كيف تكيف حي المال في لندن مع العمل الهجين؟

كيف تكيف حي المال في لندن مع العمل الهجين؟

نشأ خلاف بين الشركات المالية وشركات الخدمات المهنية التي تعمل في المملكة المتحدة منذ بدء جائحة كوفيد، حيث طالب البعض بعودة الموظفين إلى العمل من المكتب عدة أيام في الأسبوع، بينما منح البعض الآخر موظفيهم حرية أكبر في اختيار أيام العمل من المنزل.
على الرغم من أن معظم الشركات قد تبنت العمل الهجين، إلا أن بعضها يطلب أو يشجع الموظفين على الحضور إلى المكتب يومين أو ثلاثة أيام في الأسبوع، بما في ذلك "بي دبليو سي" و"سوسيتيه جنرال" و"بلاك روك" و"أبردين" و"أفيفا"، وفقا لأبحاث صحيفة "فاينانشيال تايمز".
توقفت الشركات الأخرى عن تحديد عدد معين من الأيام للعمل من المكتب، ومنحت كثيرا من الموظفين فرصة أكثر مرونة في العمل الهجين، كل بحسب وظيفته، ومن هذه الشركات "أليانز" و"ديلويت" و"إي واي" ومجموعة لويدز المصرفية و"أكسا".
إن المجال الأكبر للعمل من المنزل يعني أن الأيام التي يكون فيها حي المال مزدحما هي من يوم الثلاثاء إلى الخميس. بينما يكون سكوير مايل "الذي يقع فيه حي المال" أكثر هدوءا يومي الاثنين والجمعة.
سألت صحيفة "فاينانشيال تايمز" أكثر من 60 شركة للخدمات المالية والمهنية، التي توظف عشرات الآلاف من الموظفين، عن ترتيبات العمل بعد الجائحة.
كان واضحا أن الشركات تتقبل أن مزيجا من العمل في المنزل والمكتب كل أسبوع قد أصبح دائما في المملكة المتحدة بعد أزمة فيروس كورونا.
لكن من الواضح أيضا أنه لا يوجد نهج سائد للعمل الهجين، حيث خلصت بعض الشركات إلى أن أفضل طريقة لتحفيز الموظفين والاحتفاظ بهم في سوق العمل الضيقة هي السماح للموظفين باختيار مقدار الوقت الذي يرغبون في قضائه في المكتب والمنزل. غالبا ما يفوض قادة الفرق بمهمة إتمام تفاصيل الترتيبات، حيث يعتمد كثير منها على طبيعة الوظائف.
فيما تصر شركات أخرى، مدفوعة بالمخاوف حول توجيه الموظفين وتطويرهم إضافة إلى تعظيم الإنتاجية، على قضاء موظفيها يومين أو ثلاثة في العمل من المكتب.
حيث قال كيفين إليس، الشريك الرئيس في "بي دبليو سي" في المملكة المتحدة، "إنه يتوقع من الموظفين الحضور يومين أو ثلاثة أيام أسبوعيا إلى المكتب، أو ربما أكثر في بعض الأحيان".
وأضاف "بالنسبة إلى شركات الخدمات مثل شركتنا، تتطلب الإنتاجية مستوى معينا من التفاعل وجها لوجه لمشاركة الأفكار والمعرفة. لهذا السبب رسمنا توقعات واضحة بشأن نسبة الوقت الذي نتوقع أن يقضيه موظفونا في المكتب أو مع العملاء، وهو شيء لا يمكننا تركه للصدفة، حيث ينظر موظفونا إلينا من أجل توجيههم".
لكن جولي هاريسون، كبيرة مسؤولي الموارد البشرية في شركة أليانز، قالت "إن نموذج الشركة تم تصميمه بالاشتراك مع موظفينا وتم الاتفاق عليه على مستوى الفريق، وهذا يعني أن أعضاء الفريق يتمتعون بمرونة هائلة وأنه بإمكانهم أن يقرروا بأنفسهم عدد الأيام التي يقضونها في المكتب مقابل الأيام التي يقضونها في المنزل".
وأضافت أن "الإنتاجية لم تتضرر، بل تحسنت في بعض الحالات... بالنسبة إلي، يرجع الأمر في مسألة تمكين الأشخاص إلى تحديد ما هو أفضل لفريقهم وعملائهم".
ومع خروج المملكة المتحدة من عمليات الإغلاق النهائية لجائحة كوفيد في بداية العام الماضي، سعت شركات الخدمات المالية والمهنية إلى تنفيذ طريقة عمل هجينة من شأنها إعادة الموظفين إلى المكاتب لكن أيضا تمنحهم بها خيار العمل من المنزل على الأقل لبعض الوقت. كانت معظم الشركات واضحة بشأن أهمية العمل من المكتب في المساعدة على تعزيز ثقافة مؤسسية متميزة.
عندما قامت الشركات باستطلاع آراء الموظفين حول العمل الهجين، أفادت جميعها بأن الموظفين شعروا بسعادة أكبر وإنتاجية أكبر مع هذه الترتيبات.
لكن بعض الشركات تريد أن يعود الموظفون إلى المكتب على الأقل يومين أو ثلاثة أيام كل أسبوع.
قالت كلير ويلز، الشريكة الإدارية في شركة فريشفيلدز في لندن، التي تفرض حضور موظفيها إلى المكتب ثلاثة أيام في الأسبوع "لدينا فرصة هنا للجيل القادم من المحامين لتحقيق توازن أكبر بين العمل وحياتهم. في الوقت نفسه، كنا دائما شركة تتميز برابطة ثقافية قوية".
قالت الشركات "إن نهجها في تحديد مقدار الوقت الذي يجب أن يتم قضاؤه في المكتب يتوقف في الغالب على دور الموظف والفريق الذي ينتمي إليه".
في مصرف جيه بي مورجان، من المرجح أن يعمل الأشخاص الذين يعملون في وظائف مثل الخدمات المصرفية الاستثمارية أو التداول أربعة أو خمسة أيام في الأسبوع في المكتب، بينما يقضي بعض موظفي التكنولوجيا والدعم يومين أو ثلاثة أيام فقط فيه. قبل الجائحة، كانت جميع الوظائف تقريبا تتطلب العمل خمسة أيام في المكتب.
بينما يأتي موظفو "سوسيتيه جنرال" إلى المكتب من يومين إلى ثلاثة أيام كل أسبوع في المتوسط، حسب الوظيفة والفريق.
قال ديميتريو سالوريو، رئيس عمليات الشركة في المملكة المتحدة وأيرلندا "ما زلنا نعتقد أن التفاعل المادي والتعاون بين الزملاء ما زالا مهمين، ولا سيما بالنسبة إلى الوظائف التي تتطلب التعامل مع العملاء ودعم مزيد من الموظفين المبتدئين، فضلا عن كونه محركا رئيسا للتعاون".
تتوقع شركة آيجون أن يحضر موظفوها إلى المكتب بنسبة 40 في المائة من وقت عملهم.
كانت شركة رويال لندن قد حددت متوسط وقت العمل في المكتب بنسبة 50 في المائة، قائلة "نحن نتفهم أن هذا لا يناسب الجميع، لذلك فإن قادة الأفراد لدينا لهم تفويض للاتفاق على نهج داخلي يراعي التوازن بين احتياجات كل من العمل وزملائنا".
بينما لا تضع شركات الخدمات المالية والمهنية الأخرى معايير قياسية على مستوى المجموعة لمقدار الوقت اللازم قضاؤه في المكتب.
قالت مجموعة لويدز المصرفية "إن موازنة الوقت الذي يقضيه الشخص في العمل من المنزل أو المكتب أو أي مكان آخر يعتمد على احتياجات العملاء والفريق والشركة إضافة إلى التفضيلات الفردية"، وأضافت أن "بعض الأشخاص، مثل الذين يعملون في فروع المصارف، لا يمكنهم العمل بطرق هجينة".
قال كوان كولتر، نائب الرئيس التنفيذي ورئيس العمليات في المملكة المتحدة في شركة ستايت ستريت، "إن مزيج تجربة زملائنا في المكتب مقابل العمل عن بعد يتم تحديده من خلال متطلبات وظائفهم بدلا من أيام العمل المقررة".
قالت مجموعة مان إن "العمل -على اعتبار أنه مكان ونشاط- قد تغير"، الأمر الذي أدى إلى نموذج يستوعب أي تغيير، بداية من العمل من المنزل طوال الوقت إلى العمل في المكتب خمسة أيام كل أسبوع، وذلك اعتمادا على ما هو أفضل لكل وظيفة".
وأضافت المجموعة "المرونة تعني أن بإمكاننا جذب مجموعة أوسع من الأشخاص للعمل في الشركة، وهذا هو محور تركيزنا أيضا".
بينما قالت شركة شرودرز "إنها مكنت الموظفين من اتخاذ قرار بشأن متى وكيف وأين يعملون لتقديم أفضل دعم للعملاء"، مضيفة أن "الشركة تريد ضمان استمرار التفاعل وجها لوجه، للحفاظ على ثقافة التعاون والابتكار والإنتاجية القوية".
قالت الشركة "إنها مستمرة في رؤية كثير من الفوائد في حضور الأشخاص إلى المكتب، وسيظل هذا جزءا مهما من نهجنا في العمل المرن".
قال أحد المديرين في شركة للخدمات المالية -طلب عدم نشر اسمه- "إن الإصرار على الحضور ثلاثة أيام إلى المكتب على مستوى المجموعة غالبا ما يتم تجاهله من قبل الموظفين".
انتقلت الشركة منذ ذلك الحين إلى نموذج يقرر فيه قادة الفرق متى يجب أن يوجد الأشخاص في المكتب.
مع ذلك، فإن كثيرا من الشركات التي اتخذت قرارا يخالف المعايير التي تم تحديدها على مستوى المجموعة ترغب في أن يقضي موظفوها جزءا كبيرا من وقتهم في المكتب.
وضع كونراد ديفيز، الشريك الإداري المنتخب في شركة أوزبورن كلارك، هدفا للموظفين "بالعمل في المكتب في أكثر الأحيان".
يبدو أن الشركات الأخرى مستعدة للسماح للموظفين بتحقيق التوازن بين المكتب والعمل المنزلي.
قالت شركة ديلويت "إن 96 في المائة من موظفيها قالوا إنهم يريدون أن يتمتعوا بحرية اختيار مدى مرونة عملهم، لذلك لا توجد أيام عمل إجبارية". سجلت منذ ذلك الحين درجات عالية في استطلاعات الإنتاجية.

العمل الهجين يعني أن الشركات تحتاج إلى مساحات مكتبية أقل

بدأت بعض الشركات في تقليص مساحات مكاتبها بعد انخراط موظفيها في العمل الهجين، كما قام كثير من الشركات بإصلاح المرافق في مكان العمل، وفقا لأبحاث صحيفة "فاينانشيال تايمز".
تشمل الشركات التي قلصت مساحات مكاتبها أو التي ستنفذ ذلك في المستقبل مصرف إتش إس بي سي و"نيشن وايد" و"ديلويت" وشركة أفيفا.
قالت شركة ألين آند أوفيري للمحاماة، مرددة التعليقات الصادرة عن الشركات الأخرى "إنه نظرا لتطور طرق عملنا بمرور الوقت والآن أيضا، ومع انتقالنا إلى العمل الهجين، نحن على علم بأننا سنحتاج إلى مساحة مكتبية أقل بشكل ملحوظ في المستقبل".
كما أن الشركات التي أعادت تصميم مكاتبها لتعكس ترتيبات العمل الهجين تشمل "آشورست" و"كيه بي إم جي" و"نوميس" و"جانوس هينديرسون".
قالت شركة أوزبورن كلارك "إنها خفضت مساحة المكاتب في مدينة بريستول 12 في المائة بالتزامن مع زيادة عدد الموظفين 10 في المائة، بالنظر إلى التغييرات التي طرأت على المرافق التي تشمل مزيدا من مساحات الاجتماعات والاسترخاء، ومساحات التخزين الشخصية، وليس المكاتب الشخصية، والتكنولوجيا التي تتيح استخدام الموظفين موارد الشركة من أي مكان وبدون قيود استخدام الأجهزة الخاصة بالشركة والمعدات التي يتسم استخدامها بالمرونة".
كما قالت بعض الشركات "إن التحول إلى العمل الهجين يحقق فوائد بيئية"، حيث ذكرت مجموعة لويدز المصرفية أنها ساعدت في تعهدها بالحفاظ على مستوى الانبعاثات الناتجة عن سفر الموظفين عند أقل من 50 في المائة مقارنة بمستويات ما قبل جائحة كوفيد.

الأكثر قراءة