الارتفاع القياسي في المدخرات الصينية يغذي آمال "الإنفاق التعويضي"

الارتفاع القياسي في المدخرات الصينية يغذي آمال "الإنفاق التعويضي"

تتربع الأسر الصينية على قمة أكبر قدر من المدخرات الجديدة في التاريخ - مراكمة 2.6 تريليون دولار من الودائع المصرفية في العام الماضي فقط حيث أدت السياسات الصارمة لمكافحة فيروس كورونا إلى القضاء على إنفاق المستهلكين.
إن توقع موجة من الطلب المكبوت، مع فتح المستهلكين محافظهم بعد أن تحولت الصين بشكل حاسم في معالجة الجائحة، يعزز الآمال في انتعاش الاقتصاد العالمي.
لكن ربما كان العالم مخطئا في تقدير استعداد الصين للإنفاق، وفقا لبعض المحللين، الذين قالوا إن نحو 200 مليار دولار فقط من مجموع المدخرات قد يتم استخدامها هذا العام على الرغم من بذل بكين قصارى جهدها لتأجيج انتعاش سريع.
قالت أليسيا جارسيا هيريرو، كبيرة الخبراء في اقتصاد منطقة آسيا والمحيط الهادئ في بنك الاستثمار الفرنسي ناتيكسيس، "هناك مبالغة في تقدير إنفاق المستهلكين الصينيين. لن يتم إنفاق المدخرات الزائدة بسهولة".
هناك آمال كبيرة في أن يتمكن المستهلكون الصينيون من تعزيز النمو العالمي. أشار صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي إلى أنه سيرفع توقعاته الاقتصادية العالمية على خلفية إعادة فتح الصين بعد ثلاثة أعوام من قيود صفر كوفيد الصارمة.
تظهر البيانات من بنك الصين الشعبي أن ودائع الرنمينبي التي تحتفظ بها الأسر في جميع أنحاء البلد نمت في 2022 بمعدل قياسي بلغ 17.8 تريليون رنمينبي "2.6 تريليون دولار"، وهو ارتفاع كبير مقارنة بالنمو البالغ 9.9 تريليون رنمينبي في 2021.
من المتوقع أن يصل جزء من هذه القفزة إلى مبلغ لمرة واحدة من المدخرات "الزائدة" التي سيكون المستهلكون متعطشين لإنفاقها.
توقع اقتصاديون في "مورجان ستانلي" أخيرا أن النمو الاقتصادي الصيني سيكون أكثر في بداية هذا العام، "مدعوما بشكل أساس بالاستهلاك في ظل المدخرات الزائدة، ما يؤدي إلى تحسين ميزانيات الأسر المعيشية (...) وتعافي سوق العمل وتوقعات الدخل".
يشير الاقتصاديون إلى "فائض كبير في مدخرات الأسر المعيشية"، ارتفاعا من ثلاثة تريليونات رنمينبي إلى أربعة تريليونات رنمينبي وتراكمت "بسبب عدم القدرة على الإنفاق وسط قيود كوفيد أو المدخرات الاحترازية أو كلا الأمرين معا".
قال محللون آخرون إن كثيرا من المدخرات لا يمكن حشدها وإعادة توزيعها في الإنفاق بسهولة.
قال لين ينجكي، من تشاينا إنترناشونال كابيتال كورب الذي تديره الدولة، وهو مصرف استثماري محلي، إن نحو نصف مبلغ ثمانية تريليونات رنمينبي من المدخرات "الزائدة" الواضحة العام الماضي كان في الواقع نتيجة إعادة نشر الأسر الحذرة للاستثمارات الخطرة - حيث سحبت النقد من الصناديق المشتركة ذات الأداء الضعيف وغيرها من المنتجات الاستثمارية ووضعته في المصرف.
قال لين إن 1.5 تريليون رنمينبي أخرى جاءت من النمو الطبيعي في الدخل وليس من المدخرات "الزائدة"، في حين تم وضع 1.5 تريليون رنمينبي أخرى من المدخرات في شكل ودائع طويلة الأجل.
لن يترك هذا الحساب سوى 1.5 تريليون رنمينبي تقريبا حرة ليتم نشرها في موجة محتملة من "الإنفاق التعويضي".
لدى لو جينج، كبير الخبراء الاقتصاديين في شركة يوكاي سكيورتيز، توقعات مشابهة، حيث يتوقع إعادة توزيع بعض المدخرات الزائدة البالغة 1.5 تريليون رنمينبي في الإنفاق الاستهلاكي هذا العام، أي ما يعادل 3 في المائة فقط من مبيعات التجزئة السنوية في الصين.
قال لو، "لا تزال هناك حالة من عدم اليقين بشأن التوقعات الاقتصادية، والناس لديهم رغبة قوية في الادخار".
قال إرنان كوي، محلل الاستهلاك الصيني في شركة جافيكال دراجونوميكس الاستشارية، إن بعض الإنفاق "التعويضي" من قبل الفئات ذات الدخل المرتفع واضح بالفعل في مدن مثل بكين، لكن الاستهلاك عموما من المرجح أن يكون معتدلا خلال عطلة العام القمري الجديد الطويل. "السبب نفسي إلى حد كبير. لا يزال معظم الناس حريصين بعض الشيء بشأن طريقة استهلاكهم".
هذا الحذر هو النتيجة المباشرة للخسائر المتكبدة على مدى الأعوام الثلاثة الماضية حينما أعاقت سياسات صفر كوفيد نمو الدخل وقوضت عوائد الاستثمار، في حين أن فرض القيود على الاستدانة والمضاربة في قطاع العقارات قد أثر سلبا في أسعار المنازل وغذى مخاوف الأسر الصينية بشأن الثروة التي ربطوها بالممتلكات.
نما الاقتصاد الصيني 3 في المائة فقط في 2022، ما يؤكد التكاليف الباهظة لاستراتيجية صفر كوفيد طويلة الأمد قبل التخلي عنها في كانون الأول (ديسمبر). لم تحقق بكين معدل النمو الرسمي المستهدف البالغ 5.5 في المائة، وهو الأدنى بالفعل منذ عقود.
في محاولة للعودة إلى تحفيز النمو الاقتصادي، جعل صناع السياسة في الصين تعزيز الاستهلاك أولوية.
أخبر جواه شو تشينج، سكرتير الحزب في بنك الشعب الصيني، صحيفة "الشعب" اليومية المملوكة للدولة، "مفتاح الانتعاش الاقتصادي هو تحويل إجمالي الدخل الحالي إلى الاستهلاك والاستثمار إلى أقصى حد ممكن". كما تعهد جواه باستخدام السياسات المالية لتعزيز دخل الأشخاص الذين تضرروا من الجائحة.
مع ذلك، قال محللون إن الآثار المدمرة للجائحة قد تستمر لأعوام إذا ظل المستهلكون يحافظون على احتياطي نقدي من المدخرات الاحترازية في مواجهة حالة عدم اليقين الاقتصادية المطولة.
قال تشانج جون، عميد كلية الاقتصاد في جامعة فودان، "تحتاج الصين إلى قوة كبيرة لإخراج الاقتصاد من الحلقة المفرغة للطلب الضعيف والتوقعات المنخفضة لنمو الدخل. إذا لم يكن من الممكن أن يأتي ذلك من الصادرات في 2023، فإن الحوافز المالية، مثل الإنفاق الحكومي القوي، ينبغي أن تتقدم وتكون تلك القوة".
إلى أن تتم استعادة ثقة المستهلك، فإن كثيرا من الأسر الصينية ستحجم عن استخدام مدخراتها.
قال مارك تشين، الذي رزق أخيرا بمولود وهو في الثلاثينيات من عمره ويعمل في مدينة شنجن، إن كثيرا من زملائه العمال المهاجرين حصلوا على إجازة شهر كامل في فترة العام القمري الجديد التي تستغرق أسبوعا عادة - دون أجر.
قال تشين، "إنها حقيقة عالمية أن كثيرا منا يتمتع الآن بالحرية فقط لكن لا يملك المال، فضلا عن القدرة على الإنفاق على البضائع الاستهلاكية. حتى إن الشخص الواحد قد يستغرق شهورا للتعافي من كوفيد- 19، لذا ينبغي حساب الوقت الذي يستغرقه بلد ما للتعافي بالأعوام".

الأكثر قراءة