أسعار النفط تعاود الارتفاع .. تهافت على شراء العقود الآجلة مع توقعات استقرار الطلب
استمرت تقلبات أسعار النفط الخام مع تلقيها الدعم نحو الاتجاه الصعودي بعد تهافت المستثمرين على شراء العقود الآجلة، في حين تقاوم المكاسب بيانات صادرة عن صندوق النقد الدولي تتوقع انزلاق ثلث اقتصادات العالم إلى الركود هذا العام، وقد أثر هذا في الأسعار وقد يسهم في إحباطها لحين تلقي دعم من عوامل أخرى مثل تعافي الطلب.
وقال لـ"الاقتصادية" محللون نفطيون إن تزايد الإصابات بفيروس كورونا في الصين أدى إلى اتساع تأثير القلق في السوق النفطية نتيجة مخاوف من تأخر انتعاش الاقتصاد الصيني على الرغم من تخفيف الحكومة القيود المشددة السابقة في إطار سياسة صفر إصابات لمنع انتشار فيروس كورونا.
وذكر مفيد ماندرا نائب رئيس شركة "إل إم إف" النمساوية للطاقة، أن وضع الصين ما زال ملتبسا بعد ارتفاع الإصابات اليومية، ما استدعى الاتحاد الأوروبي إلى مطالبة أعضائه بإعادة الإلزام بفحوص كورونا على المسافرين القادمين من الصين، موضحا أن الوضع الوبائي يؤدي إلى تأخر تعافي الطلب ومن المرجح أن يكون هناك اضطراب كبير في الأشهر المقبلة، ثم يحدث التعافي من منتصف العام تقريبا وبالتالي انتعاش الطلب مجددا.
وأشار إلى أنه في المقابل تتلقى أسعار النفط الخام دعما جيدا من شراء المستثمرين العقود الآجلة مع توقعات استقرار الطلب، كما تراجعت المخاوف نسبيا على العرض بالرغم من عقوبات الحظر والسقف السعري على الإمدادات النفطية الروسية، حيث تتجه الآن خامات النفط الروسي من القطب الشمالي إلى أكبر مشترين للنفط الروسي منذ الحرب في أوكرانيا وهما الصين والهند كبديل أفضل وأقوى عن السوق الأوروبية.
من ناحيته، قال أندرو موريس مدير شركة "بويري" الدولية للاستشارات، إن النفط الروسي يباع حاليا بتخفيضات كبيرة في الصين والهند حيث دفع الحظر الأوروبي والسقف السعري لمجموعة السبع نحو توجه مزيد من النفط الخام الروسي للعملاء في آسيا، الذين لم ينضموا إلى تحالف أقصى سعر، وذلك بحسب بيانات تجارية موثوقة.
وأضاف أنه قبل الحرب الروسية - الأوكرانية كانت الهند مشتريا هامشيا صغيرا للنفط الخام الروسي، لكن بعد أن بدأ المشترون الغربيون في تجنب النفط الخام من روسيا أصبحت الهند وجهة رئيسة لصادرات النفط الروسية إلى جانب الصين.
من جانبه، ذكر أندريه جروسي مدير شركة "إم إم أيه سي" الألمانية، أن ضعف السيولة في السوق النفطية ضغطت على الأسعار في تعاملات سابقة وأدت بالفعل إلى تفاقم التقلبات الحادة للأسعار، مرجحا أن يؤدي تخلي الصين عن سياسة "صفر كوفيد" إلى إنعاش الطلب في نهاية المطاف ومع ذلك أدى الانفجار في الإصابات إلى تمديد الجدول الزمني للتعافي الاقتصادي في البلاد.
ولفت إلى تأثر الأسعار أخيرا أيضا بالطقس الجليدي في الولايات المتحدة قبل عطلة نهاية العام، حيث إن تلك الأزمة أعاقت طاقة التكرير في بعض أجزاء من الولايات المتحدة، كما أسهمت في خفض قدرة معالجة النفط الخام في أمريكا الشمالية، موضحا أن عدم اليقين الاقتصادي دفع شركات الطاقة إلى خفض توقعاتها للنمو في الشهور المقبلة.
بدورها، قالت ويني أكيللو المحللة الأمريكية في شركة "أفريكان إنجنيرينج" الدولية إن شركات الطاقة الأمريكية تواجه تحديات واسعة في العام الجديد خاصة ملف زيادة الإنتاج ورفع الكفاءة وخفض نفقات التشغيل، مشيرة إلى وجود خطة خمسية لشركة "إكسون موبيل" بقيمة ما يصل إلى 25 مليار دولار للإنفاق كل عام حتى 2027 لمحاولة زيادة الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يوميا، كما تخطط الشركة لتقليص تسعة مليارات دولار من التكاليف الإنتاجية بحلول نهاية هذا العام.
وأشارت إلى مثال آخر يتعلق بشركة "شيفرون" التي تشير بياناتها إلى العمل على زيادة الإنفاق بنسبة 25 في المائة إلى 14 مليار دولار هذا العام وهو رقم لا يزال أقل بكثير من ميزانيتها السابقة في فترة الوباء، لافتة إلى تقارير دولية تشكك في أن الصناعة ستلتزم بالانضباط الرأسمالي، حيث سيستغرق هذا الأمر بعض الوقت.
وفيما يخص الأسعار، انتعش النفط أمس، بعد انخفاضها أكثر من 9 في المائة في مستهل العام الجديد في أسوأ بداية سنوية منذ أكثر من 30 عاما، إذ استغل المستثمرون التراجع لشراء العقود الآجلة بناء على توقعات ببقاء الطلب على الوقود مستقرا في الأجل الطويل.
وبحسب "رويترز"، جاء الانتعاش بعد يومين شهدا انخفاضات حادة مع شعور المستثمرين بالقلق من ركود عالمي محتمل وفيما بدت المؤشرات الاقتصادية قصيرة الأجل في أكبر مستهلكين للنفط في العالم، الولايات المتحدة والصين، ضعيفة.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 59 سنتا إلى 78.43 دولار للبرميل خلال التعاملات أمس، في حين زادت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 69 سنتا إلى 73.53 دولار للبرميل.
وخلال الجلستين السابقتين، هبط برنت والخام الأمريكي بأكثر من 9 في المائة في أكبر خسارة خلال يومين في بداية عام منذ كانون الثاني (يناير) 1991، وفقا لبيانات رفينيتيف إيكون.
وأثرت بيانات اقتصادية في الولايات المتحدة في الأسعار في الجلسة السابقة.
وقال معهد إدارة التوريدات إن التصنيع الأمريكي سجل مزيدا من الانكماش في كانون الأول (ديسمبر) منخفضا للشهر الثاني على التوالي إلى 48.4 من 49.0 في تشرين الثاني (نوفمبر)، ليسجل أضعف قراءة منذ أيار (مايو) 2020.
وارتفعت مخزونات النفط الخام الأمريكية 3.3 مليون برميل الأسبوع الماضي بينما قفزت مخزونات البنزين 1.2 مليون برميل وتراجعت مخزونات نواتج التقطير، وذلك وفقا لمصادر في السوق نقلا عن أرقام معهد البترول الأمريكي.
وبالنسبة للصين، قال مسؤولون في منظمة الصحة العالمية إن البيانات تظهر عدم العثور على متحور جديد لفيروس كورونا هناك، لكن الدولة لا تقدم الأعداد الحقيقية لمن لقوا حتفهم نتيجة التفشي السريع للفيروس في الآونة الأخيرة.
وأدت المخاوف من الاضطرابات الاقتصادية في ظل تفشي كوفيد - 19 في أنحاء الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، لزيادة التشاؤم حيال أسعار النفط.
وعززت الحكومة الصينية حصص تصدير المشتقات النفطية في الدفعة الأولى لعام 2023، ما يشير إلى توقعات بضعف الطلب المحلي.
من جانب آخر، تراجعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 76.9 دولار للبرميل الأربعاء مقابل 82,07 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وذكر التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس، أن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء حقق أول انخفاض عقب ارتفاعات عدة له على التوالي وأن السلة خسرت نحو ستة دولارات مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 81.96 دولار للبرميل.