الحكمة المالية ليست حكرا على الاقتصاديين

الحكمة المالية ليست حكرا على الاقتصاديين

دفاعا عن نفسي، لم تواجهني مشكلات مالية بعد إتمامي درجة الماجستير في الاقتصاد مباشرة. استغرق الأمر شهورا. حصلت على وظيفة بأجر مناسب وكنت أعيش في حدود إمكاناتي، إذن كيف حدث ذلك؟ ببساطة، وضعت "بذكاء" كل مدخراتي في حساب إيداع بإخطار سابق لمدة 90 يوما، لزيادة الفائدة التي أكسبها. عندما فوجئت بأول فاتورة ضريبية لي، لم يكن بإمكاني إطلاقا التسديد قبل الموعد النهائي.
لحسن الحظ، تمكن أبي من سد الفجوة. لم يحظ والدي بتدريب اقتصادي، بل علمته ثلاثة عقود من الخبرة الإضافية درسا مباشرا: قد يحدث أي شيء، لذا من الأفضل أن تبقي بعض النقد الجاهز للاحتياط إذا استطعت. لم يكن ذلك أول اصطدام بين الاقتصاد الرسمي ومدرسة الحياة، ولن يكون الأخير.
جذبت انتباهي أخيرا مقالة علمية لجيمس تشوي بعنوان "النصائح المالية الشخصية الشائعة ضد الأساتذة الجامعيين". تشوي هو أستاذ مالية في جامعة ييل. إنه عادة تخصص فني للغاية، لكن بعدما وافق تشوي على تدريس الشؤون المالية الشخصية لصف جامعي، تعمق في سوق كتب مساعدة الذات المالية الشهيرة ليرى ما قاله خبراء مثل روبرت كيوساكي وسوزي أورمان وتوني روبنز عن هذا الموضوع.
بعد البحث في أشهر 50 كتابا للشؤون المالية الشخصية، وجد تشوي أن ما نصح به المنفصلون عن الواقع عادة ما كان مختلفا عما قاله الخبراء الماليون لعشرات الملايين من القراء. كانت هناك اتفاقات مفاجئة أحيانا: تفضل معظم الكتب المالية صناديق المؤشرات الساكنة منخفضة التكلفة على الصناديق النشطة، ويفكر أغلب الاقتصاديين بالطريقة نفسها. لكن تشوي وجد اختلافات أكثر من تشابهات.
فما هذه الاختلافات؟ ومن المحق، الخبراء أم الأساتذة الجامعيون؟
يعتمد الجواب على الخبير بالطبع. بعضهم منخرط في أعمال الثراء السريع الخطرة، أو قوة التفكير الإيجابي، أو بالكاد يقدمون أي نصيحة متسقة على الإطلاق. لكن حتى كتب النصائح المالية العملية تختلف اختلافا مذهلا عن الحلول المثلى التي حسبها الاقتصاديون.
تكون الكتب المشهورة على خطأ بعض الأحيان. مثلا، أحد الادعاءات الشائعة هو أنه كلما احتفظت بالأسهم أصبحت أكثر أمانا. هذا غير صحيح، تقدم الأسهم خطرا أكثر وعوائد أكثر، سواء احتفظت بها لأسابيع أو عقود. "على المدى البعيد، من المحتمل أن يفوق أداؤها السندات، لكن من المحتمل أيضا أن تواجه بعض الكوارث". مع ذلك، يعتقد تشوي أنه لا ضرر يذكر من هذا الخطأ، لأنه ينتج استراتيجيات استثمار معقولة حتى إن كان المنطق مشوشا.
لكن هناك اختلافات أخرى من شأنها أن تعطي الاقتصاديين مجالا للتفكير. مثلا، النصيحة الاقتصادية المعتادة هي أنه على المرء تسديد الديون ذات الفائدة المرتفعة قبل الديون الأرخص. لكن كثيرا من كتب الشؤون المالية الشخصية تنصح بإعطاء الأولوية للديون الصغيرة أولا كحيلة لمساعدة الذات: تمسك بتلك الانتصارات الصغيرة، كما يقول الخبراء، وستبدأ باستيعاب أن التخلص من الديون ممكن.
إذا ظننت أن هذا منطقي، فذلك يشير إلى نقطة عمياء في النصائح المالية المعتادة. يرتكب الناس الأخطاء: إنهم عرضة للمغريات، وإساءة فهم المخاطر والتكاليف، ولا يستطيعون حساب قواعد الاستثمار المعقدة. ستأخذ النصائح المالية الجيدة هذا في الحسبان، وستحمي من أسوأ الأخطاء. "الاقتصاد السلوكي لديه كثير ليقوله عن مثل هذه الأخطاء، لكنه مال إلى التركيز على السياسة بدلا من مساعدة الذات".
هناك شيء آخر تميل النصائح الاقتصادية المعتادة إلى أن تخطئ فيه: لا تتكيف بسهولة مع ما يسميه جون كاي وميرفين كينج الاقتصاديان المخضرمان "عدم اليقين التام"، عدم اليقين ليس فقط بشأن ما قد يحدث، بل الأشياء التي من الممكن أن تحدث.
مثلا، النصيحة الاقتصادية المعتادة هي أنه علينا موازنة الاستهلاك على مدى دورة حياتنا، مراكمة الديون في سن الشباب، وتكديس المدخرات في منتصف العمر المزدهر، ثم إنفاق تلك الثروة في سن التقاعد. حسنا، لكن فكرة "دورة الحياة" ينقصها تخيل كل ما يمكن أن يحدث خلال الحياة. يموت الناس صغارا، أو يستقيلون من وظائف بأجور جيدة ليتبعوا شغفهم، أو يرثون مبالغ ضخمة من الخالات أو العمات الثريات، أو يفوزون بعروض غير متوقعة، أو يعانون اعتلالا صحيا مزمنا.
ليس الأمر أن هذه النتائج لا يمكن تخيلها -لقد تخيلتها- بل أن الحياة غامضة لدرجة أن فكرة تخصيص الاستهلاك على النحو الأمثل على مدى عدة عقود تبدو غريبة جدا. قد تكون النصيحة المالية المبتذلة بادخار 15 في المائة من دخلك مهما يحدث غير فعالة، لكن لها قدر من المتانة.
النظرة الاقتصادية المعتادة للعالم تغفل أمرا: قد نبدد المال على أشياء غير مهمة. يؤكد كثير من الحكماء في الشؤون المالية، من حركة الاستقلال المادي والتقاعد المبكر "فاير" المقتصدة للغاية، لزميلتي كلير باريت في "فاينانشيال تايمز"، آمل أن تتجاوز مبيعات كتابها "ما لا يعلمونك إياه عن المال" مبيعات كيوساكي قريبا، هذه الفكرة البسيطة جدا: نحن ننفق بلا وعي عندما يجب علينا الإنفاق بوعي. لكن بينما هذه الفكرة مهمة، لا توجد طريقة للتعبير عنها بلغة الاقتصاد.
علمني تدريبي كاقتصادي كثيرا عن المال، وأعطاني ثقة مبررة في بعض المجالات وتواضعا في مجالات أخرى: من غير المرجح أن أصدق مخططات الثراء السريع، ولا أن أعتقد أن بإمكاني توقع تحركات سوق الأسهم. لكن أفتقد تدريبي على كثير من الأمور أيضا. يستحق جيمس تشوي الإشادة لإدراكه أن الحكمة المالية ليست حكرا علينا نحن الاقتصاديين.

الأكثر قراءة