انكماش ما بعد الجائحة يفرض على عمالقة التكنولوجيا مسارا تصحيحيا
أصبح التأثير الكبير الذي أحدثته شركات التكنولوجيا الكبرى في عالم الشركات والمال أقل قوة.
لكن في حين أن مجموعات التكنولوجيا الأكثر ثراء وقوة على كوكب الأرض ربما بدأت 2023 في حالة انكماش غير معهودة، إلا أنه ليس من الواضح بعد ما إذا كانت قد دخلت مرحلة دائمة من النمو البطيء - أو أنها ستكون مجرد مرحلة تصحيحية قصيرة المدى.
في نهاية العام الماضي، يبدو أن بعض الشركات الرائدة في صناعة التكنولوجيا قد وصلت إلى نقطة تحول عندما أشارت أرباحها الفصلية الأخيرة إلى أن الحقبة التوسعية التي شهدتها قد تقترب من نهايتها.
يلخص جيم تيرني، مستثمر النمو في شركة ألايانس بيرنستين، المزاج السائد في وول ستريت قائلا: " لا تنمو الأشجار حتى تصل إلى السماء". عندما شعر المستثمرون بأن الأسواق الرقمية، مثل الإعلانات عبر الإنترنت والتجارة الإلكترونية بدأت تفقد قوتها، قاموا بعدها بتعديل تقييمات شركات التكنولوجيا.
من جانب سوق الأسهم، أنهى عام 2022 فترة طويلة من الهيمنة المتزايدة التي مارستها شركات التكنولوجيا الكبرى على مؤشرات الأسواق الرئيسة. انخفضت القيمة الإجمالية لعمالقة التكنولوجيا الخمس، وهي "ألفابت" و"أمازون" و"أبل" و"ميتا" و"مايكروسوفت" - نحو 3.7 تريليون دولار خلال العام. هذا الانخفاض بواقع 38 في المائة بلغ ضعفي الانخفاض 19 في المائة في مؤشر ستاندرد آند بورز 500.
من أكثر العلامات وضوحا على خفض الإنفاق هي تقليص عدد الوظائف، التي بدأت عبر هذا القطاع في الشهرين الأخيرين من 2022. رضخت شركة ميتا، الشركة الأم لـ"فيسبوك" و"إنستجرام"، للاضطرابات في وول ستريت وقالت إنها ستخفض 11 ألف وظيفة. كما صرحت "أمازون" هذا الشهر إنها تخطط لخفض قوتها العاملة بمقدار 18 ألف وظيفة.
لكن وفقا لستيف ليفي، مدير مركز الدراسة المستمرة لاقتصاد كاليفورنيا، لا تعكس التخفيضات أكثر من مجرد "إعادة التوازن"، باعتبارها استجابة من شركات التكنولوجيا تجاه تباطؤ النمو وتصحيح الازدهار الأخير الذي شهدته في التوظيف. يقول ليفي أثناء مقارنة الانكماش الحالي مع الانتكاسات السابقة: "هذا لا يشبه أزمة فقاعة الدوت كوم. إنه مختلف عن الفترات السابقة".
أدت الجائحة إلى "ارتفاع مذهل في الإنفاق على التكنولوجيا"، كما يقول شون راندولف، كبير المديرين في المعهد الاقتصادي لمجلس منطقة الخليج. كانت الشركات الكبرى قد "أعتقدت أن هذه الزيادة في النشاط الرقمي التي حدثت خلال فترة الجائحة ستستمر". لكن عندما تبين أن الحال ليست كذلك، أجبروا على "التصحيح".
عبر مارك بينوف، الرئيس التنفيذي لشركة سيلزفورس للبرمجيات، عن حالة الندم عندما أعلن عن قراره إلغاء ثمانية آلاف وظيفة في كانون الثاني (يناير): "بعد أن تسارعت عائداتنا خلال الجائحة، قمنا بتوظيف عدد كبير جدا من الأشخاص الأمر الذي أدى إلى هذا الانكماش الاقتصادي، الذي نواجهه الآن، وأنا أتحمل المسؤولية عن ذلك".
لكن حتى بعد التخفيضات، سيظل لدى "سيلزفورس" نحو 23 ألف موظف أكثر مما كان لديها عندما بدأت الجائحة قبل ثلاثة أعوام - بزيادة قدرها 47 في المائة. كما سيجعل تقليص الوظائف في شركة ميتا عدد الموظفين أعلى بمقدار الثلثين تقريبا مما كان عليه عندما بدأت الجائحة.
إذا كانت هذه التخفيضات تعكس ما هو أكثر من مجرد عملية تصحيح قاسية، هناك ثلاث قوى يمكنها مجتمعة أن تجعل 2023 نقطة تحول أكثر أهمية لعمالقة التكنولوجيا.
أولا، تراجع الطلب على الخدمات الرقمية التي ضخمتها الجائحة بصورة لم تكن طبيعية. كما يقترح راندولف، افترضت كثير من شركات التكنولوجيا أن الطفرة في التسوق عبر الإنترنت وعقد اجتماعات العمل عبر الإنترنت وألعاب الفيديو الناجمة عن الجائحة ستؤدي إلى زيادة مطردة في الطلب، بسبب ترسخ هذه العادات الرقمية الجديدة. لكن في كثير من الحالات، اتضح أن هذه الآمال لا أساس لها.
كما أنه من غير الواضح بعد ما إذا كان بعض العملاء قد طرحوا مسألة الإنفاق المستقبلي على التكنولوجيا من أجل التعامل مع حالة الطوارئ التي تسببت بها الجائحة. إذا كان الأمر كذلك، فقد يتراجع الطلب بدرجة أكبر من المرحلة الحالية.
العامل الثاني الذي يجعل توقعات 2023 أقل وضوحا هو تأثير التباطؤ الاقتصادي. تكررت التحذيرات من ضعف الطلب واستمرت طيلة 2022، ثم ازدادت مع اقتراب العام من نهايته. لكن في حين تراجعت مبيعات أجهزة الحاسوب والهواتف الذكية، استمر الطلب على التكنولوجيا قويا بشكل عام. إلا أن الانكماش الحاد قد يغير ذلك.
العامل الثالث هو ضعف محركات النمو طويل المدى التي دعمت صعود شركات التكنولوجيا الكبرى على مدار العقدين الماضيين، حيث أصبحت الأسواق مثل التجارة الإلكترونية والإعلان عبر الإنترنت أكثر استقرارا. حتى عندما كان الازدهار التكنولوجي في أوجه، حذر مستثمرون مثل تيرني من أن القوى طويلة المدى التي دفعت بالنمو ستضعف حتما. إذا كان ذلك الوقت قد حان بالفعل، فإن 2023 سيكون نقطة تحول مهمة لشركات التكنولوجيا الكبرى.