رفيقة العلماء
وثقت بنا رافقتنا استسلمت وسلمت لم تعلم أنها قد تدفع حياتها ثمنا لهذه الثقة، وفي الوقت نفسه ساعدت الباحثين على مراقبة الآليات الحيوية التي تحدث في الأعضاء الحيوية لتشابهها مع ما يحدث داخل جسم الإنسان، وفتحت الباب للاكتشافات الطبية وأنقذت البشرية من الأمراض والأوبئة وأسهمت في دراسة فاعلية وسمية الأدوية ومستحضرات التجميل!
هل تعلمين أن "المسكرة" قبل أن تضعيها على رموشك هناك أرنب أخذ المخاطرة قبلك وكاد أن يفقد بصره، وآخر تحمل الألم والحرقة بوضع المراهم والكريمات سواء الدوائية أو التجميلية على جلده لضمان فاعليتها ولطفها على بشرتك، لكنها ليست كذلك على بشرة ذلك الحيوان الصغير، يشاركه في الألم الخنازير الغينية والفئران والجرذان، ولم يكن استخدامها للعبث أو الرفاهية بل بهدف علاج الإنسان والمحافظة على حياته، من اختبار سلامة ومأمونية الأدوية واللقاحات إلى اختبارات نقل الأعضاء والخلايا الجذعية، التي من أجلها أنشئ المجلس الوطني لمراقبة التجارب على الحيوانات تحت شعار "استبدل، قلل، حسن"!
وبدأ استخدام الحيوانات في التجارب العلمية والطبية في القرنين الثاني والثالث قبل الميلاد من قبل أرسطو وإيراسيستراتوس، ومن بعدهما قام الطبيب جالينيوس "أبو التشريح" في القرن الثاني بتشريح الخنازير والماعز، وقام الطبيب العربي ابن زهر بتجربة العمليات الجراحية على الحيوانات قبل تطبيقها على البشر!
أما في العصر الحديث فقد بدأت التجارب من القرن الـ19 وكان للحيوانات الفضل في تغيير مجرى الأحداث وتاريخ البشرية الطبي، فقد استخدمت الماشية في اكتشاف لقاح ضد الجدري ولقاح الكلب باستخدام الأرانب والكلاب، ويرجع الفضل في اكتشاف مادة الوراثة "دي إن أيه" وتحديد طبيعتها الكيميائية إلى فيروس فسيفساء التبغ، أما الكلاب ـ أجلكم الله ـ استخدمت في ابتكار عمليات نقل الدم واكتشاف الأنسولين الذي منح الحياة -بعد الله- لكثير من مرضى السكر وطورت مضادات التخثر في الأرانب، ولقاح الكزاز في الأحصنة، وفي منتصف القرن الـ20 حدثت نقلة نوعية أخرى في تاريخ البشرية بدراسة خصائص البنسلين على الفئران والقردة وتطوير لقاح شلل الأطفال بواسطة استخدام الفئران والقردة، ما أدى إلى اختفائه، هذا غير مساهمتها حاليا في اكتشاف العلاج بالخلايا الجذعية والعلاج الجيني وأبحاث الأمراض عموما.
لكن من أجل الحيوانات ورأفة بها كان لا بد من إيجاد البدائل للتقليل من استخدام حيوانات التجارب، ومنها استخدام الاختبارات خارج الجسم الحي التي تعتمد على نماذج ثلاثية الأبعاد تحاكي نسيج الجلد والقرنية أو أعضاء معزولة من حيوانات ميتة حديثا، وأخيرا استخدام اختبارات خوارزميات المعلوماتية الحيوية.