ديون الاتحاد الأوروبي تعاني منافسة المقترضين السياديين

ديون الاتحاد الأوروبي تعاني منافسة المقترضين السياديين

يدفع الاتحاد الأوروبي مبالغ للاقتراض بسنداته المشتركة أعلى مما يدفعه الأعضاء البارزون في الكتلة، ما يحد من جاذبية الإصدار المشترك ويشجع معارضي مبيعات الديون الجديدة.
خلال عمليات بيع السندات العالمية العام الماضي، ارتفعت تكاليف الاقتراض في الاتحاد الأوروبي بسرعة أكبر من تلك، التي لدى كثير من الدول الأعضاء. قبل عام، كانت عوائد الديون المشتركة الصادرة عن المفوضية الأوروبية عند نقطة بين عوائد ألمانيا – ملاذ الكتلة – وعوائد فرنسا.
اليوم، ارتفعت فوق تكاليف الاقتراض الفرنسية، على الرغم من أن التصنيف الائتماني للاتحاد الأوروبي عند AAA يفوق مكانة ائتمان باريس الممتاز عند AA. تبلغ عوائد سندات الاتحاد الأوروبي لأجل عشرة أعوام 2.63 في المائة، أي أكثر من 2.54 في المائة هي عوائد السندات الفرنسية.
في فترات الاستحقاق الأقصر، عوائد بروكسل أعلى حتى من تلك التي تدفعها إسبانيا والبرتغال، التي طالما عدت من بين أسواق الديون ذات المخاطر العالية في الكتلة. مع ذلك، لا تزال عوائد إيطاليا أعلى من عوائد سندات الاتحاد الأوروبي.
يعد التحول النسبي في تكاليف الاقتراض ضئيلا، ويقول مستثمرون إنه لا يعكس المخاوف بشأن الجدارة الائتمانية لبروكسل، لكن أهميته الرمزية شجعت معارضي الديون المشتركة الجديدة للاتحاد الأوروبي. أشار وزير المالية الألماني، كريستيان ليندنر، إلى العلاوات عندما كان يجادل بأن على الدول الأعضاء أن تقترض.
التحول النسبي في التكاليف يمثل أيضا انتكاسة محتملة للآمال في أن الاقتراض الموسع في الاتحاد الأوروبي يمكن أن يوفر أصلا آمنا مشتركا لمنطقة اليورو، ما يعمق أسواق المال في الكتلة ويعزز الدور الدولي لليورو.
ووفقا لأنطوان بوفيت، محلل أسعار الفائدة في شركة آي إن جي "يتمثل الضعف الأساسي في أن هذه السندات تتنافس بشكل فعال مع جميع أسواق السندات السيادية في منطقة اليورو".
ويشهد الاتحاد الأوروبي موجة غير مسبوقة من مبيعات الديون المشتركة، نجمت عن الحاجة إلى إيجاد استجابة مشتركة للركود الاقتصادي المرتبط بفيروس كورونا 2020. ويؤيد بعض الدول الأعضاء المبيعات الجديدة لديون المفوضية الأوروبية باعتبارها وسيلة لدعم التحول الأخضر ومواجهة المساوئ التنافسية الناتجة عن قانون خفض التضخم الأمريكي.
التحول التصاعدي في عوائد المفوضية يعكس تصور المستثمرين عن الاتحاد الأوروبي بوصفه جهة إصدار ديون تنتمي إلى مجموعة ما يسمى الشركات فوق الوطنية، بما في ذلك وكالات الاتحاد الأوروبي مثل بنك الاستثمار الأوروبي وآلية الاستقرار الأوروبية، والأخيرة هي صندوق الإنقاذ في المنطقة.
عادة ما يتم تداول السندات التي تصدرها هذه الهيئات بشكل أقل كثافة من الديون السيادية، ولا تشكل جزءا من مؤشرات السندات الحكومية التي يتتبعها كثير من كبار المستثمرين. وعلى هذا النحو، فإنها تميل إلى التقليل من الديون الحكومية في ظروف السوق السلبية، كما حدث في أزمة السندات الكبيرة في 2022.
من المرجح أن تتفوق خطط الاقتراض الحالية لبروكسل على جميع المصدرين السياديين في الاتحاد الأوروبي باستثناء أكبرهم، وقد تبنت الخطط الكثير من مظاهر مصدر السندات السيادية، مثل مزادات السندات العادية، التي تديرها شبكة من البنوك المتعاملة بالسندات. وأكملت المفوضية الثلاثاء الماضي أولى عملياتها لبيع السندات في 2023، جامعة خمسة مليارات يورو من بيع ديون لأجل 30 عاما.
مع ذلك، كافح الاتحاد الأوروبي لتغيير علامة الشركات فوق الوطنية، إذ يقوم المصرفيون والمستثمرون بتسعير الديون نسبة إلى مقايضات أسعار الفائدة- كما هو معتاد في القطاع- وليس باستخدام الديون الألمانية نقطة مرجعية.
ولا يوجد حاليا أي مؤشر على أن سندات بروكسل ستحل محل سندات برلين بحيث تصبح معيارا يمكن أن يشكل في النهاية رد منطقة اليورو على سوق سندات الخزانة الأمريكية الهائلة، التي تلعب دورا مركزيا في النظام المالي العالمي.
قال بوفيت، من شركة آي إن جي: "بما أن ديون الاتحاد الأوروبي ستحل محل السندات السيادية في المستقبل المنظور، فهي بالتالي ستكون مجرد تقسيم إضافي للسوق، إنها في الواقع بعيدة عما يشبه سوق الخزانة الأمريكية".
أضاف أن سندات الاتحاد الأوروبي تفتقر إلى "التفضيل المحلي" -البنوك والمستثمرون الذين يفضلون شراء الديون التي تصدرها حكومتهم- الذي يوفر مصدرا رئيسا للطلب على السندات، ولا سيما في فترات الاستحقاق الأقصر. استطرد بوفيت قائلا: "البنوك الألمانية المحافظة ستفضل دائما الديون الألمانية. الأمر نفسه ينطبق على البنوك الفرنسية، ما يجعل من الصعب فعلا على هذه السندات أن يتم تداولها بوصفها أصولا آمنة".
ويرى متداولون أن معالجة ذلك لن تكون سهلة. قال رئيس تداول السندات الحكومية والشركات فوق الوطنية في أحد البنوك الأوروبية الكبرى: "لا يزال هناك تصور لدى المستثمرين بأنه وجود غير دائم في أسواق السندات".
العقود الآجلة المرتبطة بالسندات الألمانية والفرنسية والإيطالية تساعد على تحسين السيولة وجذب نطاق أوسع من المستثمرين.
لكن المتداول قال إن مشغلي سوق الصرف قد يحجمون عن إطلاق شيء مشابه لديون الاتحاد الأوروبي، بالنظر إلى الشكوك حول حجم الإصدار بعد 2026. ويشدد الاتحاد على أن برنامج "نكست جنريشن إيه يو" هو برنامج لمرة واحدة، ما يقلل من احتمالات أن يكون هناك إصدار بأحجام كبيرة في المستقبل.
تستخدم المفوضية بدءا من هذا الشهر ما تسميه نهج التمويل الموحد، الذي تجمع بموجبه الأموال للأولويات المختلفة تحت علامة سندات الاتحاد الأوروبي الواحدة. وتأمل أن يساعد هذا السيولة في الأسواق.
قالت المفوضية: "هذه الإجراءات ستجعل الأوراق المالية في الاتحاد الأوروبي أكثر سيولة، وتحسن أسعارها وتداولها في السوق الثانوية".
أضافت: "الاختلاف في الأسعار لا يعني أن المستثمرين قلقون بشأن الاتحاد الأوروبي كمصدر. على العكس من ذلك يواصل المستثمرون إظهار اهتمام ورغبة قويين في سندات الاتحاد الأوروبي، كما يتضح من مستويات الاكتتاب المرتفعة بانتظام لسندات الاتحاد الأوروبي".

الأكثر قراءة