرباء إلى خمسة أضعاف في بعض دول أوروبا.

ما حدث ولا يزال يحدث في أوروبا بسبب الحرب الدائرة وتعطل شرايين الطاقة الروسية بصورة شبه كاملة، واضطراب أسواق الطاقة فيها وتبعاتها المدمرة على اقتصادات الدول الأوروبية، في اعتقادي أنه أبلغ رسالة أن أمن الطاقة العالم هو مفهوم، بل مبدأ أعمق بكثير من تصورهم، وأهم بكثير من أجنداتهم السياسية الآنية.
الحقائق جلية توضح أن من كان ينادي بإحلال مصادر الطاقة المتجددة بدلا من الوقود الأحفوري أصبح يطالب روسيا بضخ مزيد من الغاز لتجاوز أزمة الطاقة! وأن من كان يطالب "أوبك" بخفض إنتاجها من النفط عندما هوت الأسعار إلى أرقام تاريخية، أصبح يطالبها بضخ مزيد من النفط لموازنة الأسعار من المنبر ذاته! مزيج الطاقة هو المستقبل الآمن، وعليه يجب العمل على رفع كفاءة واستهلاك جميع مصادر الطاقة دون استثناء بدلا من إضاعة الوقت والجهد والموارد في شيطنة الوقود الأحفوري وعلى رأسه النفط، الذي سيبقى متربعا على عرش مصادر الطاقة العالمية لأمد بعيد، وقد أخرجوه فعلا من قفص الاتهام عندما دعت الحاجة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي