أسواق العمل .. الشر يكمن في التفاصيل
هناك بعض من روايات الجريمة التي لا نهاية لها في مجال الاقتصاد. إحدى الروايات المفضلة لدي هي السؤال عن سبب تباطؤ نمو الأجور الحقيقي في مجموعة من الدول المختلفة على مدى العقدين الماضيين. حدد اقتصاديون كثيرا من الجناة المحتملين، من التباطؤ في نمو الإنتاجية العالمية إلى تراجع النقابات العمالية. أود أن أضيف مشتبها فيه آخر إلى تلك القائمة: المحامون. أو بالأحرى، الأحرف الصغيرة التي يكتبها المحامون.
حتى وقت قريب، لم يعر الاقتصاديون كثيرا من الاهتمام لبنود وشروط عقود العمل. لكن ما هو مكتوب في هذه الوثائق يشكل كيفية عمل أسواق العمل، وليس بالضرورة الأفضل.
تبدأ القصة في الولايات المتحدة، حيث حدد خبراء الاقتصاد وأساتذة القانون مثل إيفان ستار وأورلي لوبيل مدى انتشار بنود التوظيف المرتبطة تقليديا بكبار المديرين التنفيذيين عبر القوى العاملة. اتفاقيات عدم الافصاح، وبنود عدم التشهير، وبنود عدم المنافسة. كثير من العمال الأمريكيين عالقون الآن في أمور متشابكة.
لقد استحوذت بنود عدم المنافسة على أكبر قدر من الاهتمام. يلتزم ما يقارب خمس العمال الأمريكيين بهذه البنود التي تمنعهم من الذهاب إلى شركات منافسة أو البدء بعمل منافس خلال فترة زمنية معينة بعد ترك وظيفتهم. وهي أكثر شيوعا بين المهنيين، لكن البحث يشير إلى أن نحو 14 في المائة من الأشخاص الذين يتقاضون أقل من 40 ألف دولار يخضعون لها أيضا. اتخذت لجنة التجارة الفيدرالية إجراء قانونيا هذا العام ضد إحدى الشركات الأمنية، التي، وفقا للجنة، منعت حراسها ذوي الأجور المنخفضة من العمل في شركة منافسة ضمن دائرة نصف قطرها مائة ميل من موقع عملهم لمدة عامين بعد مغادرة الشركة. تم تهديد الحراس بغرامة قدرها مائة ألف دولار إذا خالفوا هذا البند.
إن الحجة المؤيدة لبنود عدم المنافسة هي أنها تحفز أصحاب العمل على الابتكار وتدريب العمال، لأنهم يعرفون أن استثماراتهم ستتم حمايتها. فإذا كان بإمكان الموظف الذهاب مباشرة إلى منافس، فلماذا تكلف الشركة نفسها عناء تدريبه في المقام الأول؟ يقر الأشخاص في هذا الجانب من الحجة بأن بعض الشركات تطبق بشكل مفرط قيود عدم المنافسة على العاملين الذين ليس لديهم أسرار تجارية قيمة أو تدريب. لكنهم يشيرون إلى أن المحاكم يمكنها أن تحكم على البنود غير المعقولة بأنها غير قابلة للإنفاذ. المشكلة هي أن العاملين قد لا يعرفون ذلك، أو قد لا يكونون على استعداد للذهاب إلى المحكمة لمعرفة ذلك. وجدت إحدى الدراسات التي أجراها ستار أن 70 في المائة من الموظفين الذين لا توجد عليهم شروط منافسة قابلة للإنفاذ يعتقدون خطأ أنها قابلة للإنفاذ.
يعتقد نقاد أن تلك الشركات تخنق الابتكار وتمنع سوق العمل من الحركة بسلاسة عبر منع العاملين من التنقل بحرية إلى حيث يكونون أكثر إنتاجية. إنهم يرون شروط عدم المنافسة كطريقة رأس المال في تعقيد الطريق أمام القوى العاملة.
يشير عدد من الدراسات إلى أن هذه البنود تثبط تنقل العاملين وأجورهم. عندما حظرت شركة هاواي بنود عدم المنافسة على العاملين في مجال التكنولوجيا، وجد الباحثون أن تنقل العاملين زاد 11 في المائة، وأن أجور التعيينات الجديدة ارتفعت 4 في المائة. يبدو أن هذه البنود تجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة إلى الشركات الناشئة الشابة أيضا: فقد وجدت دراسة أخرى أنه في الولايات الأمريكية، حيث بنود عدم المنافسة أكثر قابلية للإنفاذ، كانت الشركات الجديدة أكثر عرضة للفشل وحتى الشركات التي نجت ظلت أصغر في الأعوام الخمسة الأولى. ربما ليس من قبيل المصادفة أن بنود عدم المنافسة غير ملزمة قانونا في كاليفورنيا، عاصمة الابتكار في العالم. أعلنت لجنة التجارة الفيدرالية خططا لحظرها تماما هذا الشهر.
لكن القصة لا تنتهي عند هذا الحد. في أوروبا، افترض كثير من الاقتصاديين أنها ظاهرة أمريكية فريدة. لكن هذا لا يبدو صحيحا. توصلت دراسة حديثة أجراها خبراء اقتصاديون إيطاليون إلى ما أطلق عليه أندريه جارنيرو، أحد القائمين على الدراسة، "أنماطا متشابهة بشكل مذهل" لاستخدام بنود عدم المنافسة في إيطاليا والولايات المتحدة. كما وجدت دراسة استقصائية في اليابان، نوعا مختلفا من الاقتصاد مرة أخرى، أنماطا مشابهة أيضا.
إن المحامين ليسوا بالضرورة هم الأشرار. من الشائع بشكل متزايد لأصحاب العمل استخدام لغة نمطية يمكن أن تؤدي إلى شروط أكثر تقييدا مما هو ضروري حقا لمعظم الموظفين. يقول ديفيد سامويلز، شريك التوظيف في شركة لويس سيلكن "أحاول أن أنصح العملاء طوال الوقت بأن الالتزام بالشرط نفسه للجميع نهج سيئ، لكن ذلك يحدث بالطبع".
لكن سواء انتشرت هذه البنود عن غير قصد أم لا، فإن تأثيرها في الإنتاجية والأجور والابتكار والتنقل كبير. حان الوقت لإخراج العدسة المكبرة: يمكن أن يكون لاقتصادات الحروف الصغيرة في عقود التوظيف تأثير كبير في كيفية فهمنا للعالم اليوم.