الضجيج حول الحوسبة الكمومية يتراجع بسبب نقص الاستخدامات العملية
هل أجهزة الحاسوب الكمومية البدائية اليوم على وشك تحقيق مآثر كبيرة خارج نطاق متناول أجهزة الحاسوب التقليدية؟ أم أن قدراتها مبالغ فيها، حيث تتراجع الاستخدامات العملية لهذه التكنولوجيا في المستقبل؟
تم طرح هذه الأسئلة بوضوح شديد في الأيام الأخيرة عبر ادعاء مجموعة من الباحثين الصينيين بأنهم توصلوا إلى طريقة لفك تشفير خوارزمية أر إس إيه التي تدعم كثيرا من الاتصالات عبر الإنترنت اليوم.
كان من المعتقد على نطاق واسع أن احتمال أن تكون أجهزة الحاسوب الكمومية قادرة على اختراق التشفير عبر الإنترنت يمثل خطرا يستمر عقدا أو أكثر في المستقبل. لكن الباحثين البالغ عددهم 24، من عدد من أفضل الجامعات الصينية والمختبرات المدعومة من الحكومة، قالوا إن أبحاثهم أظهرت أنه يمكن استخدام تكنولوجيا الكمومية المتوافرة بالفعل.
البتات الكمومية، أو الكيوبتات، المستخدمة في آلات اليوم غير مستقرة إلى حد كبير وتحتفظ بحالاتها الكمومية فقط لفترات قصيرة للغاية، ما يحدث "الضوضاء". نتيجة لذلك، "تتراكم الأخطاء في الحاسوب وبعد نحو 100 عملية يبدأ ظهور كثير من الأخطاء التي تفشل فيها عملية الحساب"، كما قال ستيف بريرلي، الرئيس التنفيذي لشركة البرمجيات الكمومية ريفيرلين.
أدى ذلك إلى البحث عن كيوبتات أكثر استقرارا، إضافة إلى أساليب لتصحيح الأخطاء للتغلب على "الضوضاء"، ما يؤخر التاريخ الذي من المحتمل أن تصل فيه أجهزة الحاسوب الكمومية إلى إمكاناتها الكاملة عدة أعوام.
على النقيض من ذلك، بدا أن ادعاءات العلماء الصينيين بمنزلة تأييد لأنظمة "الضوضاء" الحالية، في حين تثير أيضا موجة من القلق في عالم الأمن السيبراني بشأن تهديد وشيك محتمل لأمن الإنترنت.
في أواخر الأسبوع الماضي، قام عدد من الباحثين عند تقاطع الرياضيات المتقدمة وميكانيكا الكم بنفي الادعاء.
حيث قال بريرلي من شركة ريفرلين إنه "لا يمكن أن ينجح" لأن الباحثين الصينيين افترضوا أن الحاسوب الكمي سيكون قادرا ببساطة على إجراء عدد كبير من العمليات الحسابية في وقت واحد، بدلا من محاولة الحصول على ميزة عبر تطبيق الخصائص الكمومية للنظام.
توقع بيتر شور، عالم الرياضيات الأمريكي الذي اقترح لأول مرة طريقة لأجهزة الحاسوب الكمومية لاختراق التشفير، أن عدم القدرة على إجراء جميع العمليات الحسابية في وقت واحد يعني أن الأمر سيستغرق "ملايين الأعوام" حتى يقوم الحاسوب الكمومي بإجراء العملية الحسابية المقترحة في البحث.
يأتي البحث الصيني في وقت تتسابق فيه كثير من الشركات العاملة على التكنولوجيا لإثبات أن أنظمة "الضوضاء" الحالية يمكن أن تصل إلى ما يسمى بالميزة الكمومية - النقطة التي يمكن أن يؤدي فيها الحاسوب الكمومي مهمة مفيدة بكفاءة أكبر من آلة تقليدية، أو "كلاسيكية"، ما يبشر باستخدام تجاري لهذه التكنولوجيا.
قبل أربعة أعوام، توقع جون بريسكيل، أستاذ الفيزياء النظرية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، أن الأنظمة الكمومية ستبدأ في التفوق وقد يكون لها استخدامات تجارية عند وصولها إلى حجم 50-100 كيوبت. لكن تلك اللحظة أتت وذهبت دون أن تظهر الأنظمة الكمومية أي تفوق واضح. كشفت شركة أي بي إم النقاب عن جهاز حاسوب بحجم 127 كيوبت منذ أكثر من عام، وأعلنت الشهر الماضي أن معالجا جديدا بحجم 433 كيلوبتا سيكون متاحا في الربع الأول من 2023.
في هذه الأيام، يبدو بريسكيل أكثر حذرا. قال، "أتوقع أنه بالنسبة إلى التطبيقات العملية ذات القيمة التجارية الكبيرة سنضطر لانتظار أجهزة الحاسوب الكمومية التي تصحح الأخطاء والمتسامحة مع العيوب"، مضيفا أن هذا الأمر قد يكون "بعيدا للغاية". لكنه أضاف أن أنظمة اليوم لها قيمة علمية بالفعل.
أحد أسباب تراجع الآمال أنه تم العثور على طرق جديدة لبرمجة أجهزة الحاسوب الكلاسيكية للتعامل مع المهام التي كان يعتقد في السابق أنها فوق قدرتها.
قال أوسكار بينتر، رئيس الأجهزة الكمومية في قسم الحوسبة السحابية في شركة أمازون، إحدى شركات التكنولوجيا التي تبني حاسوبها الكمومي الخاص، إن هذا دفع الحدود الكمومية للوراء، ما أدى إلى تأخير اللحظة التي يمكن فيها للأشخاص الذين يبنون أنظمة كمومية أن يدعوا أن لديهم ميزة. قال، "لم يتمكنوا من القول في النهاية، سيكون هذا أفضل".
بعد أعوام من تصاعد التوقعات، أدى الافتقار إلى الاستخدامات العملية للتكنولوجيا إلى تحذير بعض الخبراء من "شتاء كمومي" محتمل - الفترة التي تؤدي فيها خيبة الأمل بشأن التكنولوجيا الجديدة إلى تضاؤل الاهتمام لعدة أعوام. تمت استعارة المصطلح من "شتاء" الذكاء الاصطناعي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، عندما تبين أن عددا من الأبحاث الواعدة كانت بلا نتيجة، ما أعاد هذا المجال إلى الوراء لفترات طويلة.
قال بينتر من شركة أمازون ويب سيرفيسز، "يشعر الناس بالقلق من أن ذلك سيكون قاسيا حقا". على أنه مثل كثيرين في هذا المجال، قال إن أي رد فعل عنيف قصير المدى من غير المرجح أن يلحق الضرر بتمويل الأبحاث طويلة الأجل. أضاف، "لا أعتقد أن هذا الألم سيتلاشى".
تراجع الآمال في تحقيق منافع مبكرة من الحوسبة الكمومية أسهم بالفعل في انخفاض حاد في أسهم حفنة من الشركات التي ركبت موجة الحماس في القطاع لتتحول إلى شركات عامة منذ منتصف 2021.
استنادا إلى ذروة أسعار أسهمها بعد فترة وجيزة من طرحها للاكتتاب العام، بلغت قيمة أسهم شركات "أركيت"، و"أيون كيو"، و"دي-وايف" و"ريجتى" مجتمعة 12.5 مليار دولار. منذ ذلك الحين انخفضت تلك القيمة إلى 1.4 مليار دولار. من بين الأحداث التي عصفت بالشركات الكمومية العام الماضي، تضررت شركة أيون كيو جراء تقرير من بائع على المكشوف يزعم أن تكنولوجيتها لم ترق إلى مستوى ادعاءاتها، في حين تم نقل مؤسس شركة ريجتي، تشاد ريجتي، ليتولى منصب الرئيس التنفيذي قبل تركه للشركة في أواخر العام.
قال كونستانتين جونسيوليا، كبير موظفي التكنولوجيا المتقدمة في شركة ويلز فارجو، إن جزءا من المشكلة التي تواجه القطاع كان "الضجيج" الزائد حول هذه التكنولوجيا. قارن بين تراكم التوقعات حول الكم وصناعة العملات المشفرة، حيث تم جذب كثير من غير الخبراء إلى هذا المجال وتجاوزت الوعود الخاصة بالتكنولوجيا إمكاناتها على المدى القريب.
على الرغم من ذلك، لا تزال الشركات التي تعمل على الآلات والبرمجيات الكمومية الأولى تصر على أن الاستخدامات العملية للتكنولوجيا على وشك الحدوث - مع الاستمرار في تجنب إعطاء توقع دقيق للغاية حول وقت حدوث ذلك بالضبط.
قال ديفيد ريفاس، رئيس قسم الهندسة والمنتجات في شركة ريجتي، إن الشركة ما زالت تعتقد أنها ستصل إلى ميزة كمومية عندما تحتوي أجهزة الحاسوب الخاصة بها على "بضع مئات إلى بضعة آلاف من الكيوبتات". قال إنه حتى لو لم تتمكن من مضاهاة أداء أجهزة الحاسوب العملاقة اليوم، فإنها ستظل مفيدة إذا كانت تكلفتها أقل بكثير، أو إذا كان بإمكانها العمل بشكل أسرع أو بمزيد من الدقة.
بالنسبة إلى بعض شركات الحوسبة الكمومية، فقد كان الادعاء الصيني المذهل بشأن التشفير عبر الإنترنت علامة على أن لحظة التكنولوجيا الكبيرة تقترب. لكن بالنسبة إلى المشككين، فإن عدم التطبيق العملي الواضح للبحث سيكون بمنزلة تأكيد على أن الحوسبة الكمومية لا تزال تجربة علمية مثيرة للإعجاب وليست تكنولوجيا عملية.