تركيا .. رموز وطنية وقود المعركة الانتخابية

تركيا .. رموز وطنية وقود المعركة الانتخابية
تركيا .. رموز وطنية وقود المعركة الانتخابية
تركيا .. رموز وطنية وقود المعركة الانتخابية

في خطوة مفاجئة، استخدم الرئيس التركي طيب رجب أردوغان، صلاحياته الدستورية لتقديم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، عن موعدها المحدد في 24 حزيران (يونيو)، معلنا عزمه إجراءها في 14 أيار (مايو) المقبل، مبررا قرار تبكيرها عن الموعد الأصلي، بنحو شهر ونصف، بتزامن التاريخ السابق مع موسم العطل المدرسية وامتحانات الدخول الجامعي في تركيا.
قرار عده كثيرون محاولة من زعيم الحزب الحاكم لإرباك تحالف المعارضة، الذي عجز عن التوافق على مرشح لمنافسة أردوغان، في الاستحقاق الرئاسي المقبل، خاصة بعد اتضاح ملامح التحالفات الرئيسة التي تشكل الخريطة الانتخابية، بدءا من "تحالف الشعب" الحاكم، بين حزبي "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية"، و"تحالف الأمة" المعارض، الذي يتكون من ستة أحزاب: حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد وحزب السعادة وحزب الديمقراطية والتقدم وحزب المستقبل والحزب الديمقراطي، و"تحالف العمل والحرية" ذي التوجه اليساري، المكون بدوره من ستة أحزاب على رأسها: حزب الشعوب الديمقراطية، بقيادة المعتقل صلاح الدين ديمرطاش المرشح الرئاسي باسم التحالف، وأحزاب الحركة العمالية، والعمال، واتحاد الجمعيات الاشتراكية والعمال التركي، والحرية المدنية.
في الصراع السياسي، لا يشكل هذا التعديل عنصرا جوهريا في النزال الانتخابي، فخمسة أسابيع زيادة أو نقصانا في الزمن السياسي لن تحدث فارقا كبيرا، لكن الدافع وراء التغيير يبقى في رمزية اختيار 14 أيار (مايو) بدلالاته التاريخية في الذاكرة السياسية التركية. ففي مثل هذا اليوم قبل 73 عاما، فاز الحزب الديمقراطي المحافظ بقيادة الزعيم السياسي عدنان مندريس، في أول انتخابات ديمقراطية تجرى في عهد الجمهورية التركية الحديثة، وشكل حكومة استمرت زهاء عشرة أعوام، قبل إطاحة الانقلاب العسكري بها عام 1960، تلاه إعدام الرئيس المنتخب ديمقراطيا، بتهمة الحياد عن علمانية الدولة.
سعى أردوغان باختيار هذا التاريخ، إلى استغلال رمزية شخصية وطنية محافظة من طينة مندريس، انشقت عن الحزب الحاكم، أي "الشعب الجمهوري"، لتنهي حكما دام 27 عاما بثورة في صناديق الاقتراع، أكسبته 85 في المائة من مقاعد البرلمان، في المعركة الانتخابية حامية الوطيس، وكأنه بهذا القرار يدعو الناخب التركي إلى دعم الأحزاب المحافظة للبقاء في السلطة، خوفا من انتقام باقي الأجهزة.
لا شك أن الرئيس التركي يلعب بما تحصل لديه من أوراق في هذه المحطة الانتخابية، بما في ذلك رمزية الأشخاص والأحداث والتواريخ في الذاكرة الجماعية للأتراك، بيد أنها لعبة محفوفة بالمخاطر، فنحو الرئاسة كان مندريس يرفع شعار "يكفي، الكلمة للأمة" ضد استحواذ "الكماليين" على الحكم لما يفوق ربع قرن. وهذا ما لا ينطبق على حالة أردوغان الذي يتولى حزبه الحكم، منذ 20 عاما، ما سيدفع الناخب التركي إلى التساؤل، عن أي جهة تلك التي يعارضها رجب طيب أردوغان؟
يرخي التاريخ بظلاله على الصراع الانتخابي، فالعام الجاري يصادف ما يطلق عليه في الدوائر الرسمية احتفالية "القرن التركي"، لذلك تسعى الحكومة التركية إلى إحياء سياسة "صفر مشكلات" القديمة، باستعادة الدبلوماسية التركية نشاطها من خلال مراجعة مواقفها السابقة من دول إقليمية عديدة. وبلغ بها الأمر مستوى الحديث عن إمكانية التطبيع مع النظام السوري، أملا في إيجاد حل لأزمة اللاجئين السوريين على الأراضي التركية.
تحاول أنقرة استغلال مكاسب الحرب الروسية - الأوكرانية التي أسهمت في التخفيف من وطأة أزمة الاقتصاد التركي، فاللعب على تحقيق التوازن بين موسكو وكييف، والاضطلاع بدور الوساطة في أزمة تصدير الحبوب بين الطرفين، منح تركيا فرصا من أجل التكسب من الطرفين، فظفرت بامتيازات مع روسيا، كما كسبت مغانم مع أوكرانيا، عادا موقف الحياد بمنزلة طوق نجاة للاقتصاد التركي المأزوم.
يدرك أردوغان، قبل غيره، أن أداءه السياسي والاقتصادي متواضع في أعين كثير من الأتراك، لذلك يعمل جاهدا على تأمين النتيجة، في حدودها الدنيا على الأقل، مبكرا بتحريك أكثر من ورقة في اللعب، وإن كان ارتباك المعارضة أقوى الأوراق لديه. فرغم انحصار نفوذ الرئيس في أكثر من مدينة، ولا سيما المدن الكبرى "أنقرة وإسطنبول وإزمير" لم تستطع قوى المعارضة التركية استغلال الوضع لمصلحتها في حواضر تحتضن قوة تصويتية هائلة.
يبقى فشل الأحزاب المعارضة، تحديدا الطاولة السداسية، في اختيار مرشح رئاسي لمنافسة أردوغان في الانتخابات -فلا تزال الخلافات الفكرية والأيديولوجية والسياسية والتناقضات سائدة بين قادة "تحالف الأمة"، على بعد شهر ونصف فقط من انطلاق الحملة الانتخابية التي تستمر 60 يوما- دليلا كافيا على أن حظوظ الرجل في الانتخابات أساسها ضعف وتيه الآخرين، لا شرعية الفعل وقوة الإنجاز والقبول بالنموذج والرضا عن أدائه.
يتوقع مراقبون أن يزداد الوضع تعقيدا مستقبلا، فالفوز على "تحالف الشعب" يستدعي الدفع بمرشح توافقي بين قوى التحالف، يمتلك شخصية بمقدورها إقناع شرائح متعددة من الناخبين الأتراك بالتصويت. بصيغة أخرى، منافس يتعدى حدود أنصار المعارضة لاستمالة أصوات من الخزان الانتخابي للرئيس أردوغان، وله خبرة في إدارة وتسيير الدولة. مواصفات لا تجتمع سوى في اسم غير مطروح حتى اللحظة على طاولة النقاش، يتعلق الأمر بالرئيس الأسبق عبدالله غول، الذي يبقى الخيار الأمثل للمعارضة، لضمان تهديد حقيقي للرئيس أردوغان. فهل تقوم المعارضة بتكتيك انتخابي ضد اختيار موعد 14 أيار (مايو)، فتعلن عنه مرشحا في الدقيقة الأخيرة؟

الأكثر قراءة