المملكة المتحدة تتجه نحو أطول ركود في مجموعة السبع
يقول الاقتصاديون "إن المملكة المتحدة ستواجه واحدة من أسوأ فترات الركود وأضعف حالات التعافي في مجموعة السبع في هذا العام"، حيث تدفع الأسر ثمنا باهظا لإخفاقات سياسة الحكومة.
قالت أغلبية واضحة من 101 مشارك في الاستطلاع السنوي الذي أجرته "فاينانشيال تايمز" على كبار الاقتصاديين في المملكة المتحدة، "إن الصدمة التضخمية الناجمة عن جائحة فيروس كورونا وحرب أوكرانيا ستستمر لفترة أطول في المملكة المتحدة من أي مكان آخر"، ما أجبر بنك إنجلترا على الاستمرار في إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة والحكومة على إدارة سياسة مالية صارمة.
توقع أكثر من أربعة أخماس المشاركين أن تتخلف المملكة المتحدة عن قريناتها، مع تقلص الناتج المحلي الإجمالي أصلا، ومن المقرر أن يكون ذلك طوال 2023 أو معظمه.
من المتوقع أن تكون النتيجة ضغطا متزايدا على مداخيل الأسر، حيث تزيد تكاليف الاقتراض المرتفعة نتيجة للألم الناجم بالفعل عن ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة.
قال جون فيلبوت، خبير اقتصادي مستقل مختص في أسواق العمل "سنشعر بالركود في 2023 بشكل أسوأ بكثير من الأثر الاقتصادي للجائحة". ووصف آخرون النظرة المستقبلية للمستهلكين - خاصة أولئك الذين لديهم دخل منخفض أو اتفاقيات الرهن العقاري التي كان من المقرر أن تنتهي مدتها - بأنها صعبة وقاتمة ومظلمة وبائسة وفظيعة.
قال كالوم بيكرينج، كبير الاقتصاديين في بنك بيرينبيرج "إن مزيج الأجور الحقيقية المتراجعة، والظروف المالية الصعبة، وتصحيح سوق الإسكان، كلها عوامل سيئة للغاية".
إن المملكة المتحدة ليست وحدها في مواجهة هذه التحديات، فقد حذرت كريستالينا جورجييفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، في عطلة نهاية الأسبوع، من أن ثلث الاقتصاد العالمي ونصف الاتحاد الأوروبي سيتضرران من الركود هذا العام.
قال معظم الاقتصاديين "إن الاقتصاد سيعود على الأقل إلى النمو بحلول نهاية العام مع انحسار التضخم"، حيث أكد بول ديلز، في شركة كابيتال إيكونوميكس الاستشارية "سيكون عام 2024 أفضل بكثير من 2023".
لكن يبدو أن الانكماش في بريطانيا سيكون أعمق وأطول أمدا. حيث تظهر التوقعات التي جمعتها شركة كونسينسوس إيكونومكس أن الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة سيتقلص 1 في المائة في 2023، مقارنة بانكماش 0.1 في المائة فقط لمنطقة اليورو عموما ونمو 0.25 في المائة في الولايات المتحدة.
إن المملكة المتحدة منكشفة على نحو غير عادي بالنسبة إلى الارتفاع العالمي في أسعار الطاقة وأسعار الفائدة، مع الاعتماد على الغاز الذي لا تقابله سعة التخزين، ونسبة عالية من أصحاب الرهن العقاري الملزمين بتجديد الاتفاقيات ذات السعر الثابت في أي عام معين.
كما أن المملكة المتحدة في وضع غير معتاد فيما يتعلق بمدى تقلص قوتها العاملة منذ الجائحة. فقد قال تشارلي بين، كبير الاقتصاديين السابق في بنك إنجلترا، "إن التضخم المرتفع من المرجح أن يكون أكثر استمرارية في المملكة المتحدة منه في أي مكان آخر، لأن سوق العمل فيها كانت ضيقة بشكل غير مستدام حتى عند عدم أخذ صدمة أوكرانيا في الحسبان". قالت آنا ليتش، نائبة كبير الاقتصاديين في مركز الترويج للاستيراد الحكومي، "إن هذا سيستمر في كبح نمو الشركات، وسيؤدي إلى الاضطرابات الصناعية ويدفع التضخم المتولد محليا".
"إن المملكة المتحدة تعاني صدمة طاقة كما في أوروبا، أزمة تضخم (...) بسوء أزمة الولايات المتحدة، ومشكلة فريدة تتمثل في نقص المعروض من العمالة جراء مزيج من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأزمة خدمة الصحة الوطنية". كما قال ريكاردو ريس، وهو أستاذ في كلية لندن للاقتصاد.
لكن حتى بعد أن كان هناك انتعاش، قال معظمهم "إن بريطانيا ستستمر في التأخر بسبب المشكلات الأساسية التي زادتها أخطاء السياسة سوءا، ضعف الإنتاجية، وضعف الاستثمار في الأعمال، وإهمال الحكومات الخدمات العامة، والأضرار التي لحقت بالتجارة بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
قالت ديان كويل، الأستاذة في جامعة كامبريدج، التي رأت ضعف احتمالات تحسن مستويات المعيشة "إن المملكة المتحدة في فجوة هيكلية، وليست في انخفاض دوري". "ما لم تعد بعض العقلانية إلى علاقتنا التجارية مع الاتحاد الأروبي، وتكون لدينا حكومة تتمتع باستراتيجية اقتصادية طويلة الأمد يمكنها تمريرها عبر البرلمان".
رأى كثيرون أوجه تشابه مع الزلات السياسية والصراع الصناعي في سبعينيات القرن الماضي، وقالوا "إنه عندما يبدأ الانتعاش، سيكون ضعيفا"، ويتكشف "في الظل طويل الأمد الذي يلقي بنفسه على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي" وفي غياب أي خطة لتعزيز النمو على المدى الطويل.
قال أكثر من ربع المشاركين في الاستطلاع "إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون عبئا مستمرا على النمو"، فقد وصف جوناثان بورتس، أستاذ الاقتصاد والسياسة العامة في كينجز كوليدج في لندن، الأمر بأنه "ثقب بطيء بالنسبة إلى اقتصاد المملكة المتحدة". وقال عديد من هؤلاء المشاركين "إن آثاره المدمرة ستتضح بشكل متزايد للناخبين".
قال جون لويلين، الشريك في المجموعة الاستشارية إنديبندنت ايكونومي "عندما يزورون الاتحاد الأوروبي في عطلة، فسيفاجأون بمدى عدم قدرتهم على تحمل تكاليف الأشياء التي كانوا قادرين عليها من قبل".
قالت أقلية كبيرة "إن المملكة المتحدة تعاني عدم كفاءة الوزراء المطلق".
قال بانيكوس ديميترياديس، المحافظ السابق للبنك المركزي القبرصي "في الوقت الحالي، يعاني الاقتصاد مشكلات أعمق بكثير مما يجب أن يكون عليه لو تمت إدارته بكفاءة"، واصفا المملكة المتحدة بـ"الرجل المريض" في مجموعة السبع.
أشار ستيفن كينج، كبير المستشارين الاقتصاديين في بنك إتش إس بي سي، إلى "الحاجة المؤلمة لاستعادة المصداقية المالية في ضوء فشل تراس وكوارتنج الذريع". قال راي باريل، الأستاذ الفخري في علم الاقتصاد في جامعة برونيل، "إن تشجيع إضرابات القطاع العام بدا كأنه آخر محاولة للحصول على أصوات الطبقة الوسطى من قبل حكومة فاشلة".
لكن بينما اتفق الاقتصاديون على الآفاق القاتمة للمملكة المتحدة، لم يكن هناك إجماع على ما ينبغي لصانعي السياسة فعله حيال ذلك على المدى القصير.
إذ حذر بنك إنجلترا من أن أسعار الفائدة قد ترتفع على الأرجح مرة أخرى في 2023 لإعادة التضخم إلى هدف 2 في المائة، لكن إلى أي مدى، أو إلى متى، أمر أقل وضوحا.
قال جاجيت تشادا، مدير المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية، "إنه مع توقع انخفاض التضخم بسرعة بدءا من منتصف 2023، ينبغي أن تكون الزيادة التدريجية كافية لتحقيق هدف التضخم في 2024، مع عدم الحاجة إلى القفز في خطوات سريعة لأعلى بكثير من 4 في المائة".
يخشى بعض أن يذهب البنك المركزي إلى أبعد من ذلك. حيث قالت كيتي أوشر، كبيرة الاقتصاديين في معهد دايركتورز، "إنه نظرا إلى أن أسعار الفائدة المرتفعة استغرقت وقتا حتى سرى مفعولها، فإن الناس لن يصدقوا تماما أن التضخم سينخفض حتى منتصف عام 2023. هذا قد يجعل بنك إنجلترا يشعر بأنه تحت ضغط لاتخاذ الإجراءات بشكل مستمر، مع المخاطرة (...) بركود قاس لا داعي له".
حذر آخرون بأنه حتى لو انخفض التضخم الكلي بسرعة، فسيكون الوصول إلى هدف 2 في المائة بطيئا. قالت جيسيكا هيندز، الخبيرة الاقتصادية في وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني "سيحتاج البنك إلى أن يكون صارما في كبح التضخم الأساسي".
كانت الرسالة الواضحة من عديد من واضعي أسعار الفائدة السابقين في بنك إنجلترا - ومنهم تشارلي بين وكيت باركر ومايكل سوندرز وديان جوليوس العضو المؤسسة للجنة السياسة النقدية - إنه مهما ارتفعت أسعار الفائدة، فمن غير المرجح أن تنخفض بسرعة. قال باركر "من المهم عكس التحول التصاعدي الأخير في توقعات التضخم".
مع اقتراب موعد الانتخابات، لن تميل الحكومة إلى رفع الضرائب مرة أخرى بعد التماسك المالي الهائل الذي أعلن عنه في تشرين الأول (أكتوبر).
شعر بعض المشاركين بأن هذا جعل من حدوث تغييرات ضريبية كبيرة في 2023 أمرا غير مرجح، بحجة أن المستشار جيريمي هانت قد فعل ما يكفي لتهدئة الأسواق. قالت فيكي برايس، كبيرة المستشارين الاقتصاديين في مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال "إن قواعدها المالية ليست مقيدة بأي حال من الأحوال"، في حين وصفتها يائيل سيلفين، كبيرة الاقتصاديين في "كيه بي إم جي"، بأنها "تؤدي إلى نتائج عكسية عند زيادة العبء الضريبي أثناء الركود".
لكن آخرين قالوا "إن خفض التصنيف الائتماني إلى حد ضئيل لتوقعات مكتب مسؤولية الميزانية المتفائلة نسبيا، وهي هيئة الرقابة المالية، قد يجبر وزير المالية على إعادة النظر، حيث سيؤدي ذلك إلى محو هامش الارتفاع ضمن الهدف المتمثل في وضع الديون على مسار الهبوط كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي".
يقول الاقتصاديون "إن السؤال الأهم هو إذا ما كان بإمكان الحكومة الصمود أمام الضغط المتزايد بشأن زيادة أجور القطاع العام، بالنظر إلى سلسلة الإضرابات، ودعم الخدمات العامة المنهارة"؟
قال مارتن إليسون، أستاذ الاقتصاد في جامعة أكسفورد "من المحتمل أن تستسلم الحكومة في النهاية للمطالب المتعلقة برواتب القطاع العام، في هذه الحالة ستكون الزيادات الضريبية حتمية".
لكن على الرغم من الكآبة البالغة بشأن التوقعات طويلة المدى للمملكة المتحدة، فقد وجد بعض المشاركين بعض الجوانب الإيجابية. حيث أشارت سيلفيا أرداجنا، الخبيرة الاقتصادية في بنك باركليز، إلى أنه من المرجح أن تبقى البطالة منخفضة على الرغم من الركود، مع قيام أرباب العمل بالاحتفاظ بالعاملين لديهم بعد الكفاح الذي بذلوه أخيرا في توظيفهم.
كان برونوين كورتيس، المدير غير التنفيذي في شركة أوه بي آر، متفائلا "بأن بدائل الغاز الروسي ستزداد بوتيرة أسرع"، في حين إن الضغوط المالية قد تدفع الخارجين من سوق العمل إلى العودة إليها.
في هذه الأثناء، رأت سوزانا ستريتر، المحللة في شركة هارجريفز لانسداون "بوادر أولية على تعاون أكبر مع أوروبا"، بينما قالت أوشر "إنه بدءا من الربيع فصاعدا، سيكون هناك حافز شعوري، مع إطفاء المدافئ وزيادة الامتيازات تماشيا مع التضخم".
لكن على الرغم من بصيص الأمل، يتوقع بعض من المملكة المتحدة أن تضع أسسا للنمو طويل الأجل العام المقبل، حيث قال إيان بلندرليث، وهو محدِد سابق لأسعار الفائدة في لجنة السياسة النقدية، "إن الانتعاش لن يبدو مثل نمو البراعم الخضراء، بل سيشبه تعافي الاقتصاد نوعا ما".
توقع ريتشارد ديفيز، مدير المرصد الاقتصادي والمستشار السابق لوزارة الخزانة، أنه حتى بمجرد انحسار التضخم، ستظل الأسعار مرتفعة وستتعرض الأسر لضغط شديد، وأضاف "إن جذور الازدهار الحقيقية تأتي من زيادة الإنتاجية باستمرار. لكني أقل تفاؤلا بشأن ذلك".