أدباء «يفلسفون» الزمن .. ويقصونه خارج وعي الرواية

أدباء «يفلسفون» الزمن .. ويقصونه خارج وعي الرواية
أدباء «يفلسفون» الزمن .. ويقصونه خارج وعي الرواية
أدباء «يفلسفون» الزمن .. ويقصونه خارج وعي الرواية
أدباء «يفلسفون» الزمن .. ويقصونه خارج وعي الرواية

الرواية دمرت الزمن، وهدمت مسلماته، حتى أقصاه أدباء من أعمالهم ولو جزئيا، واستعاروا في أحيان كثيرة أزمنة خاصة في عالم فانتازي، وتارة فككوا الزمن، منتقلين بالقارئ بين الماضي والحاضر والمستقبل، في علاقة متداخلة امتازت بها روايات الحداثة.
الزمن كان مفهوما محيرا حتى لمعجم لسان العرب، الذي عرف الزمن بـ"اسم لقليل الوقت وكثيره"، وكان في السرديات معنى شائك وغامض في آن واحد، روائيون كثر اشتغلوا في تحليل مفهومه وأنواعه وقيمه، ودوره في تقنية الرواية وتشكيلها، ومنهم عادل الدوسري الروائي السعودي الذي تناول المفهوم المحير للزمن وإقصائه خارج الوعي الروائي، في اللقاء الأدبي الذي أقيم قبل أيام في صالون نادي الكتاب.
الزمن غير موجود
يقول الدوسري، إن سؤالا راوده تحول فيما بعد إلى إشكال جوهري في روايته "موت طارئ"، كان هذا السؤال: ما الزمن؟ وماذا عن حتمية وجوده؟ وهل هو زمن واحد، أم هو أزمان متعددة؟ مستدركا بأن الزمن من وجهة نظر روائية فلسفية محضة غير موجود، بل إنه مجرد فكرة أو مفهوم، وفقا لآراء ونظريات، فهو من اختراع الإنسان، لكي يبدد ذلك الامتداد الطويل إلى المجهول، ويترك أثره.
ولا يسلم الروائي بهذه الفكرة، ويرى أنه إذا كان من شروط الزمن وجود البداية والنهاية، فكيف تتجاهل الحياة والممات؟ بمعنى أن هذا خط واضح يبدأ منذ الولادة وينتهي عند الممات، وهو ما يمكن تسميته بالزمن، لكن هذا الرأي على وجاهة حجته، إلا أنه سيلزمنا أن نحدد أي بداية بدأ معها الزمن وعند أي نهاية سينتهي، فهناك الولادة والموت، وهناك الوجود والعدم، وهناك وجود يسبق هذا الوجود، ثم إن كل ولادة وكل موت، إنما هي خصوصية محضة للكائن، بينما الزمن من العموميات التي لا يمكن أن تقاس على الخصوصيات.
زمن مواز
تحاول رواية "موت طارئ" أن تهرب من الوقت وتطرده خارج وعي الروائي، غير أنه سقط في فخه، لأن اللاوعي أشد ضراوة وأكثر رسوخا مما نؤمن به، مستدعيا حالة أخرى من إقصاء الزمن خارج الوعي الروائي، للروائي الياباني هاروكي موراكامي، من خلال روايته 1Q84، ومنذ العنوان أقصى هاروكي الزمن إلى حيث وعي فانتازي مختلف.
في الرواية اليابانية، حاول الكاتب اختراع زمن مواز لما يسمى بالزمن، واختلق زمنه الخاص الذي وعاه بنفسه، واستحدثه في روايته، وهي عادته الأصيلة في أغلب رواياته، حيث يمزج الخيالات بالوقائع في شكل فانتازي مميز، ويخلق نوعا من واقع فوق الواقع، أو تحته إن شئنا.
الروائي عادل الدوسري في منظوره يرى أن سابقه الياباني من خلال هذه الفكرة المجنونة، يحيلنا إلى فكرة أن الزمن قائم على كيفية تأسيس ديمومات الوجود، وهذا إذا ما تعاملنا معه على أنه معطى، كما يقول الفيلسوف جاستون باشلار، الذي يرتبط الزمن عنده بالتواصل والاتصال بين الحاضر والماضي والمستقبل، ولا يعيش الإنسان لحظات فراغ في الحاضر ولا الماضي، لأن ماضيه مملوء بالنفسانيات وحاضره حاضر بالتعب.
محاكاة للزمن
هل يمكن القول إن الرواية واقعية إذا ما ارتبطت بزمن واقعي، أو تاريخي فعلا؟ وإذا كانت كذلك، فماذا يمكن أن نسمي ذلك الارتباط المباشر بين رواية هاروكي والواقع رغم أن الزمن فيها هو مجرد فكرة؟ هل الزمن هو الواقع؟
يكشف الدوسري، صاحب روايات "شرنقة" و"جوزة البلوط" و"الظل والأغلال" و"جلباب العابد"، أن هاروكي رغم إقصائه الزمن إلا أنه وعاه بالفعل، من خلال ما نجده في رواياته بشكل عام من تساؤلات حول مآزق الإنسان الوجودية، والذات والهوية، وما تواجه البشرية من إشكالات وحروب وعولمة، تجعله يصر على أن يروي وقائع التاريخ، والتاريخ هنا "قصة زمنية مدمجة في زمن مبتكر" بطريقته الغرائبية، ونجد هاروكي وهو يقصي الزمن، إنما يفعل ذلك ليستعيره على طريقته، ويجسده من خلال تلك الأزمات التي تجعل نصه ينشطر إلى وقائع تتمثل في غرابة أطوار الشخصيات، أو في ملابسات الأحداث، أو من خلال التحليق في سرد سريالي يبدو كنوع من المحاكاة لزمن موجود وغير موجود.
تركيبة معقدة
بعيدا عن روايتي "موت طارئ" و"1Q84"، أدباء كثر عمدوا في رواياتهم إلى استبعاده، وآخرون فجروه إلى شظايا، فتجد في الرواية أمكنة متعددة وأزمنة متباعدة.
الرواية بسردها التقليدي ركزت على الزمن كونه الشخصية الرئيسة في الرواية، أما في الرواية الجديدة، فيمكن القول إن الزمان يوجد مقطوعا عن زمنيته، إنه لا يجري، لأن الفضاء هنا يحطم الزمن، والزمن ينسف الفضاء واللحظي ينكر الاستمرار، سيرا على ما يراه سعيد يقطين في كتابه "تحليل الخطاب الروائي".
ولا تزال علاقة الزمن بالسرد الروائي تركيبة معقدة، تخضع لأخذ ورد، ولا يمكن تصور الرواية دونه، بحسب الناقد آلان روب، الذي كتب ذات مرة عنه "إنه الشخصية الرئيسة في الرواية المعاصرة"، ليختم الروائي عادل الدوسري بأن الرواية تبحث في المسعى الوجودي الإنساني، والزمن هو أحد الإشكالات الفلسفية والمفاهيم الجدلية منذ الأزل، ولأن الرواية تستطيع أن تقول بعض الخلاصات، وتجسد ما يسعى الفلاسفة إلى النظر إليه بتجريد "الزمن ثابت ونحن متحركون".

الأكثر قراءة