تخلص من مخاطر الاقتصاد الصيني .. لا تنفصل عنه
"تخلص من مخاطر الاقتصاد الصيني، لا تنفصل عنه". كانت هذه الفلسفة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي التي عبرت عنها أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية، في دافوس الشهر الماضي. من ناحية المبادئ التنظيمية، فهي ليست سيئة، وبالتأكيد أفضل من "استراتيجية الاستقلال" الغامضة لبروكسل، أو "السياسة التجارية المخادعة المتمحورة حول العمال" للولايات المتحدة.
يحاول الاتحاد الأوروبي منذ أعوام الوصول إلى أرضية مشتركة والتشبث بها. من ناحية، هناك ميل الولايات المتحدة الرسمي إلى استخدام سلطاتها الفيدرالية لفصل اقتصادها عن اقتصاد الصين. "من غير الواضح إلى أي مدى سينجح هذا. قد تكون تجارة البضائع الأمريكية الصينية الإجمالية سجلت رقما قياسيا العام الماضي". في الجانب الآخر، تاريخ الاتحاد الأوروبي اتسم بالسماح باستمرار التدفق التجاري مع الصين بشكل أساسي. لكن على الرغم من انقلاب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشكل متزايد ضد بكين، فإن بروكسل تكافح لبناء أدوات لتقليل الاعتماد الخطير المتصور على التجارة الصينية.
تعد قدرة أوروبا على استخدام السياسة ضعيفة بشكل خاص في التكنولوجيات الحساسة ذات التطبيقات العسكرية والأمنية. لكن لدى الاتحاد الأوروبي آلياته الجماعية الخاصة به لتصميم ضوابط التصدير. فعندما يكون هناك تهديد واضح، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يتصرف بسرعة، بالوحدة والتنسيق مع واشنطن: فرضت القوتان التجاريتان بسرعة نطاقا واسعا من ضوابط التصدير على روسيا بعد حرب أوكرانيا، راوحت بين أشباه الموصلات ومحركات الغواصات.
لكن عندما تكون إحدى السياسات أكثر إثارة للجدل والخلاف وتؤثر بشكل خاص في دولة عضو، يتم دفع عمليات الاتحاد الأوروبي جانبا بشكل عام لمصلحة الكفاءة الوطنية. لا تزال تفاصيل الاتفاقية بين الولايات المتحدة وهولندا واليابان التي تقيد مبيعات الرقائق وأدوات صناعة الرقائق إلى الصين غير معروفة. لكن الهولنديين، مع افتقارهم النسبي إلى الثقل الاقتصادي والدبلوماسي، كانوا في غرفة المفاوضات مع الولايات المتحدة، وليس الاتحاد الأوروبي بشكل جماعي. كانت العملية سرية وعشوائية، بالضبط نوع البيئة التي تكون فيها واشنطن قادرة بشكل خاص على أن تلقي بثقلها.
تعد التكنولوجيات الحساسة نقطة ضعف واضحة في العمل الجماعي للاتحاد الأوروبي، وكذلك الافتقار إلى استراتيجية للتخلص من مخاطر التجارة الصينية بشكل عام. تود أوروبا أن تكون لديها إمدادات آمنة، وأن تكون لها، حيثما أمكن، صناعة محلية في القطاعات التي تعدها ذات أهمية استراتيجية، ولا سيما البضائع الخضراء "السلع والخدمات التي تعمل على الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية". قد تكون هذه فكرة حكيمة أو لا تكون، لكن على أي حال، الاتحاد الأوروبي لا يزال بعيدا عن تحقيق ذلك.
أحد الأمثلة الواضحة هو أن أوروبا، التي لم يساعدها التباطؤ القابعة فيه على صناعة السيارات الخاصة بها، تتخلف كثيرا عن الصين "وبشكل متزايد عن الولايات المتحدة" في المركبات الكهربائية. يدرس الاتحاد الأوروبي حاليا مجموعة من أدوات الدعم المتناثرة الضعيفة، ليرى إذا ما كان بإمكانه أن يأمل مضاهاة الإنفاق الأمريكي في هذا المجال، علاوة على الصين - موضوع سأعود إليه الأسبوع المقبل.
في غضون ذلك، تماشيا مع عادة الاتحاد الأوروبي في الاعتماد على القواعد "التي لديه كثير منها" وليس على النقد "الذي لا يملك منه سوى قليل نسبيا"، فإن أكثر دول الاتحاد الأوروبي تحمسا للتخلص من المخاطر الصينية "فرنسا على وجه الخصوص" لديها آمال كبيرة في اللائحة الجديدة للإعانات الخارجية للاتحاد الأوروبي. فبعد أعوام من النقاش، ستدخل الأداة الجديدة حيز التنفيذ في تموز (يوليو). إنها تمكن المفوضية من منع الشركات المدعومة من الدولة في الصين، أو في أي مكان آخر، من أن تنتج في أوروبا أو تقدم عطاءات لعقود المشتريات العامة هناك، ما يوسع بشكل أساسي القيود الصارمة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على المساعدات الحكومية لتشمل الحكومات الأجنبية.
مع ذلك، السؤال يدور حول مدى استخدام القيود ومدى جودة استخدامها. ففي النهاية يتمتع الاتحاد الأوروبي منذ فترة طويلة بالقدرة على استخدام أدوات الدفاع التجاري لفرض رسوم مكافحة الدعم والإغراق على الواردات التي يعدها رخيصة بشكل غير عادل. لكنه لم يستخدم تلك الأدوات إلى أقصى حد، وبالتأكيد ليس بشكل كاف لتشكيل سياسة صناعية محددة في البضائع الخضراء أو غيرها من البضائع عالية التكنولوجيا.
قبل عقد من الزمان، في مواجهة معارضة الدول الأعضاء، اضطرت المفوضية إلى التراجع عن خطتها لفرض رسوم كبيرة شاملة على واردات الخلايا الشمسية من الصين لمكافحة الإغراق والدعم. في الواقع تنازلت عن السيطرة على سوق الطاقة الشمسية في الاتحاد الأوروبي إلى الشركات الصينية.
التحديق في التعتيم المحيط بنظام الدعم الصيني شديد التعقيد للتوصل إلى تقدير للمساعدات المشوهة للمنافسة ـالتي قد تنجو من التحدي في منظمة التجارة العالمية، التي يبدو أن الاتحاد الأوروبي لا يزال يهتم بهاـ ليس بالمهمة السهلة.
من غير المرجح أن تؤدي أداة مكافحة الإعانات الأجنبية، إلى جانب أدوات الدفاع التجاري التقليدية، إلى مسافة محسوبة بعناية بين اقتصادات الاتحاد الأوروبي والصين. وهناك خطر في أن يتم استخدامها على نطاق واسع للغاية، ما يعكس الضغط المحلي وليس استراتيجية تنافسية محكمة.
التخلص من المخاطر، بدلا من نهج "كل شيء أو لا شيء" للانفصال عن الصين، طريقة جيدة لتأطير القضية. لكن الاتحاد الأوروبي ليس مهيأ بشكل جيد حاليا للقيام بذلك. تحتاج بروكسل والدول الأعضاء إلى العمل الجاد لاكتساب واستخدام أدوات دقيقة التركيز، إذا أرادوا تحويل الشعار إلى أكثر من مجرد خطاب أنيق.