خفض التكاليف ليس كالنمو
وراء كل تحد فرصة. هذه الحقيقة البديهية مناسبة بشكل خاص للشركات التي تتجه إلى موسم أرباح قاتم على الأرجح وسط توقعات بحدوث تراجع عالمي. كانت توقعات أرباح مؤشر إس آند بي 500 للربع الرابع من 2022 أسوأ مما كانت عليه مباشرة بعد انهيار بنك ليمان براذرز في 2009 أو أثناء انكماش فقاعة الدوت كوم في 2002.
سيستجيب كثير من الشركات لهذا عن طريق خفض التكاليف بشكل كبير جدا. قطاع التكنولوجيا، مثلا، في خضم عمليات تسريح جماعي للعمال. ربما تحذو الصناعات الأخرى قريبا حذو وادي السيليكون.
ينظر كثير من قادة الشركات إلى التراجع على أنه أفضل وقت لخفض التكاليف والأشخاص من أجل التمسك بهوامشهم، لكن هناك بيانات جيدة تظهر أن الشركات التي لا تنجو فحسب، بل تزدهر في الأوقات الصعبة، تميل إلى استخدام نهج ثلاثي المحاور. خفض التكاليف، نعم، لكن أيضا خفض الرفع المالي وزيادة الاستثمار من أجل الاستحواذ على حصة في السوق. الأهم من ذلك، أنها تتصرف بشكل استباقي وليس تفاعليا، حيث ترتب شؤونها وتحل مشكلاتها قبل أن تصل الدورة إلى القاع، حتى تكون مستعدة للاستفادة من عمليات الاستحواذ ذات الأسعار المنخفضة أو جذب موهبة ممتازة.
توضح هذا النهج دراسة جديدة لشركة ماكينزي، بحثت في 1200 شركة عامة في الولايات المتحدة وأوروبا بين 2007 و2011. كانت الشركات التي حققت أفضل عائد للمساهمين خلال هذه الفترة هي الشركات التي فعلت ثلاثة أشياء: عززت الأرباح المحتجزة، ورأس المال المتداول قبل التراجع، كما قللت من الرفع المالي، وهذا أوجد "احتياطيات أنفقتها بعد ذلك على زيادة القيمة، مثل عمليات الاستحواذ والبحث والتطوير والاستثمار الرأسمالي، خلال مرحلة الانتعاش"، كما يقول أسوتوش بادي، رئيس شركة ماكينزي في أمريكا الشمالية.
في حين إن بعض الصناعات الغنية بالنقد، مثل التكنولوجيا أو الطاقة، كانت ولا تزال في وضع أفضل لفعل هذه الأمور، فإن استراتيجية تفعيل آليات النمو والهامش معا، بدلا من مجرد الاستعداد لوضع صعب وخفض التكاليف، تنجح في كل قطاع.
إذا نظرنا إلى الوراء في أعقاب الأزمة المالية لـ2008 للعثور على تلك الشركات التي حققت أداء جيدا، يمكننا أن نشير إلى عملاقة التكنولوجيا "كوالكوم"، التي أبقت البحث والتطوير مرتفعا وواصلت عمليات الاستحواذ الاستراتيجية. يمكننا أيضا إلقاء نظرة على شركة البيع بالتجزئة مثل أوربان أوتفيترز، التي بدأت في 2009 بدون ديون وكثير من النقد المتاح، وكانت قادرة على التوسع بينما كان منافسوها يخفضون التكاليف.
لا شيء من هذا معقد. لكنه يتطلب انضباطا ماليا، وهو أمر لم يتطلبه التراجع الاقتصادي الأخير في 2020 من الشركات، حيث كانت أسعار الفائدة لا تزال منخفضة والائتمان كان يسيرا. في حين إن إصدارات القروض الجديدة ذات الرفع المالي انخفضت نحو الثلث تقريبا على أساس سنوي حتى تشرين الأول (أكتوبر) 2022، مع ارتفاع أسعار الفائدة، تواجه الشركات التي تعيد تمويل ديونها الحالية هذا العام وما بعده نفقات أعلى بكثير مما كان في الماضي.
يتضمن هذا كثيرا من الأسماء المعروفة عبر مجموعة متنوعة من القطاعات. في حين إنه من الصعب معرفة بالضبط الشركات التي ستواجه مشكلات كبيرة في خدمة ديونها في المستقبل. فحصت شركة التحليل المالي كالكبينش، مقرها نيويورك، 22 شركة غير مالية مدرجة في مؤشر إس آند بي 500 التي قدمت تقاريرها السنوية في الخريف الماضي وأفصحت عن الديون ضمن ذلك التقرير. من بين تلك الشركات "مثل سيسكو وأوراكل وفوكس وكامبيل سوب وكلوركس وسي قيت تكنولوجي ونيوز كورب وتايسون"، كان لعشر شركات مصاريف فائدة سنوية أكثر من 10 في المائة بالفعل من صافي الدخل، حتى مع مراوحة متوسط أسعار الفائدة بين 2.38 و3.22 في المائة. هذا عبء كبير من الديون بالنسبة المئوية من صافي الدخل، الذي من المحتمل أن تتم إعادة تمويله بأسعار فائدة أعلى بكثير.
كثير من الشركات التي من المتوقع أن تقدم تقاريرها خلال الأسابيع المقبلة تتشارك الحال نفسها. كانون الثاني (يناير) هو الشهر الذي سيتضح فيه للمستثمرين مقدار الديون التي تجب إعادة تمويلها، ومقدار أسعار الفائدة المرتفعة التي ستؤثر في قدرة الشركات على زيادة الإيرادات. الشركات عالية الاستدانة ستجد نفسها محاصرة وغير قادرة على فعل كثير، باستثناء خفض التكاليف إذا أرادت الحفاظ على صافي الدخل مرتفعا "إذا استطاعت فعل ذلك فعلا".
في حين إن خفض التكاليف يمكن أن يبقي عمود الشركة قائما، فإنه يأتي بجوانب سلبية شتى. لنتأمل درسا آخر عبر الأطلسي من فترة ما بعد الأزمة المالية. قلص المصنعون الأمريكيون القوى العاملة في أعقاب الأزمة، لكن انتهى بهم الأمر بخسارة حصتهم في السوق في آسيا أمام المنافسين الألمان، الذين استخدموا نظام التسريح المؤقت لإعادة تدريب العمال ورفع مهاراتهم وإصلاح المعدات. هذا يعني أن الألمان كانوا أكثر قدرة على تلبية الطلبات بسرعة أكبر عندما بدأ الانتعاش الصيني في 2010، لأنهم كانوا جاهزين للعمل وجاهزين للانطلاق، بدلا من الكفاح لإعادة التوظيف وإعادة التدريب مثل الشركات الأمريكية.
هذا الدرس حول معاملة الموظفين كأصل بدلا من مجرد تكلفة في الميزانية العمومية له صدى خاص الآن، عندما تظل أسواق الوظائف ضيقة أكثر من المعتاد بينما ندخل فيما يمكن أن يكون ركودا عالميا. تمتلك شركات وادي السيليكون مجالا لخفض قوتها العاملة نظرا للزبد المتزايد في القطاع على مدار الأعوام القليلة الماضية، لكن كثيرا من الصناعات الأخرى لا تزال بحاجة ماسة إلى المواهب. سيكون من الحكمة التفكير في المدى المتوسط إلى المدى الطويل قبل توزيع كثير من خطابات الفصل.
في حين إن الأشهر القليلة المقبلة ستكون صعبة بالنسبة إلى المديرين التنفيذيين، فإنها ستكون مفيدة للمستثمرين. لأعوام، أخفى المال السهل الشركات الاستباقية المدارة جيدا من الشركات الأكثر تفاعلا. سيكشف الستار عما قريب.