التشاؤم غير المباشر .. التنفيذيون يواجهون عالما محيرا
هذا الشهر، استجوبت سوزان كلارك، رئيسة غرفة التجارة الأمريكية، أعضاءها حول ما يتوقعونه عند التفكير في آفاق 2023.
قد تتوقع أن تكون تكهناتهم هذه قاتمة. أفاد استطلاع أجراه "جيه بي مورجان" لقادة الأعمال الأمريكيين الأسبوع ما قبل الماضي "بانخفاض حاد في التفاؤل بشأن الاقتصاد، حيث تلوح مخاوف الركود في الأفق"، مع توقع 65 في المائة من الرؤساء التنفيذيين حدوث تراجع في 2023، ويشعر 8 في المائة فقط بالتفاؤل بشأن الاقتصاد العالمي.
عندما أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي تقريره السنوي عن المخاطر قبل المنتدى السنوي في دافوس، كان الأمر مروعا، مشيرا إلى أنه "مع انتهاء حقبة اقتصادية، فإن الحقبة التالية ستجلب مزيدا من مخاطر الركود والتفاوت والعِوز". يا له من أمر مروع.
لكن هناك مفارقة غريبة تحدث: إذا بحثت في تقرير "جيه بي مورجان"، يمكنك رؤية كثير من البهجة على المستوى الجزئي وسط الضائقة الكلية. من الجدير بالذكر أن 51 في المائة من المشاركين توقعوا ارتفاع الأرباح –وليس انخفاضها– في 2023، ويتوقع 88 في المائة منهم الاحتفاظ بالموظفين أو زيادتهم.
قد يقول متشائمون إن هذا يرجع إلى ضرورة أن يكون الرؤساء التنفيذيون متفائلين أمام المستثمرين. مع ذلك، تعتقد كلارك أن نطاق الازدواجية، الذي ينعكس أيضا في بيانات غرفة التجارة نفسها، أمر غير معتاد. تقول: "في الوقت الحالي، يخبرنا كثير من أعضائنا أنه في حين أن حالة أعمالهم قوية، فإن حالة اقتصادنا هشة". كما تصف كلارك هذه المشكلة بأنها مشكلة "تشاؤم غير مباشر" – أو المكان الذي يتباين فيه واقع الشركات مع الخطاب العام.
لماذا تطور هذا التشاؤم غير المباشر؟ غرفة التجارة، بصفتها مجموعة ضغط، تلقي باللوم في المقام الأول على السياسيين في أمريكا. "لقد سئم رجال الأعمال الأمريكيون من واشنطن (...) بسبب الانقسام، والجمود، وعدم القدرة على التصرف بذكاء واستراتيجية"، حسب قول كلارك، التي أعربت عن أسفها لأن "ليس لدى الشركات الوضوح أو اليقين للتخطيط لما بعد الدورة السياسية المقبلة".
نقطة وجيهة. لكن أعتقد أن هذا لا يروي سوى جزء من القصة. هناك سبب آخر لهذه الازدواجية وهو أن الرؤساء التنفيذيين يواجهون عالما محيرا معظمهم غير مجهز لتحليله.
يرجع ذلك جزئيا إلى أن التحديات التي تواجه الشركات في الوقت الحالي لا يمكن تحديدها بسهولة من خلال الأدوات الفكرية التي طالما تم تبجيلها في كليات إدارة الأعمال، مثل النماذج الاقتصادية أو الميزانيات العمومية.
لفهم هذا، ما عليك سوى إلقاء نظرة على تقرير دافوس عن المخاطر، والذي يذكر أهم عشرة مخاطر تثير قلق أعضاء المنتدى الاقتصادي العالمي. قبل عقد من الزمن، كانت هذه المخاطر تتعلق غالبا بالمشكلات الاقتصادية، مثل النمو والديون. لكن هذا العام، لم تظهر هذه المشكلات الاقتصادية التقليدية في القائمة على الإطلاق. بدلا من ذلك، تم استبدالها بمخاطر مثل الحرب النووية، والخوف المتزايد بشأن تغير المناخ، والصراع الاجتماعي.
قد يكون هذا مضللا، الديون، مثلا، قد تظل مشكلة خطيرة في 2023. لكن سواء كان ذلك صحيحا أم لا، فإن النقطة الأساسية هي أن "قلة من قادة الأعمال وصانعي السياسات العامة من هذا الجيل قد تعرضوا" لهذه المخاطر الكبيرة، كما يوضح المنتدى الاقتصادي العالمي. لا عجب في أن 8 في المائة فقط من المشاركين في استطلاع "جيه بي مورجان" يشعرون بالتفاؤل تجاه الاقتصاد العالمي.
ما زاد الطين بلة أن القضية الاقتصادية الكبرى التي تشكل العالم –تأرجح في الدورة المالية– تتكشف أيضا بطرق غير عادية. عايش معظم قادة الأعمال اليوم تقلبات دراماتيكية مختلفة في الدورة المالية، سواء أكانت الأزمة المالية الكبرى لعام 2008، أو انفجار فقاعة الدوت كوم في 2001 أو الأزمة الآسيوية في 1997.
لكن تقلبات اليوم مختلفة، نظرا لتشديد البنوك المركزية للشروط النقدية، فإن هذا لم يتسبب في "انفجار" فقاعات أسعار الأصول بسرعة بالطريقة التي شهدناها في 2008 أو 2001. بدلا من ذلك، انخفضت أسعار معظم الأصول بشكل مطرد، بطريقة تذكرنا "بالهسهسة" البطيئة عندما يتسرب الهواء من بالون.
يرجع ذلك جزئيا إلى استمرار حالة عدم اليقين بشأن ما إذا كانت البنوك المركزية، بما في ذلك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ملتزمة حقا بهذا التشديد. لكن هناك قضية رئيسة أخرى تتمثل في أن رأس المال الخاص لعب دورا مركزيا في الفقاعة الأخيرة، بدرجة أكبر بكثير مما كان في الدورات السابقة.
نظرا لأن المؤسسات الخاصة لا تحتاج إلى تخفيض قيمة الأصول المستهلكة في الوقت المحدد، فلا يزال كثيرون يغيرون ترتيب هذه الأصول، عند علامات متضخمة، بينما يأملون –أو يدعون– أن تنقذهم معجزة ما. لذلك، نتيجة تشديد السياسة النقدية لا تزال مخفية جزئيا، أو بشكل أكثر دقة، مؤجلة.
بالنسبة إلى السياسيين، فإن "الهسهسة" تبدو بلا شك أفضل من "الانفجار". لكن المشكلة تكمن "كما رأينا في اليابان في تسعينيات القرن الماضي" في أن عالما من الخسائر المؤجلة وارتفاع أسعار الفائدة هو أيضا أحد مصادر قلق التنفيذين. للاستشهاد بمثال واحد: تظهر بيانات غرفة التجارة أنه في حين تقول الشركات إن في إمكانها الوصول بسهولة إلى رأس المال الآن، فإنها تفترض أنه سيتبخر قريبا. هذا هو التشاؤم غير المباشر والاستباقي في الوقت نفسه.
لذا فإن الأسئلة المهمة، التي يحتاج المستثمرون إلى التفكير فيها هي ما إذا كان هذا الانقسام سيستمر –وكيف سينتهي. هل ستطغى البهجة على المستوى الجزئي على الكآبة الكلية في النهاية؟ أم أن هذا التشاؤم سيتحقق ذاتيا، حيث يستمر القلق بشأن المستقبل في سحق تفاؤل الرؤساء التنفيذيين؟
إن شكي الشخصي في أن السيناريو الثاني هو الأكثر احتمالا. لكني أتمنى بشدة أن أكون مخطئة. في كلتا الحالتين، يواجه الحاضرون في دافوس "وغرفة التجارة الأمريكية" دورة عمل تختلف عن أي دورة عرفوها من قبل، دورة لا يمكن التنبؤ بها بدقة باستخدام النماذج الاقتصادية وحدها.