القانون الألماني .. شركات التكنولوجيا الكبرى تقاوم

القانون الألماني .. شركات التكنولوجيا الكبرى تقاوم
القانون الألماني .. شركات التكنولوجيا الكبرى تقاوم

بصفته رائد أعمال، يريد باتريك أندريه إنجاز الأمور بسرعة. لذلك، يشعر المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة هوم تو جو لتأجير منازل العطلات، ومقرها برلين، بالإحباط بسبب بطء قوانين مكافحة الاحتكار فتح الأسواق وتمكين المنافسة من الازدهار في أوروبا.
تعتمد شركة هوم تو جو بشدة على عمليات البحث عن حركة المرور من جوجل لتعزيز الإيرادات. منذ 2019، كانت الشركة وغيرها في القطاع تقاتل بشكل علني مجموعة البحث بسبب مزاعم عن الترويج غير العادل لخدماتها على حساب المنافسين. نفت شركة جوجل ارتكاب أي مخالفات وتقول إنها تمنح المستخدمين النتائج الأكثر صلة.
لكن صبر أندريه آخذ في النفاد حيث كانت محاولات بروكسل لتخفيف قبضة شركات التكنولوجيا الكبرى على القطاع بطيئة التنفيذ. قال: "لقد كانت أوروبا ساذجة"، خلال مقابلة أجريت معه أخيرا في مكتبه في حي عصري في شمال شرق برلين. "تحمي الولايات المتحدة والصين أسواقهما. شركات أمريكية تأتي إلى أوروبا وبسبب مركزها القوي فإنها تحكم كل شيء".
يضيف: "تحتاج أوروبا إلى فهم أنها بحاجة إلى حماية صناعة التكنولوجيا لدينا والسماح لها بالنمو والتفكير في القيمة التي تم إنشاؤها هنا".
رغم إحباطه، يعلق أندريه آماله على قانون ألماني جديد رائد في الطريقة التي تكبح بها أوروبا نفوذ شركات التكنولوجيا الكبرى.
تجادل الجهات التنظيمية في ألمانيا بأن المادة (19/أ) من قانون المنافسة الألماني تتقدم بأعوام على قانون مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي، وقانون الأسواق الرقمية، ومع إمكانية تحديد ومعالجة عدد أكبر من السلوكيات غير القانونية مقارنة بالاتحاد الأوروبي، من خلال كونه أقل تحديدا للسلوكيات التي تشكل مخالفة للتنافسية.
قانون المادة (19/أ) الذي دخل حيز التنفيذ في كانون الثاني (يناير) 2021، يضع برلين في طليعة محاولات أوروبا لتضييق الخناق على قوة شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث فشلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حتى الآن أو ما زالتا متأخرتين.
مثل قانون الأسواق الرقمية، فإن هذا القانون يمنح سلطات مكافحة الاحتكار في ألمانيا صلاحيات لملاحقة من يطلق عليهم حراس البوابات الرقمية مثل شركات ميتا وجوجل وأمازون بما في ذلك القدرة على فرض عقوبات مثل عمليات سحب الاستثمارات القسرية ضد الشركات وإمكانية تفكيكها.
لكن بينما تعمل الجهات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي الآن فقط على وضع التفاصيل المتعلقة بكيفية تنفيذ قانون الأسواق الرقمية، الذي أصبح قانونا في تشرين الثاني (نوفمبر)، فقد حددت برلين من هم حراس البوابات المعنيون وتلاحقهم بالفعل.
القواعد في بروكسل إلزامية وتعطي قائمة بالإجراءات المحددة التي تعد غير قانونية، بما في ذلك حظر المنصات التي تصنف خدماتها أعلى من تلك للمنافسين. تقوم المادة (19/أ) بكل هذا لكنها تحظر أيضا السلوك في المجالات التي لم تهيمن فيها المنصات بعد وتترك الباب مفتوحا لمعالجة السلوك المستقبلي المضاد للمنافسة الذي لم يتم تحديده بعد.
إذا حكم على الشركات بأنها "ذات أهمية قصوى للمنافسة عبر الأسواق"، فيمكن للهيئة التنظيمية أن تمنعها من تصنيف خدماتها الخاصة على أنها تفوق خدمات المنافسين، ومن حرمان المنافسين من الوصول إلى البيانات، ومن منع المستخدمين من نقل بياناتهم الخاصة إلى خدمات منافسة أخرى.
منذ دخول المادة (19/أ) حيز التنفيذ، فتحت هيئة الرقابة الألمانية لمكافحة الاحتكار تحقيقات رفيعة المستوى ضد أكبر شركات التكنولوجيا في العالم.
إن التحقيق الذي أجراه مكتب مكافحة الاحتكار الفيدرالي حول ما إذا كان موقع فيسبوك يمنح ميزة غير عادلة لمستخدمي منصات شبكات التواصل الاجتماعي الخاصة به على نظارات الواقع الافتراضي الخاصة به قد حقق بالفعل فوائد للمستهلكين، حتى مع استمراره. أكدت هيئة الرقابة الألمانية أن بإمكان المستخدمين استخدام النظارات دون ضرورة امتلاك حساب على موقعي فيسبوك وإنستجرام.
كما أنها تحقق في خرائط جوجل فيما يتعلق بالقيود المحتملة المناهضة للمنافسة التي تضر بالمنافسين وفتحت تحقيقين منفصلين في ممارسات سوق أمازون بسبب مخاوف من أن تلحق الضرر بمركز البائعين الخارجيين. يوم الأربعاء، كان من المقرر أن تصدر هيئة الرقابة الألمانية اتهامات جديدة ضد معالجة جوجل للبيانات الخاصة.
يقول أندرياس موندت، رئيس مكتب مكافحة الاحتكار الفيدرالي، إن التركيز ينصب بشكل أكبر على تغيير الطريقة التي تمارس بها الشركات أعمالها، بدلا من فرض غرامات باهظة عليها. يقول: "لا أعتقد أن الغرامات تغير السلوك. إذا كنت تريد أن ترى تغييرا في السلوك، فأنت بحاجة إلى تغيير السلوك وجعله تنافسيا".
لطالما جادل منتقدو إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار بأن الغرامات مجرد تكلفة ممارسة الأعمال التجارية لشركات التكنولوجيا الكبرى وأن أي إجراء لفتح الأسواق غالبا ما يأتي متأخرا للغاية ولا يفعل سوى قليل جدا لتمكين المنافسة.
مثلا، كان محققو مكافحة الاحتكار في بروكسل يتصارعون مع جوجل في المحاكم لأكثر من عقد في ثلاث قضايا مختلفة تصل غراماتها الإجمالية إلى ثمانية مليارات يورو، لكن كلا الجانبين لا يزال ينازعا الطعون في لوكسمبورج ولم تدفع الشركة بعد فلسا واحدا. جادلت جوجل بأنها أجرت تغييرات ذات مغزى من شأنها أن تعزز المنافسة وتفيد العملاء.
تعد المادة (19/أ) في وضع أفضل للتعامل مع مثل هذه الشركات من قانون الأسواق الرقمية. يقول موندت: "القانون الألماني أكثر انفتاحا. لا يقتصر الأمر على النظر إلى الوراء فحسب، بل التطلع أيضا إلى المستقبل، لأنه إذا كان لدينا تكتيكات جديدة من قبل الشركات، فسنكون قادرين على اللحاق بها أيضا".
ألمانيا واحدة من عدة دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي تعمل على شحذ جهود الجهات التنظيمية الوطنية حتى في الوقت الذي تشرع فيه بروكسل في وضع قواعد مكافحة الاحتكار للكتلة بأكملها. كما لدى هيئات مكافحة الاحتكار في فرنسا وإيطاليا مجموعات شركات التكنولوجيا الكبيرة تحت الأنظار، ما يؤدي إلى ظهور شخصيات بارزة قريبة من الصناعة للتحذير من التأثير المضاعف الذي سيجعل أوروبا مكانا أقل ترحيبا بالنسبة إلى الشركات الناشئة.
يقول ألكسندر دي ستريل، أستاذ القانون في جامعة نامور الذي قدم المشورة لسيري، مؤسسة فكرية مقرها بروكسل تمولها جزئيا شركات التكنولوجيا الكبرى: "إذا كان لدينا تباين في القانون في أوروبا، فسيؤدي ذلك إلى (...) جعل توسيع نطاق التكنولوجيا الصغيرة في القارة أصعب".
يقول موندت إن الغرض من القانون في ألمانيا ليس خنق رواد الأعمال بل "تشجيع الابتكار" في الأسواق الرقمية. "لا أريد أن أترك الأمر للشركات الضخمة لتقرير القواعد التي تستند إليها أنت كمنافس لدخول السوق. هذه ليست مهمة شركات التكنولوجيا الكبرى. ينبغي أن يكون هذا هو الواقع بالنسبة إلى ألمانيا وأوروبا ودول أخرى".
حراس البوابات الرقمية تحت الضغط
شركات التكنولوجيا الكبرى تقاوم القانون الألماني. مثلا، تستأنف شركة أمازون القرار الذي يعدها منصة ذات "أهمية قصوى"، مجادلة بأنها تتنافس بالفعل مع "كثير من الشركات الألمانية والدولية الراسخة والناجحة".
قال متحدث باسم شركة أمازون: "لا نتفق مع تفسير مكتب مكافحة الاحتكار الفيدرالي لهذا التشريع الجديد المعقد وقد قدمنا استئنافا ضده. إن سوق التجزئة التي تعمل فيها شركة أمازون كبيرة جدا وتنافسية بشكل غير عادي، بالنسبة إلى الشركات العاملة بالإنترنت وغير الإنترنت".
لم تستأنف شركتا ميتا وجوجل ضد تصنيفهما كمنصتين قويتين. حيث قالت الشركة الأم لفيسبوك في بيان إنها رغم عدم موافقتها على "منطق" مكتب مكافحة الاحتكار الفيدرالي بشأن القرار، فإنها ستواصل "العمل بشكل بناء" مع الجهة التنظيمية للامتثال لجميع القواعد واللوائح.
قالت جوجل إن عملاءها "يتوقعون أننا ندير شركة مسؤولة، وأننا خاضعون للتنظيم. إننا على ثقة من أننا نلتزم بالقواعد". كما تعهدت بمواصلة العمل مع الجهة التنظيمية "بالقدر الذي تكون فيه التغييرات ضرورية".
في حين تتقدم برلين في معركة أوروبا لترويض عمالقة التكنولوجيا، ستستمر بروكسل في لعب دور بارز ومن المحتمل أن يكون أكثر تأثيرا.
سيكون لقانون الأسواق الرقمية آثار هائلة على الطريقة التي تجني بها هذه الشركات مليارات الدولارات. شركة أبل، مثلا، ستكون ملزمة بالسماح لمتاجر التطبيقات المنافسة في نظام التشغيل الخاص بها، وسيتعين على شركتي جوجل وفيسبوك جعل أنظمة المراسلة الخاصة بهما قادرة على التفاعل مع بعضهما بعضا.
تقول مارجريت فيستاجر، نائبة الرئيس التنفيذي للاتحاد الأوروبي والمسؤولة عن السياسة الرقمية، إن القانون سيكون له تأثير تحويلي عميق. قالت عندما دخل قانون الأسواق الرقمية حيز التنفيذ: "يتخذ الاتحاد الأوروبي نهجا نشطا لضمان وجود أسواق رقمية عادلة وشفافة وقابلة للمنافسة. يجب على حراس البوابات الذين يتمتعون بمركز راسخ في الأسواق الرقمية إثبات أنهم يتنافسون بشكل عادل".
يتفق أندرياس شواب، عضو البرلمان الأوروبي الألماني الذي قاد النقاش حول القواعد في البرلمان الأوروبي، حول الإمكانات الهائلة للقانون. يقول إن القانون يمنح بروكسل صلاحيات للعمل بشكل حاسم نيابة عن جميع الدول الأعضاء.
يقول: "سيتمتع المستهلكون بحماية أفضل بكثير لأنه إذا كانت هناك مخالفات، فإن المفوضية الأوروبية ستصلح ما يحدث لشركة في لاتفيا أو لمستهلك في كرواتيا. سيكون التأثير أقوى بكثير من دعوة دولة عضو لوادي السيليكون للمطالبة بالتغيير".
لكن الوتيرة البطيئة التي يدخل بها قانون الأسواق الرقمية حيز التنفيذ تهدد بترك بروكسل في الخلف. حيث سيحدد الاتحاد الأوروبي فقط الشركات التي تقع رسميا ضمن نطاق قواعد التكنولوجيا الخاصة به في وقت لاحق من هذا العام، بعد فترة طويلة من تحول القواعد الألمانية إلى قانون لأول مرة.
في الوقت نفسه، تتأخر المملكة المتحدة والولايات المتحدة أكثر في السباق لكبح جماح شركات التكنولوجيا الكبرى. في أيار (مايو) الماضي، أوقف وزراء المملكة المتحدة خططا لتمكين جهة تنظيم تكنولوجي جديدة، ما يمثل ضربة للحرب ضد منصات الإنترنت الكبيرة التي تقوض المنافسة. في الولايات المتحدة، لا تزال مشاريع القوانين التي تهدف إلى الحد من قوة منصات التكنولوجيا الكبرى متوقفة في الكونجرس وسط مشاحنات سياسية.
مع ذلك، يعتقد البعض أن برلين يمكن أن تتحرك بشكل أسرع. يقول توماس هوبنر، الشريك في مكتب هوسفيلد للمحاماة وأستاذ القانون في جامعة ويلداو التكنولوجية، إن المادة (19/أ) لم تسفر عن نتائج مهمة حتى الآن. "كانت ألمانيا محقة في سعيها لضمان وجود أسواق مفتوحة، لكنها لم تحقق شيئا حتى الآن".
لا يزال متشككا بشأن التغييرات التي يفرضها منظمو مكافحة الاحتكار على شركات التكنولوجيا الكبرى وما إذا كانت ستشهد التغييرات المطلوبة حتى يزدهر المنافسون. يقول: "سيتعين علينا أن نرى ما إذا كان بإمكاننا، على أساس الالتزامات السلوكية، ترويض حراس البوابات الرقمية وتحييد أسلحتهم التنافسية. وإذا لم تحقق هذه الالتزامات هذا الغرض، فستكون الخطوة التالية هي تفكيكها".
ردا على هذا النقد، يقول موندت إن تحقيق النتائج من خلال المحاكم سيستغرق وقتا. "إن هذا يظل قانون منافسة".
تجمع الجهات التنظيمية
ألمانيا ليست البلد الوحيد الذي يشارك في إجراءات مكافحة الاحتكار، ما يشير إلى ظهور "سباق تسلح" تنظيمي بين مختلف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
يقول بينوا كوريه، رئيس هيئة المنافسة الفرنسية، إنه بينما "فات الأوان" لوقف المراكز المهيمنة على المنصات الحالية، فإن الدول الأعضاء في وضع أفضل لمنع السلوك المناهض للمنافسة في القطاعات الأخرى.
يقول إنه يمكن للدول الفردية مثل فرنسا أن تتحرك بسرعة وحزم مع نمو قوة الشركات. "إذا كنت ترغب في القيام بشيء أكثر تحديدا للممارسات الجديدة، فعليك استخدام قانون المنافسة بطريقة مرنة، إما على المستوى الوطني أو الأوروبي".
قال إن قطاعي السيارات والصحة هما مجالان لا يزال بإمكان الجهات التنظيمية التحرك فيهما لتضييق الخناق على المراكز المهيمنة الناشئة، وإن هذه هي الأماكن التي ستكون فيها "حروب النفوذ الجديدة. حيث لا يوجد لاعب مهيمن ناشئ حتى الآن" ويمكن للجهات التنظيمية استخدام القانون لمنعهم من أن يصبحوا أكبر من اللازم".
عندما تبدأ بروكسل في رفع القضايا بموجب قانون الأسواق الرقمية، فإنها ستغير بلا شك طريقة حساب بعض الجهات التنظيمية الوطنية في أوروبا.
قال مارتين سنويب، رئيس هيئة المنافسة الهولندية، في العام الماضي إنه قد لا يكون من المنطقي بالنسبة لهم ملاحظة مجموعات التكنولوجيا الموجودة بالفعل في شبكة الاتحاد الأوروبي. قال: "لست متأكدا من عدد التحقيقات التي سنطلقها بالفعل ولست متأكدا أنها ستكون تخصيصا فعالا للموارد".
بدلا من ذلك، قال إن قانون الاتحاد الأوروبي "سيحفز سلطات المنافسة الوطنية للتركيز على المسائل المتعلقة بقانون الأسواق غير الرقمية - أو ضد الشركات التي لا تعد محتكرة بموجب قانون الأسواق الرقمية لكنها تتمتع بمركز مهيمن".
تقول مجموعات المصالح إن الجهات التنظيمية الوطنية تخاطر بجعل قوانين الصناعة بيروقراطية. يقول دي ستريل من شركة سيري: "من الواضح أن قانون الأسواق الرقمية سيكون الحد الأدنى الذي ستطبقه جميع الدول. كل بلد عضو سيعزز ذلك بالتزامات أخرى ويفرض قوانين مكافحة الاحتكار الخاصة به".
"السؤال هو ما إذا كان ذلك سيضر بالسوق الداخلية ويخنق الابتكار. وإذا لم يكن منظما بشكل جيد، فقد يؤدي ذلك إلى تفكك السوق الداخلية وبالتالي ستوجد صعوبة في التوسع".
مع ذلك، يقول كثير من رواد الأعمال إنهم يرحبون بمزيد من اللوائح التنظيمية إذا أوجدت مجالا متكافئا. ويكمن خوف أندريه من شركة هوم تو جو في عدم ترجمة طموحات برلين وغيرها إلى أفعال.
يقول إنه ينبغي تجهيز الجهات التنظيمية بموارد كافية لإحداث فرق حقيقي. ففي حين أن الهيئة الألمانية للرقابة على المنافسة قد أطلقت عدة تحقيقات جديدة منذ إدخال القانون، إلا أنها لم تنم كثيرا من حيث الموظفين أو الميزانية.
يقول: "إذا لم تقم بإعطاء الجهات التنظيمية الموارد، فلن تكون اللوائح التنظيمية فعالة أبدا كما هي على الورق. لا يمكنها الاستمرار في جميع القضايا في الوقت نفسه".

الأكثر قراءة