علماء المناخ يتقصون أسباب الأحوال الجوية القاسية .. والإجابة لا تزال مبهمة
يجاهد العلماء لفهم آثار تغير المناخ في التيار النفاث المتموج الذي أثار درجات حرارة دافئة قياسية في أوروبا وأمطارا غزيرة وثلوجا غرب الولايات المتحدة، حيث وسمت الأحوال الجوية المتطرفة على مستوى العالم بداية 2023.
قال العلماء إن تيار الهواء سريع الحركة هو السبب وراء كثير من الظواهر الجوية المتطرفة التي شهدها نصف الكرة الشمالي الأسابيع الأخيرة.
في أمريكا الشمالية، درجات الحرارة المتجمدة في أواخر كانون الأول (ديسمبر) من "الإعصار المتفجر" - عاصفة ثلجية متفجرة ناجمة عن كتلة هوائية باردة تلتقي بكتلة هوائية دافئة - تبعتها "أنهار جوية"، أو تيارات هوائية تحمل رطوبة من المحيط، ضربت الولايات الغربية للولايات الأمريكية.
استمرت حالات الطقس الشاذة في نهاية الأسبوع، إذ حذرت هيئة الأرصاد الجوية الوطنية الأمريكية من "سيل متواصل من الأعاصير" من المحيط الهادئ سيجلب مزيدا من الأمطار الغزيرة والثلوج الجبلية إلى الساحل الغربي، مع تركزها بصورة رئيسة عبر شمال كاليفورنيا.
في أوروبا، سجلت ثماني دول على الأقل درجات حرارة قياسية جديدة لكانون الثاني (يناير) حتى الآن بما فيها بولندا ولاتفيا والدنمارك.
قال بول ويليامز، أستاذ علوم الغلاف الجوي في جامعة ريدينج، "ليس من قبيل المصادفة أن أمريكا الشمالية شهدت موجة برد وأوروبا موجة حر. لا يزال التيار النفاث متموجا إلى حد ما اليوم، مع موجة كبيرة فوق الولايات المتحدة وقليل من التذبذب فوق أوروبا".
قالت جينيفر فرانسيس، عالمة الغلاف الجوي في مركز وودويل لأبحاث المناخ، "التيار النفاث يسبب كل حالات الطقس التي نشهدها. لا يمكنك الفصل بينهما".
تيارات الهواء سريعة الحركة التي تهب من الغرب إلى الشرق تفصل الهواء البارد من المناطق القطبية عن الهواء الأكثر دفئا من المناطق المدارية، وعادة ما تحدث في خطوط العرض الوسطى. مع ذلك، يمكن للتيار النفاث أن يؤلف موجات كبيرة، تدفع الهواء البارد جنوبا والهواء الأكثر دفئا شمالا.
يمكن أن تظل هذه الموجات في مكانها لأسابيع في كل مرة، مسببة طقسا أكثر تطرفا وغير طبيعي من النوع الذي شهدته أمريكا الشمالية وأوروبا.
في نصف الكرة الجنوبي، يتزامن هذا الطقس مع ظاهرة النينيا "التذبذب الجنوبي" التي تحدث أيضا الفوضى. كانت ظاهرة الطقس هذه التي تتضمن حمل الهواء عبر المحيط الهادئ، والمتكررة بصورة غير طبيعية لثلاثة أعوام، السبب وراء الفيضانات في أستراليا والجفاف في القرن الإفريقي وأمريكا الجنوبية.
قال مكتب الأرصاد الجوية الأسترالي هذا الأسبوع إنه في حين رأى بعض علامات الضعف في ظروف النينيا، نتيجة للتغيرات في تذبذب غرب المحيط الهادئ، فإن تغير المناخ "مستمر في التأثير في المناخات الأسترالية والعالمية".
أفاد مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة هذا الأسبوع بأن متوسط درجة الحرارة السنوية في الدولة في 2022 كان 10.03 درجة مئوية، أعلى مستوى في السجلات يعود إلى 1884. هذا جعل متوسط هذا العام أعلى 0.89 درجة مئوية من متوسط الفترة 1991-2020، وأعلى 0.15 درجة مئوية من الرقم القياسي السابق البالغ 9.88 درجة مئوية المسجل في 2014.
تشير التقديرات إلى أن درجات الحرارة العالمية ارتفعت ما لا يقل عن 1.1 درجة مئوية منذ عصور ما قبل الصناعة.
في منتصف 2022، التيار النفاث تشكل في خمس موجات كبيرة وأدى إلى موجات حر متزامنة حول العالم. يعرف هذا النمط باسم نمط الموجات الخمسة.
في حين أوضح العلماء أن تغير المناخ سيجعل الظواهر الجوية المتطرفة أكثر شيوعا وشدة، فإن تأثيرات ارتفاع درجة حرارة الكوكب في التيار النفاث أقل وضوحا، ويعد مجالا نشطا للبحث.
تفيد إحدى النظريات بأن ارتفاع درجة الحرارة في القطب الشمالي يقلل من فرق درجة الحرارة بين الهواء الساخن والبارد الذي يفصل بينهما التيار النفاث، ما يؤدي إلى إبطاء التيار وجعله أكثر تموجا. لكن هذا لا يتفق مع إجماع العلماء.
قال ديم كومو، عالم المناخ في جامعة فريجي أمستردام، "كيفية تغير الموجات في التيار النفاث بسبب تغير المناخ بالضبط - لا يزال أمر يحيطه كثير من عدم اليقين".
حتى دون تغير المناخ، كان من الممكن أن تحدث معظم ظواهر طقس متطرفة خلال الأسابيع القليلة الماضية نتيجة للتيار النفاث المتموج، وفقا للعلماء.
قال كومو إن الموجات الكبيرة في التيار النفاث "لطالما حدثت"، على الرغم من أنه حاليا "هناك نمط موجي واضح للغاية". قال إنه "من المبكر بلا شك القول إنه خارج إطار السلوك الطبيعي لتغير التيار النفاث".
الأسبوع الماضي، قال علماء في وكالة ناسا إن الظواهر الجوية المتطرفة الأخيرة مرتبطة بالتغيرات في سلوك الدوامة القطبية في القطب الشمالي، مجموعة من تيارات الرياح القوية فوق التيار النفاث.
قالوا إن الدوامة "تمددت" من تشكيلها المعتاد الأكثر دائرية، ما أسهم في الأغلب في أن التيار النفاث أصبح أكثر تموجا.
قال آدم سكيف، رئيس قسم التنبؤات الشهرية إلى العقدية في مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة، إن درجات الحرارة الدافئة في أوروبا والمملكة المتحدة يرجح أنها نتيجة لسلوك التيار النفاث إلى جانب آثار تغير المناخ.
قال، "المسألة ليست أن الموجات لم تحدث مسبقا، بل إننا نشهد حاليا دفئا إضافيا. النمط المتموج نفسه قبل 100 عام كان سيؤدي إلى درجات حرارة أقل بكثير".