تايلر كوين .. المهيمن في مجال المعلومات متفائل بمستقبل واعد

تايلر كوين .. المهيمن في مجال المعلومات متفائل بمستقبل واعد

لم يشرب تايلر كوين القهوة إلا مرتين في حياته، ولا يشرب الشاي إلا إذا قدمه أحدهم له، ولم يشرب الكحول أبدا. "الكحول يضر بإنتاجية الجميع".
بدلا من ذلك، فإن الإدمان الذي اختاره كوين هو المعلومات. ليس مجرد مدمن، بل مروج لها، والمهيمن في هذا المجال. من خلال مدوناته، والبودكاست والكتب الخاصة به، ينشر أفكارا مهمة ومعلومات بسيطة ثقافية. يعد من بين الاقتصاديين الأكثر انتقائية، كما يؤيد الأسواق والشركات الكبرى. يصر على أن الذكاء الاصطناعي، بدءا من روبوتات الدردشة مثل "شات جي بي تي"، على وشك أن تغير العالم، لكنه يكتب أيضا عن المطاعم، والأفلام والكتب، لأنه يستمتع بها ولأنه مقتنع بأن الثقافة تشكل الأسواق "والعكس صحيح". يقول "ينبغي للناس جمع مزيد من المعلومات حول الموسيقى، والاقتصاد والكتب، لذلك أحاول أن أوضح لهم كيف أفعل ذلك".
باعتباره أستاذ اقتصاد في جامعة جورج ميسون في فيرجينيا، أصبح كوين شخصية تحظى بالإعجاب في أوساط النخبة المثقفة للغاية والمصممة على تحسين الذات. في 2003، شارك في تأسيس مدونة "مارجينال ريفولشين"، التي سلط فيها الضوء على أحدث الأبحاث حول سبب توقف فجوة الأجور بين الجنسين في الولايات المتحدة عن التقلص "سياسات إجازة الأسرة"، مثلا، ومدة صمود الأباطرة الرومان قبل أن يتم قتلهم. من بين القراء المخلصين له المؤلف مالكولم جلادويل، -كما قيل لكوين- ريشي سوناك رئيس الوزراء البريطاني. لكنه يرغب في مزيد. لذلك أطلق جامعة عبر الإنترنت، تتكون من برامج مجانية في الاقتصاد.
يقول "طموحي الشخصي هو أن أكون الشخص الذي بذل أقصى جهده لتدريس العالم علم الاقتصاد، بمعناه الواسع". عندما سألته عمن يمكن أن ينافسه على هذا اللقب، ذكر اسم آدم سميث وجون ماينارد كينيز.
يعد نوع الاقتصاد الخاص بكوين عمليا. في العام الماضي، نشر هو ودانييل جروس، رائد أعمال، كتابا حول كيفية توظيف الأفراد المبدعين. تتجنب بعض المنظمات إجراء المقابلات غير المنظمة، خوفا من أن تمارس التمييز ضد المرشحين. لكن كوين يشيد بهذه المقابلات ذات التدفق الحر، ولا سيما إذا سأل القائم بإجراء المقابلة عن الأشياء التي تهمه حقا.
غالبا ما يشعر بالسعادة لكونه مخالفا للآخرين. عندما اجتمعنا في لندن، كان الإجماع هو أن الاقتصاد البريطاني لا يمكن أن يكون أسوأ مما هو عليه بكثير. لكنه لا يوافق على هذا. يقول "أرى جنوب إنجلترا -لندن، وكامبريدج وأكسفورد- باعتبارها واحدة من أكثر الأجزاء روعة في العالم، وواحدة من الأماكن القليلة التي يمكنك فيها حقا بدء وتنفيذ فكرة جديدة. يمكنك رؤية ذلك في حالة لقاح أوكسفورد كوفيد - 19، كما تراه في حالة (ديب مايند)، وحدة الذكاء الاصطناعي التابعة لشركة جوجل التي تأسست في لندن. هذه الزاوية من إنجلترا لقد تجاوزت بالفعل نموذج سنغافورة على ضفاف نهر التايمز. بل تركتم سنغافورة في العراء"،
ألا تفتقر بريطانيا إلى العاطفة الإيجابية المؤثرة في السوق؟ "هذا صحيح، جزئيا. أتمنى لو كان ينظر إلى أخلاقيات العمل الجاد وامتلاك كثير من المال على أنها أكثر إيجابية بشكل لا لبس فيه. لكن لن يكون كل مكان مثل أمريكا. الإيجابيات هنا قوية للغاية. لندن حرفيا هي أفضل مدينة في العالم".
هذا كوين النموذجي: سريع في تصنيف الأشخاص، والأماكن والثقافات. قد يقول بعض، مثلا، إن جميع المدن الكبرى لديها طعام آسيوي جيد هذه الأيام. "هذا ليس صحيحا، على الرغم من أن هناك كثيرا من الأطعمة الآسيوية الجيدة في باريس، إلا أنه لا يمكنك أن تعثر عليها ببساطة".
كما أن لديه حبا غير معهود للتعميم. يقول "الناس يفكرون في هذه الأشياء على أي حال، لكنهم يخشون أن يقولوها فقط. لماذا لا نقول ما نفكر فيه وحسب؟"، يرى نفسه أنه أكثر "تكاملا نفسيا. ميولي الطبيعية هي فقط أن أخبرك بما أفكر فيه".
إنه يرغب في دفع الاقتصاد أبعد من الأساليب الأكاديمية، لم يكتب أي مقالات راجعها زملاؤه منذ 2017. يقول "قمت بكثير من الأمور، وجزء كبير من علم الاقتصاد محدود للغاية، حاولت الانخراط في قضايا العالم الحقيقي والتعبير عن حالة عدم اليقين متى وأينما أشعر بها. أعتقد أن هذا له صدى لدى عدد كبير من الناس".
لم يكن كوين، البالغ من العمر 60 عاما، فضوليا دائما. نشأ في نيوجيرسي ولم يكن يهتم بتجربة المأكولات الغريبة أو السفر، ثم في أواخر سن المراهقة، بدأ السفر إلى نيويورك، بحفلاتها الموسيقية، وحشودها ومحال بيع الكتب المستعملة.
تم قبول مقالاته الاقتصادية الأولى من قبل الصحف في سن الـ19، وتم تثبيته باعتباره أستاذا جامعيا حينما بلغ عمره 27 عاما. لكن التدوين هو الذي سمح له بالعثور على جمهوره. يقول "الإنترنت الحديث غير حياتي تماما".
قوة كوين العظمى هي القراءة. يرى نفسه مفرطا في القراءة، لديه قدرة استثنائية على القراءة. يقول "إذا كنت أقرأ كتابا واقعيا حيث أعرف شيئا عما يحتويه، فبإمكاني قراءة ربما خمسة كتب في الليلة". يبدأ القراءة بعد الساعة السابعة صباحا بقليل، ويتناول العشاء مبكرا، عند نحو الساعة الخامسة مساء، إذ يجد أن هذا يساعده على العمل بشكل أفضل في المساء. على الرغم من أنه يحب التنوع في المدن، إلا أنه يعيش في ضواحي فيرجينيا، جزئيا بسبب معدل الضريبة.
تضمنت قوائمه لأفضل كتب في 2022م 36 كتابا، بما في ذلك الكتاب الذي ألفه بعنوان "الموهبة"، يقول بجراءة "كانت هذه أفضل الكتب"، لكنه منفتح على غير القراءة، "ربما كانت الكتب مبالغا فيها. والسفر مستخفا به. في أوساط الأشخاص المتعلمين الأذكياء، قد تكون الكتب مبالغا فيها بعض الشيء".
غالبا ما يرتبط فرط القراءة بالتوحد، لكن كوين لا يعاني الصعوبات الاجتماعية التي يشعر بها المصابون بالتوحد في الأغلب. شخصيا، إنه شخص متفاعل وصريح، وغالبا ما تكون إجاباته صريحة بشكل مفيد.
بالنسبة إليه، فإن المحادثة، مثل القراءة، طريقة لجمع المعلومات. لكن كليهما غير كاف. "إذا كنت تقرأ فقط، فقد تظل أحمق". إنها الكتابة التي "تجبرك على تحديد ما تفكر فيه بشأن شيء ما. إذا كنت تكتب شيئا كل يوم، بغض النظر عن طوله، فإنك تضيف معرفة إلى حد ما، لذلك، فإن الأشخاص الذين يقضون أياما عديدة دون كتابة شيء يعانون مشكلات في الإنتاجية".
منذ 2003، يكتب كوين كل يوم، "أيام الأحد، وعيد الميلاد ويوم الكريسماس، أيا كان". في يوم الكريسماس، قام بالتدوين بشأن سياسات "صفر كوفيد" الخاصة بالصين. في عيد الشكر، تساءل عن عدم وجود مزيد من العملات التي تفوق الدولار من حيث القيمة.
ما عقيدة كوين بشكل عام؟ يسعى إلى النظر إلى القضايا "متجردا من المشاعر"، وهذا يقوده إلى تفاؤل بشأن التقدم البشري، بشكل لا يختلف عن ستيفن بينكر عالم النفس. يطلق على نفسه لقب الليبرالي المعتدل، وقد تعاون مع مؤسسة بيتر ثيل الملياردير الرأسمالي المغامر، كما دافع عن الليبرالية الكلاسيكية ضد اليمين الشعبوي، بحجة أن هذا الأخير، من خلال التشكيك في النخب، قد يسرع من "تحول الولايات المتحدة إلى البرازيل". يقول "لا أعرف إذا ما كنت وسطيا في القضايا، لكنني وسطي في المزاج والنهج".
إنه متحمس للتغير التكنولوجي، لكنه يفضل الاستمرارية المؤسسية، حتى لو بدت سياسة الولايات المتحدة معطلة. "حدسي الأساسي هو، إذا كان نصيبك الفردي من الناتج المحلي الإجمالي أعلى 30 - 40 في المائة من مثيله في معظم الدول النظيرة، فمن الأفضل ألا تتغير. يبدو لي أن النظام ناجح. أجرينا كثيرا من التغييرات في السياسة أخيرا، ولم تكن جميعها جيدة، لكننا لسنا في جمود على الإطلاق".
ما الذي يجنيه كوين من عقليته المنفتحة؟ أيد التخفيضات الضريبية التي فرضتها ليز تراس رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، التي أدت إلى خروجها من منصبها، "اعتقدت أن السوق قد بالغت في رد فعلها". في آذار (مارس) 2022، أجرى مقابلة مع سام بانكمان فريد، مؤسس منصة العملات المشفرة إف تي إكس، التي لم تعد موجودة الآن، وقال "إنه رائع".
عرضت تلك المقابلة طريقة كوين العشوائية في طرح الأسئلة "أعتقد أن أفضل بطاطس مقلية في العالم توجد في جنوب الأرجنتين، في باتاجونيا. أين تعتقد أنها موجودة؟".
التقى كوين بانكمان فرايد لأول مرة قبل عقد من الزمان، حيث لعبا لعبة شطرنج بوجهاوس، نوع مختلف من اللعبة. "لقد كان جيدا، كان أفضل في لعبة شطرنج بوجهاوس من لعبة الشطرنج التقليدية. هذا مفهوم مهم للغاية لفهم بورصة إف تي إكس. هناك أربعة أشخاص ولوحان شطرنج. إذا أخذت قطعتك من على هذا اللوح، وأعطيتها شريكي، فيمكن لشريكي أن يضع القطعة جانبا بدلا من القيام بحركة. من الممكن أن تصبح في هذا الموقف اليائس، وفجأة يمنحك شريكك قطعة الملكة. لذلك ليس هناك ميزانية عمومية في لعبة شطرنج بوجهاوس. تأتي الأشياء من العدم لإنقاذك. تلعب بيأس وتتخذ كثيرا من المخاطرة. إذا لعب الناس لعبة بوجهاوس، فهذه هي عقليتهم الأساسية".
كوين مكتشف للمواهب، لذلك، بعد أن أجرى مقابلة مع بانكمان فرايد، هل كان سيوظفه؟ "كنت سأقوم بتمويله كمستثمر رأسمالي مغامر، لكن لا أعلم إذا ما كنت سأعينه كموظف. من الأشياء التي قلتها أنا ودانييل جروس في كتاب الموهبة: الضمير هو أصعب سمة للحكم عليها، وأسهل سمة لتزيفها".
لا يزال كوين متفائلا بشأن العملات المشفرة، "العملات المشفرة فكرة جديدة فعلا، ولا ينبغي أن ينتقدها الناس".
بشكل عام، يرى أن الاضطراب لا يشكل تهديدا. "منصة يوتيوب أهم وسيلة تعليمية في العالم"، لكن الجامعات المرموقة والحكومية الكبيرة "ستستمر في التعليم بشكل جيد". يقول "إن البشر سيتغلبون على اضطراب الذكاء الاصطناعي أيضا"،، على الرغم من أنه يتحدى الاقتصاديين لمحاولة التنبؤ بالتداعيات بشكل أكثر دقة. "لا يمكننا التنبؤ بدورات الأعمال، ولا يمكننا التنبؤ بآثار التكنولوجيات الجديدة. بالتأكيد ينبغي أن يجعلنا هذا نتواضع قليلا".
إنه يخطط للتركيز بشكل أقل على الكتابة وزيادة التركيز على الظهور كمتحدث في المناسبات، للتكيف مع عالم يقضي فيه القراء وقتا مع روبوتات الدردشة. يقول "إذا قاموا بإنشاء برنامج جي بي تي جيد بالفعل ويمكنه محاكاتي، فسأكون سعيدا حقا. سيجعل نسخة مني خالدة. أبلغ من العمر 60 عاما، ولدي وظيفة ومصادر أخرى للدخل، لذلك ليس الجميع في تلك المكانة".
هناك حدود لتفاؤل كوين. يقول "من حيث إمكانية نشوب حرب نووية في أي عام من الأعوام، أنا متفائل أكثر من معظم الناس، لكن إذا تقدمت بما يكفي من الأعوام، فسيحدث ذلك. كم عام عليك التقدم قبل أن تصبح الفرصة عالية؟ تقديري يقع بين 700 و800 عام. يمكنك الجدل حول الرقم، لكنه ليس مليون عام. لا أعتقد أن الحرب ستقتل كل البشر، لكنها ستدمر ما نعده حضارة".
لكن لا يبدو أن هذا الاحتمال يزعجه. "إذا كانت لدينا مؤسسات أفضل، واتخذنا قرارات أفضل، يمكننا إحداث فرق". في الوقت الحالي، هناك أشخاص موهوبون علينا اكتشافهم، وأفكار مثيرة للاهتمام علينا رعايتها. يغادر كوين بعد انتهاء مقابلتنا، بلا شك لإفراغ المكتبات في لندن، ولملء حياته بأكبر قدر ممكن من المعلومات.

أسئلة سريعة
ما الهدية التي تقدمها غالبا؟ الأقراص المدمجة، ربما. لكن الهدية الحقيقية هي المعلومات، أخبر شخصا عن شيء ما، ثم المال، أليس كذلك؟
هل سيجعلك مزيد من الثروة أكثر سعادة؟ لا. لكن قد يجعلني كذلك عندما أبلغ 84 عاما، عندها سأكون في دار رعاية أفضل، وهذا سيجعلني أكثر سعادة.
عن ثقافة نبذ الأشخاص من المجتمعات: ينبذ الجناح الأيسر أكثر من الجناح الأيمن. في الجامعات تعد النساء الديمقراطيات من المعتدلات إلى اليساريات الفئة الديموغرافية التي يرجح نبذها. رجال اليمين في منطقة أكثر أمانا نسبيا.

الأكثر قراءة