المظهر والمخبر
"طفوا اللمبة" عبارة من أكثر ما "يطقطق" بها الجميع على المتقاعدين لمتابعتهم للإضاءة والأبواب والمفاتيح. هذه "القفشات" تنم عن عدم فهم في الغالب لما يدور في خلد كبار السن من مخاوف سواء كانت مالية أو أسرية أو أمنية. هنا يتضح أن ما مر على هذا الشخص في حياته يتجسد في النهايات على شكل قلق مجتمعي ينميه انخفاض حجم المسؤوليات والاضطرار للتركيز على أمور لم تكن مهمة في السابق.
لكن كثيرا مما نشاهده من سلوكيات كبار السن يؤكد حقيقة مهمة، وهي أن كبير السن أكثر دقة وملاحظة، وهذا يجعلهم أقرب إلى الوظائف الاستشارية عندما تتكون لديهم المعرفة والخبرة ليجتمع فيهم كم أكبر من الربط بين ما يشاهد وما لا يشاهد ـ غالبا، وهذه طبيعة بشرية تجعل الخروج عن المؤثرات الحسية أكثر تأثيرا عندما يتجاوز الشخص مرحلة عمرية معينة تحددها خبراته وتجاربه والبيئة التي ينشأ فيها.
لإيضاح فكرتي، لا بد أن أدعوكم لنراقب كم التأمل الذي يميز كبار السن، والعلاقة الروحية التي تتنامى مع الوقت، والحساسية الذهنية لكل ما حولهم. لئلا يعتقد الناس أن الحساسية المفرطة هي سبب التركيز على أمور لا يهتم لها صغار أو متوسطو العمر، ولكل قاعدة شواذ كما هو معلوم خاصة بين البشر.
استفاد علماء السلوك الإداري من الرقابة والحالة الناقدة التي تنشأ مع الوقت ليضعوا بعض المعايير التي يمكن الحكم على المؤسسات الإدارية من خلالها. ففي حين يركز المديرون على الإنتاجية وقياساتها، وعلى المؤشرات النفسية والاجتماعية ومحاولة التأثير في مخرجاتها، يمكن أن نتعرف على مدى انضباط أي وحدة دون أن نكون جزءا من تركيبتها الداخلية.
فتعامل موظف الهاتف مع المكالمات وطريقة تقديمه للمعلومة واحدة من السبل. الانضباط في المداخل والتعامل السلس مع الزوار والمستفيدين واحد من عناصر التعرف على حجم الانضباط الإداري في أي منشأة. بل إن هناك عناصر بسيطة قد لا يهتم لها كثيرون مثل وضع الإضاءة الخارجية وصيانة المباني وشكلها من الخارج كل هذه عناصر يمكن أن نحكم من خلالها على كفاءة العمليات عموما.
الأساس الذي تبنى عليه هذه الاستنتاجات هو البيئة، فإذا كانت البيئة منضبطة والموظفون على مستوى عال من الكفاءة، فهذا سينسحب على الجميع من الداخل والخارج ليظهر على شكل سلوك عام، ولنا شواهد في كثير من الشركات التي يعكس مظهرها مخبرها.