رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


معايير الاستدامة ESG .. الضغوط والتحديات

يستمر الاهتمام المتزايد بما يعرف بالاستثمار المبني على الاستدامة والمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة للشركات، وهي المبادئ التي تدعمها المملكة من خلال عدد كبير من المبادرات والتشريعات التي تم إطلاقها في الأعوام الماضية، رغم التحديات الاقتصادية والسياسية في الآونة الأخيرة. إلا أن هناك بعض التحديات التي تواجه الجوانب البيئية والاجتماعية لهذه المبادئ خصوصا، ولا تواجه جوانب الحوكمة المتعلقة بها، حيث لا توجد أي اختلافات تذكر حول أهمية حوكمة الشركات والتصدي للفساد. التحديات الرئيسة تنصب على الجوانب البيئية والاجتماعية بسبب الانقسام الكبير في المجتمعات الغربية بين المحافظين والليبراليين المبنية على الاختلافات الحادة في تبني القيم والأخلاقيات والمفاهيم الفلسفية بين الجانبين، لذا تكثر حالات المناكفة وتتزايد العراقيل والاعتراضات.
في الأشهر القليلة الماضية شنت ولاية تكساس الأمريكية حملة ضروسا ضد مديري الأصول والمؤسسات المالية المتبنين للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة ESG، وذلك لاتهامهم بأنهم يعملون ضد مصالح الولاية وأن أهدافهم الرئيسة محاربة وسائل الطاقة التقليدية والوقود الأحفوري التي يعتمد عليها اقتصاد الولاية. وفي العام الماضي قامت ولاية ويست فيرجينيا بحظر التعامل مع عدد من البنوك الكبرى أمثال "جي بي مورجان" و"جولدمان ساكس" و"مورجان ستانلي" وغيرها ومنعتها من الدخول في طروحات السندات الخاصة بالولاية، وتبعها في ذلك عدد آخر من الولايات.
المشكلة كما يراها كثير من المحافظين والتابعين للحزب الجمهوري في المجتمع الأمريكي هي أن هناك مبالغة كبيرة في نطاق تطبيق هذه المعايير وخلوها من المقاييس الموضوعية وارتفاع تكاليف تطبيقها، إلى جانب أن بعض هذه المعايير معادية لاقتصادات بعض الولايات ومخالفة لبعض القيم والتقاليد الخاصة بهذه الولايات. البعض يرى أن هذه المبالغات قد تضر بالأهداف النبيلة لمبادرات الاستدامة والحفاظ على البيئة وأنها ستؤدي إلى مزيد من الانقسام المجتمعي وتراجع الاقتصاد الأمريكي على حساب اقتصادات أخرى لا تكترث كثيرا بتفاصيل هذه المعايير.
على الصعيد الاستثماري هناك اهتمام من قبل شرائح كثيرة من المستثمرين في الشركات التي تحترم مبادئ ESG، ما أدى إلى ارتفاع حجم الاستثمارات الموجهة إلى الأصول المستدامة التي يقدر حجمها بحسب مجلس الاستثمار المسؤول والمستدام بنحو 17 تريليون دولار في 2020. وهناك مؤسسات مالية كبرى ووكالات تصنيف قامت بإعداد معايير تقييم للشركات الملتزمة بهذه المبادئ حيث يكون المستثمر على اطلاع كامل بجهود هذه الشركات ونشاطاتها البيئية والاجتماعية ومدى تطبيق مبادئ الحوكمة الخاصة بها، وحيث لا تكون قرارات المستثمرين مبنية فقط على النتائج المالية للشركات.
أحد هذه المعايير ما قامت به مؤسسة "مورجان ستانلي" بتصنيف أكثر من ثمانية آلاف شركة بطريقة مشابهة لتصنيف الوكالات الائتمانية، حيث تحصل الشركة ذات التصنيف العالي على AAA وما إلى ذلك من تصنيفات أخرى، وكذلك تقوم شركتا "مورنينج ستار" و"ستاندرد آند بورز" بعمل تصنيفات مماثلة.
وفي المملكة تهتم هيئة السوق المالية بهذه المعايير فيما يخص دور السوق في دعم نمو الشركات واستدامتها وغير ذلك من معايير الحوكمة المتوافقة مع التوجهات العالمية ومبادئ رؤية المملكة 2030. كما أن "تداول" السعودية لديها أدلة إرشادية متعلقة بمبادئ الإفصاح البيئية والاجتماعية والحوكمة خاصة بالشركات المدرجة بهدف حث الشركات على اتباع هذه الممارسات والإفصاح عنها في تقاريرها ونشراتها الدورية. وهذه الممارسات تندرج ضمن قضايا البيئة وتشمل تبني التقنيات النظيفة والحد من الانبعاثات والنفايات السامة والحد من التأثيرات السلبية للمناخ. وفي الجوانب الاجتماعية يقاس مدى التزام الشركات بالمسؤولية الاجتماعية ونمو رأس المال البشري والعدالة في التوظيف والتعامل مع سلاسل التوريد الخاصة بالشركة.
تبني الشركات السعودية لهذه المبادئ يأتي تماشيا مع جهود المملكة في سبيل الوفاء بالتزاماتها تجاه تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والحد من تراكمات الغازات الدفيئة، وما تمخض عن ذلك من إنشاء سوق مالية معنية بتداول أرصدة الائتمان الكربوني، نتج عن ذلك تقدم ملحوظ للمملكة على صعيد مؤشر المستقبل الأخضر لعام 2022. وفي هذا السياق هناك خطط أخرى لجعل المملكة أكبر منتج ومصدر للهيدروجين النظيف منخفض التكلفة في العالم، إلى جانب تطوير عدد من المشاريع في مجال الطاقة المتجددة، وإضافة 840 ميجاواطا من الطاقة الشمسية إلى شبكة الكهرباء الوطنية، وإنشاء أكبر مجمع في العالم لالتقاط ثاني أكسيد الكربون ونقله وتخزينه بقيادة شركة أرامكو السعودية وشركائها، ومن المقرر له أن يباشر أعماله بحلول عام 2027.
مبادرات العناية بالبيئة والمحافظة عليها لم تخل يوما من المشككين والمعارضين، غير أن ما برز في العامين الماضيين على صعيد الاستثمار المستدام من رفض لبعض مبادئه وعرقلة لنشاطات بعض البنوك والمؤسسات المالية ممن لديها منتجات مالية موجهة للمستثمرين المؤمنين بمبادئ ESG، ربما لهذه التحركات المعارضة أن تشكل إعاقة وتثبيطا للجهود الدولية الرسمية الرامية إلى تحقيق مستهدفات الاستدامة البيئية والاقتصادية والبشرية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي