أوروبا لا تقوى على مقارعة الولايات المتحدة
هل يستطيع الاقتصاد الأوروبي الاستمرار في المنافسة عالميا، في ظل التحديات المتعددة التي يواجهها؟ هذا السؤال يخضع لنقاشات محتدمة في أرجاء الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي، وللعثور على الإجابات الصحيحة، سنحتاج إلى تحليل مبني على الحقائق.
دعونا لا ننسى أن الاقتصاد الأوروبي أظهر قدرة على المرونة والاستجابة السريعة، تغلبنا على الجائحة بفضل التنسيق السريع والتضامن، كما أننا نتكيف سوية مع الحرب الروسية المستمرة في أوكرانيا التي أضرت باقتصادنا بشدة. نحن نقلل اعتمادنا على الوقود الروسي، ومستوى التشغيل ثابت، كما أن التضخم قد تراجع.
لكن الحرب لم تنته بعد، وستستمر أسعار الطاقة والتضخم في الارتفاع، وكذلك الضغوط على سلاسل التوريد في جميع أنحاء العالم وستستمر التحولات الجيوسياسية الشاملة. هذه التحديات التي تواجه قطاعنا الصناعي كبيرة، وهو يحتاج إلى التكيف مع مستقبل أكثر اخضرارا وأكثر رقمنة كي نبقى في مقدمة العالم. إضافة إلى هذا كله، هناك قانون خفض التضخم، المتمثل في الخطة الرئيسة التي وضعتها الولايات المتحدة لتخضير اقتصادها المحلي.
مع أن القانون يبعث برسالة قوية حول العمل بشأن المناخ، إلا أنه في الوقت نفسه يحفز إعادة تموضع الصناعة في الولايات المتحدة، وبالتالي قد يضع قاعدة الاتحاد الأوروبي الصناعية الخاصة بالتكنولوجيات النظيفة في وضع غير مؤات. أدى ذلك ببعض الأوروبيين إلى الدعوة للرد من خلال قانون خاص بنا لخفض التضخم. لكن المعاملة بالمثل تنطوي على خطر أن نلحق ضررا اقتصاديا كبيرا بأنفسنا. عوضا عن ذلك، لجعل أوروبا موطنا للابتكار الصناعي مع انتقالنا إلى صافي الصفر تقريبا في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، نحتاج إلى العمل بشكل جماعي من خلال اتفاق أخضر على خطة صناعية للاتحاد الأوروبي. يجب أن يشمل ذلك أربع ركائز: بيئة الشركات، والتمويل، والمهارات، والتجارة.
أصبحت الحاجة إلى تطوير تكنولوجيات نظيفة ومصادر طاقة متجددة وقدرة رقمية محسنة أكثر إلحاحا في ظل الحرب في أوكرانيا. ونحن نحث الخطى على جميع الجبهات.
فقد تم تخصيص مئات المليارات من اليوروهات لتمويل برنامج تسهيلات التعافي والمرونة لتحديث قاعدتنا الصناعية وبنيتنا التحتية. ستقترح المفوضية الأوروبية إنشاء صندوق سيادي أوروبي لدعم البحوث الأولية والابتكار والمشاريع الصناعية الاستراتيجية. ومن المتوقع أن يجمع نظام تداول الانبعاثات المعدل مبلغا يقارب 700 مليار يورو بحلول عام 2030. كما يمكن للأدوات الحالية الأخرى المساهمة فيه، إضافة إلى بنك الاستثمار الأوروبي.
نحن بحاجة إلى بذل مزيد من الجهد وأن نجري تقييما موضوعيا للتحديات التي تواجهنا. لكن يجب أيضا أن نثق بنموذجنا المتميز وجاذبيتنا باعتبارنا وجهة استثمارية. يعتمد النموذج الأوروبي على الانفتاح، ورفاهية المواطنين والعاملين، والبيئة الصديقة للأعمال ـالتي تعد جوهرة في تاجناـ وسوق الاتحاد الأوروبي الموحدة، وهي أكبر سوق داخلية في العالم تمت تهيئتها بقوانين واضحة للأعمال والمستثمرين.
يجب أن نبني على هذه الأساسيات. القدرة التنافسية تحتاج إلى مجموعة واسعة من الإصلاحات، وإيجاد بيئة أكثر ملاءمة للابتكار، وضمان توافر المهارات الكافية، وتقليل العبء الإداري، وزيادة تعميق السوق الموحدة. نحن بحاجة ماسة إلى تدفق الاستثمارات الخاصة، لأن الأموال العامة لن تكون كافية. إنشاء اتحاد أسواق المال لدفع الاستثمار هو الخطوة الأكثر فاعلية من حيث التكلفة، التي يمكننا اتخاذها.
يمكن للتغييرات في إطار العمل المؤقت لمساعدة الدول أن تجلب مزيدا من الراحة الموجهة. مع ذلك، الارتفاع الهائل في الإعانات عندما يكون لدى الدول موارد مالية مختلفة لن يؤدي إلا إلى خطر تجزئة السوق الموحدة. يجب ألا تأتي الإعانات على حساب الأسواق التي تعمل بشكل جيد والمنافسة العادلة.
الاتحاد الأوروبي يشيد بقرار أمريكا حول جديتها في العمل بشأن تغير المناخ. فهو يؤكد أن الاستدامة ستكون أساسية للنمو الاقتصادي في المستقبل. مع ذلك، ما زلنا نشعر بالقلق إزاء الجوانب التمييزية لقانون خفض التضخم. نحن بحاجة لأن نرى مزيدا من التقدم في محادثاتنا مع الولايات المتحدة لإزالة هذه المخاطر.
يمكن للشركاء الذين يتشابهون في وجهات النظر أن يكسبوا الكثير عندما نعمل معا لتحفيز تطوير التكنولوجيات الخضراء والصديقة للمناخ. يجب أن يبني الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة سوقا مفتوحة ومزدهرة عبر المحيط الأطلسي للمبتكرين والمستثمرين لدينا.
هذا يقودنا إلى العنصر الأساسي الأخير، وهو الحفاظ على نهجنا المنفتح على التجارة العالمية. تعتمد أوروبا على نظام اقتصادي عالمي يعمل بشكل جيد أكثر من القوى الكبرى الأخرى لأننا قوة تصديرية. ونظرا لأننا لسنا أغنياء بالموارد الطبيعية والمدخلات الرئيسة المطلوبة لدفع التحولات الخضراء والرقمية، فإن تركيزنا سينصب على توسيع شبكتنا من الاتفاقيات التجارية مع شركاء نثق بهم.
ستشهد العقود المقبلة أكبر تحول صناعي في عصرنا، وربما على الإطلاق. الاتحاد الأوروبي أمامه خيارات صعبة ليتخذها، لكن لدينا كل الأسباب كي نبقى واثقين بقوة سوقنا وقدرتها على التكيف عند اتخاذها.
*النواب التنفيذيون لرئيسة المفوضية الأوروبية