فاني تيتي .. طموح ينتشله من الفقر إلى مجلس الإدارة
قبل 15 عاما، وصف كتاب عن أفضل 50 من أبطال التغيير "السود" في جنوب إفريقيا فاني تيتي بأنه "رجل شديد الخصوصية"، و"نجح في البقاء بعيدا عن الأضواء".
منذ ذلك الحين، وجدته الأضواء بالتأكيد. فبصفته الرئيس التنفيذي لبنك إنفستيك، أصبحت قصته الخاصة ملكية عامة وجزءا من العلامة التجارية لشركة الخدمات المالية مثل شعار الحمار الوحشي الذي تجده في كل مكان. كانت رحلته من الفقر في المناطق الريفية في جنوب إفريقيا إلى مجلس إدارة المدينة موضوع كثير من مقاطع الفيديو الخاصة بالشركات، التي يظهر فيها على أنه مثال حي لشعار بنك إنفستيك "خارج عن المألوف".
بصرف النظر عن التسويق البحت، لدى تيتي تفسير بسيط لتحفظه السابق واستعداده الآن للتحدث عن حياته المبكرة ومسيرته المهنية. يقول "إن طفولته في جنوب إفريقيا كانت مشوهة بسبب التمييز والتجرد من الإنسانية"، ويضيف "من تلك الخلفية، سيكون معظم الناس متحفظين وسيكون هناك شعور بعدم الملاءمة. كلما ازددت تعليما، وأصبحت أكثر تعرضا وحققت مزيدا، تخرج من قوقعتك، بشكل طبيعي".
والآن، يرى قصة نجاحه وسيلة لإلهام الشباب من خلفيات متنوعة وفقيرة "لذا أروي قصتي لأنني أعتقد أنها يمكن أن تحدث فرقا كبيرا لكثير من الشباب الذين يجلسون ويشعرون بالشك في قدراتهم".
هناك سبب آخر يجعل قصته معروفة الآن بشكل أفضل، إنها غير عادية. بصفته ابنا لعاملي مزرعة، واحد من الأبناء المتوسطين في عائلة مكونة من 14 فردا، ربما كان يطمح إلى أن يصبح سائق جرار. لكن تيتي انتهز كل فرصة لتغيير مصيره. وبعد أن اغتنم فرصة الالتحاق بالمدرسة الثانوية والجامعة، فاز بمنحة فولبرايت للدراسة في الولايات المتحدة، في بيركلي، قبل أن يعود إلى وطنه كمحاضر في مادة الرياضيات. طموحه إلى مزيد، أظهر شهيته للمخاطر المحسوبة عبر صرف معاشه التقاعدي ومدخراته في أوائل الثلاثينيات من عمره والشروع في ماجستير إدارة الأعمال وبدأ مساره المهني.
رأى تيتي أنها مسألة تخصيص الموارد الشخصية "إذا أردت تغيير الأشياء حقا وإحداث تأثير، فسيتعين علي العمل مع الناس ومن خلال الناس".
مع نهاية الفصل العنصري في التسعينيات، والتركيز الجديد على التمكين الاقتصادي لذوي البشرة السوداء، كان في وضع جيد لبناء مهنة كمستثمر في الأسهم الخاصة في جنوب إفريقيا الجديدة. وقد عكس المسار المعتاد من المدير التنفيذي إلى غير التنفيذي، قادته مسيرته المهنية إلى مجلس إدارة بنك إنفستيك، ثم رئيس مجلس الإدارة المشارك للمجموعة، وفي 2018، إلى المدير التنفيذي المشارك، خلفا للمؤسسين المشاركين ستيفن كوسيف وبرنارد كانتور.
في ذلك الوقت، كان تيتي يفكر في العودة إلى الأسهم الخاصة "حيث سيكون لدي قدر أكبر من السيطرة في بيئة أصغر". لكن عبر قبوله التحدي المتمثل في بنك إنفستيك، رأى فرصة أخرى لإحداث تأثير أكبر على رأس شركة أكثر تعقيدا، مدرجة في دولتين، في جنوب إفريقيا والمملكة المتحدة، ولديها أعمال، في ذلك الوقت، في إدارة الصناديق، والخدمات المصرفية المتخصصة وإدارة الثروات.
يظل بنك إنفستيك أداة صغيرة للتغيير مقارنة بكثير من البنوك متعددة الجنسيات، مع ذلك، كان القرار المبكر الذي اتخذه تيتي وهندريك دو تويت الرئيس التنفيذي المشارك له جعل المنصة أصغر حجما حتى. في 2020، تم تفكيك شركة إدارة الأصول، التي تسمى الآن "ناينتي ون" بعد عام من تأسيسها.
إن رأسمال بنك إنفستيك في جنوب إفريقيا البالغ 3.28 مليار دولار يجعله خامس أكبر بنك في جنوب إفريقيا، وفقا لتصنيف مجلة "ذي بانكر" الأخير، على الرغم من أنه أفضل أداء للبنك بمقاييس أخرى مثل الكفاءة. إن بنكه البريطاني هو عاشر أكبر بنك في بريطانيا، برأسمال من الدرجة الأولى بقيمة 2.94 مليار دولار، لكن المجموعة تشير إلى أنها مديرة ثروة كبيرة نسبيا في كلتا الدولتين.
كرئيس تنفيذي، واجه تيتي ثقافة وهيكلية تتطلب تدخلات مؤلمة. كان كوسيف قد واصل إدارة الشركة "في وضع المؤسس" كرئيس تنفيذي، كما يقول تيتي، مع كانتور كمدير عام. على الرغم من كل مواهبه، كان كوسيف "في وضع سيئ ولم يقم ببعض أعمال القيادة، أي إعداد الأشخاص، ومنحهم مجالا للتطور، والتأكد حرفيا من قدرة المؤسسة على العمل بدونك بشكل يومي".
على النقيض من ذلك، يرى تيتي، وهو الرئيس التنفيذي الوحيد الآن لمجموعة إنفستيك، أن أولويته هي "قيادة الناس، والتأثير في الناس، وإلهام الناس، بدلا من الانخراط في التفاصيل الجوهرية". الثقافة الآن هي ثقافة يحاول فيها "خرط" زملائه في استراتيجية مشتركة. يقول "إن التحول من نموذج شديد المركزية إلى قيادة أكثر توزيعا واستراتيجية أكثر وضوحا يعني أن بنك إنفستيك كان في وضع أفضل للصمود في وجه جائحة فيروس كورونا 2020".
مع ذلك، تطلبت إعادة هيكلة البنك بعض القرارات الصعبة. فمنذ 2018، إضافة إلى فصل "ناينتي ون"، أغلق بنك إنفيستك خدمة "المستشار الآلي" في المملكة المتحدة، كليك آند إنفست، وأوقف عمليته الأسترالية، وسرح نحو 200 شخص، أو نحو 12 في المائة، من موظفي بنك لندن. يقول تيتي "إن جميع القرارات تم إبلاغها بصراحة، وشفافية وصدق"، لكن قيود كوفيد تعني أنه كان عليه نقل الأخبار إلى فريق أستراليا عبر مكالمة فيديو في الساعة 2:30 صباحا من جنوب إفريقيا، بدلا من زيارة سيدني شخصيا. هذا القرار "ربما كان الأصعب لأننا لم نتمكن من الجلوس وجها لوجه مع الناس لنقول هذه هي الأسباب التي دفعتنا إلى القيام بذلك. نعتقد أن هذا من مصلحة الشركة عموما".
لكن تيتي يخشى أن تكون إعادة الهيكلة قد أثرت بعمق في ثقافة الثقة التي يعتقد أنها تدعم الشركة، "لقد تصرف بنك إنفستيك دائما كعائلة، لذلك لم يكن التخفيض الشامل شيئا نؤيده أبدا (...) كانت تلك قرارات صعبة وأفسدت أيضا هذا العقد الذي أبرمناه مع موظفينا بأننا مؤسسة تهتم بموظفيها وترعاهم".
مهما كانت أسباب التخفيض الشامل مبررة، ومهما كان تنفيذها إنسانيا، يقول تيتي "إن أي شخص لا يقلق بشأن تأثير قراراته قد يكون خطيرا من حيث تأثيره في الآخرين وفي المجتمع".
لكن تيتي يقول "إن المجموعة لا تزال تعمل لمحاولة استعادة الثقة داخليا، لأنك إذا لجأت إلى التخفيض كما فعلنا، فسيتساءل الناس عما إذا كان لدينا الالتزام الذي نعلنه تجاههم".
أخبر تيتي زملاءه بأنه في الأعوام الثلاثة إلى الخمسة المقبلة سيكون هناك انتقال قيادة آخر في المجموعة. إنه ليس شيئا يتعلق بالعمر. حتى لو كان هناك سقف إلى حد ما على فترة ولايته، فسيكون من الصعب التأكد من موعد وصول تيتي إليه. بسبب عدم وجود شهادة ميلاد خاصة به، اخترع يوم ميلاد - 25 حزيران (يونيو) 1962 - عن طريق تربيع رقمه المفضل، خمسة، وتربيعه مرة أخرى.
من بين مبادئه المتفائلة الكثيرة أن أنجح أيامه يكمن في المستقبل. فهل يسعى إلى منبر أكبر للتغيير، في السياسة، مثلا، حيث سيريل رامافوزا، جهة اتصاله التجارية القديمة، رئيس دولة جنوب إفريقيا؟
لا يتلطف تيتي في انتقاده للرئيس "تمنحك الرئاسة كثيرا من الموارد التي يمكنك استخدامها لإحداث فرق جوهري"، على حد قوله. "لكنها أيضا تتطلب مستوى من اتخاذ القرارات الجريئة (...) حيث من وقت إلى آخر يمكنك أن تصنع أعداء لنفسك. لا أعتقد أن لديه الشجاعة لاتخاذ القرارات الصعبة التي من شأنها أن تسمح للدولة بالمضي قدما".
بدلا من السياسة، يرى تيتي نفسه في المستقبل يساعد على الترويج لنماذج جديدة للتمويل والتنمية للتعليم، التي كانت مفتاح كل نجاحه اللاحق.
"المأساة في دولة مثل جنوب إفريقيا هي أنك إذا لم تبدأ التعليم مبكرا، فبحلول الوقت الذي تقوم فيه بالتدخل، يكون قد فات الأوان حرفيا".
شهد تيتي تلك المأساة بنفسه. إذ إنه الوحيد من عائلته الذي نهض في التعليم والأعمال. لكنه لعب دورا قياديا داخل الأسرة، حيث دفع فرص الحياة التي تلقاها من خلال ضمان تعليم أبناء إخوته وأخواته، فضلا عن توفير تعليم جيد لابنته.
إن نظام التعليم في جنوب إفريقيا "يواصل تحقيق نتائج تؤثر سلبا بشكل كبير في فرص الشخص العادي في أن يعيش حياة معقولة ولائقة"، حسب قوله. "فيما يتعلق بإخوتي، فقد فات الأوان ببساطة، لكن فيما يتعلق بأطفالهم، وأبناء إخوتي وبنات إخوتي، فقد حظوا بحياة كريمة".
3 أسئلة لفاني تيتي
من بطلك في الريادة؟
من الطبيعي أن تكون الإجابة نيلسون مانديلا. لقد كان رجلا ذا قناعة راسخة وواضحة، وكان لديه شجاعة والتزام ملحوظ لمتابعته. كما كان يدرك جيدا أن المستقبل أهم بكثير من الماضي. وكان يركز على الإمكانات التي يوفرها المستقبل، بينما كان من الممكن أن يكون منشغلا بالماضي.
ما أول درس تعلمته في القيادة؟
التعلم من الأخطاء التي ترتكبها. إذا كان هناك خبر سيئ، فتعامل معه قبل أن يتضخم حجم المشكلة. من الأفضل أن تواجه مشكلة صغيرة في البداية من أن تواجه مشكلة أكبر لاحقا.
ما الذي كنت ستقوم به لو لم تكن تدير بنك "إنفستيك"؟
سأكون في شركتي للأسهم الخاصة وسأعمل مع فرق إدارة وأدعمهم لتحقيق أهدافهم. سيكون التحدي المتمثل في العمل مع أشخاص يتمتعون بالذكاء، والطموح ويكونون في وضع يسمح لهم بدعم نموهم وتحقيق أهدافهم.