الكيانات غير المصرفية نصب أعين صانعي السياسات في 2023

الكيانات غير المصرفية نصب أعين صانعي السياسات في 2023

من المتوقع أن تشدد الجهات التنظيمية العالمية تدقيقها على صناديق التحوط وغرف المقاصة وأصول المعاشات التقاعدية هذا العام، بعد أن حولت سلسلة من الأزمات تركيز هيئات الرقابة نحو المخاطر خارج النظام المصرفي.
تم تسليط الضوء على المجموعة المتباينة، التي عرفتها الجهات التنظيمية، في تعريف غير دقيق بأنها "مؤسسات مالية غير مصرفية"، بعد سلسلة من الاضطرابات في السوق على مدار العامين الماضيين.
"الأمر مختلف الآن"، حسبما قال أندرو بيلي، محافظ بنك إنجلترا، للصحافيين في منتصف كانون الأول (ديسمبر)، أثناء حديثه عن الحاجة "الماسة" إلى تحويل دراسات وتوصيات صانعي السياسة العالمية طويلة الأمد بشأن المؤسسات المالية غير المصرفية إلى إجراءات عالمية سريعة.
زرعت البذور الأولى لإدراك الجهات التنظيمية في المؤسسات المالية غير المصرفية في آذار (مارس) 2020، عندما انجرفت صناديق التحوط إلى الاندفاع نحو السيولة من الأسواق المذعورة من فيروس كورونا. بعد ذلك بعامين، اضطرت بورصة لندن للمعادن إلى إغلاق سوق النيكل مؤقتا، لأن الضغط هدد غرفة المقاصة فيها.
قبل نهاية 2022، أنقذت الحكومات الأوروبية شركات الطاقة التي تعرضت لارتفاع أسعار الطاقة، واضطر بنك إنجلترا إلى التدخل لوقف انهيار في أسواق السندات الحكومية في المملكة المتحدة، نجم عن أخطار لم تقدر جيدا في استراتيجيات استثمار غامضة تديرها صناديق التقاعد التي امتدت عملياتها إلى المملكة المتحدة وأيرلندا ولوكسمبورج.
سلطت الأزمات مجتمعة الضوء على المخاطر التي انتقلت إلى حد كبير، بوتيرة أسرع من إمكانية حلها، إلى أماكن أخرى من النظام المالي، بعد أن شددت هيئات الرقابة القيود التنظيمية على البنوك في أعقاب انهيار "ليمان براذرز" في 2008.
قالت آنا أرسوف، الرئيسة المشاركة للخدمات المصرفية العالمية في وكالة "موديز"، "من المهم أن تفكر الجهات التنظيمية العالمية، بعد 15 عاما أو نحوها، هل هذا ما أردنا تحقيقه؟"، مرددة رسالة بيلي عن الحاجة إلى عمل عالمي منسق، لأن كليهما يجادلان بأن القطاع عالمي جدا، بحيث لا يمكن ترويضه إلا من خلال الإجراءات العالمية.
إن تنظيم المؤسسات المالية غير المصرفية، التي تمثل الآن ما يقارب نصف الأصول المالية العالمية، مجال غير مألوف لصانعي السياسات بأكثر من ناحية.
كانت السيولة أكبر عامل ضغط في سلسلة الاضطرابات الأخيرة، على عكس الأزمة المالية لعام 2008، حيث تركزت المخاوف فيها حول إذا ما كانت المؤسسات، خاصة البنوك، تتمتع بميزانيات عمومية متينة بما يكفي لتغطية جميع التزاماتها في سوق تنخفض فيها أسعار الأصول وترتفع حالات التخلف عن سداد القروض.
أعلن بنك إنجلترا الشهر الماضي عن أول اختبارات إجهاد في العالم، ستراقب المخاطر الأساسية في الأسواق المالية الرئيسة، التي تعد المؤسسات المالية غير المصرفية مشاركا رئيسا فيها، عملية قالت أرسوف "إنها قد تكون مفيدة للغاية".
سيقدم مجلس الاستقرار المالي، حيث تعمل أكبر البنوك المركزية في العالم ووزارات المالية والجهات التنظيمية على صياغة السياسات، هذا العام تقريرا عن مدى نجاح الدول في تنفيذ توصياته لعام 2021 لتحسين الرقابة على صناديق أسواق المال، الأدوات التي تعمل مثل الحسابات المصرفية في صناعة الاستثمار التي يفترض أنها آمنة للغاية، وسيحسن السياسات في مجالات أخرى.
"منذ الاندفاع نحو السيولة، كنا نحاول اكتشاف ما حدث ثم العمل على معالجة مواطن الضعف"، كما قال ديتريش دومانسكي الأمين العام لمجلس الاستقرار المالي المنتهية ولايته، لـ" فاينانشيال تايمز" عن الاضطرابات المبكرة في عصر الجائحة، عندما اضطرت الشركات إلى طلب أكثر من مائة مليار دولار من خطوط الائتمان بعد نضوب تمويل السوق.
كان مجال التركيز المبكر ينصب على صناديق سوق المال، حيث اقترح مجلس الاستقرار المالي مجموعة متنوعة من الإجراءات بما فيها بعض التدابير التي ستقلل من "أثر المنحدر"، حيث تتم إثارة عمليات بيع شبيهة بالقطيع بمجرد تجاوز الحدود القصوى المصطنعة، ومقترحات أخرى من شأنها الحد من الفجوة بين استحقاق الأدوات التي يستثمر فيها الصندوق والسيولة التي يضمنها لمستثمريه.
المجال الثاني هو صناديق الاستثمار المفتوحة، التي يرى مجلس الاستقرار المالي أنها مجال يرجح أن يسهم في ذلك النوع من "الارتفاعات المفاجئة في الطلب على السيولة" التي تؤدي إلى عمليات إنقاذ لوجود تناقض جوهري بين الاسترداد الفوري الذي يعدون به عملاءهم، وتحديات بيع الأصول بوتيرة سريعة في سوق هابطة.
أحد المقترحات للتعامل مع المشكلات المتعلقة بميزة المتحرك الأول في سوق هابطة هو "التسعير المتأرجح"، الذي يسهل تسوية السعر الذي يتلقاه جميع المتداولين داخل نافذة ما. قال دومانسكي "إنه يمكن أن يقطع شوطا ما في معالجة مشكلات دوامات الأسعار. لكنه ليس حلا سحريا أيضا".
يحاول مجلس الاستقرار المالي أيضا فهم أمور مثل الرفع المالي المخفي في أجزاء مختلفة من سوق المؤسسات المالية غير المصرفية فهما أفضل.
أضاف دومانسكي على موضوع المؤسسات المالية غير المصرفية "نحن بحاجة إلى الاعتراف بأن هذا جزء متنوع للغاية من النظام المالي يختلف في عدد من النواحي عن البنوك. لا أحد يطالب بجدية بوجوب تطبيق مجموعة اللوائح نفسها على صناديق الاستثمار المفتوحة وشركات التأمين وصناديق التقاعد، على سبيل المثال لا الحصر".
هناك عشرات من المبادرات السياسية الجارية في جميع أنحاء العالم، حيث تحاول الجهات التنظيمية التعامل مع مشكلات محتملة عديدة. وضعت هيئة تنظيم الأوراق المالية العالمية "أيوسكو" مجموعة من المقترحات لتحسين السيولة في الأسواق المالية الرئيسة، تحديدا في أوقات الضغوط.
قال سكوت أوماليا، الرئيس التنفيذي للجمعية الدولية للمقايضات والمشتقات "آي إس دي أيه"، "إنه يتوقع أن دور الوسطاء، مثل غرف المقاصة، سيصبح قضية رئيسة لعام 2023". في ديسمبر دعا مجلس الاستقرار المالي إلى "عمل عاجل" لمعالجة خطط الطوارئ لانهيار كل من غرف المقاصة وشركات التأمين.
في الوقت نفسه، في الولايات المتحدة، تسعى هيئة الأوراق المالية والبورصات إلى إجراء أكبر تغيير في قواعد تداول الأسهم منذ عقدين بتقديم مجموعة من الإجراءات التي من شأنها في المقام الأول خفض التكاليف لصغار المستثمرين، لكنها ستخفف أيضا من ذلك النوع من التداول المحموم الناجم عن طفرة أسهم "الميم" في 2021.
في أوروبا، قال أندريا فيلتري، المحلل في مصرف ميديوبانكا، "إن التركيز سيتحول على الأرجح من أعمال 2022 حول هيكل أسواق أوروبا، إلى النظر في قضايا السيولة، في بيئة صعبة تشهد ارتفاعا في الأسعار وتشديدا كميا".
"هناك بعض الأسواق التي يمكن أن تكون معرضة لأحداث نادرة ذات تأثير كبير، على غرار صناديق الاستثمار المدفوع بالالتزامات، دون أن تملك بالضرورة مجموعة الأدوات المناسبة لمواجهتها"، كما قال في إشارة إلى صناديق الاستثمار المدفوع بالالتزامات لخطط المعاشات التقاعدية التي تسببت في اضطراب سوق السندات الحكومية في المملكة المتحدة في أيلول (سبتمبر).
كما قال دومانسكي "إن المؤسسات المالية غير المصرفية كانت مليئة بالتضخيم، ما جعل إيجاد حلول أصعب. قبل 2020، بالحديث عن الحلول السحرية، ربما قال بعض الناس (إن الحل يتمثل في الاحتفاظ بالسيولة في السندات الحكومية)... على مدى الأعوام القليلة الماضية رأينا أداءها تحت الضغط".
"ما هو مطلوب أساسا لاتخاذ إجراءات في السياسة هو فهم واضح لكيفية تفاعل هذه الكيانات غير المصرفية".

الأكثر قراءة