تلوث الهواء .. وجه سماء مومباي يتغير
حتى لو لم تطأ قدمه خارج عيادته في مومباي، يعرف الدكتور لانسلوت بينتو استشاري الجهاز التنفسي من صعوبة تنفس مرضاه أن هناك خطبا ما في هواء المدينة.
يقول بينتو "عانت نسبة كبيرة من المرضى خلال الشهر الماضي أعراضا تنفسية ذات طبيعة تهيجية أو تحسسية". اشتكى بعضهم من "ضيق الصدر والسعال وصفير عند التنفس عندما يخرجون". يقول بينتو "إن العدوى أقل احتمالا في تسببها هذه الأعراض من هواء مومباي، الذي أصبح ضارا فجأة".
تجذب العاصمة الهندية نيودلهي الاهتمام العالمي للهواء السام الذي يجتاح سكانها المنحوسين كل شتاء. يحرق المزارعون مخلفات المحاصيل في المقاطعات القريبة، ومن ثم يغطي الدخان المدينة الداخلية.
لكن لبضعة أسابيع في تشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الأول (ديسمبر)، سجل المركز التجاري الساحلي في مومباي، الذي عادة ما يكون بمنأى عن مثل هذا الضباب الدخاني، مستويات تلوث هواء أسوأ من نيودلهي عدة مرات. حسب مؤشر جودة الهواء، مومباي ثالث أسوأ كبرى مدن الهند جودة خلال الأسابيع الأربعة حتى 19 ديسمبر، خلف نيودلهي وكولكاتا في الشرق.
"جنوب آسيا تعاني تلوث الهواء الشديد"، وفقا لتقرير صادر عن البنك الدولي هذا الشهر. ذكر التقرير أن ما يقارب 60 في المائة من سكان المنطقة يتنفسون هواء فيه تركيز الغبار الصغير أو جزيئات السخام سبعة أضعاف إرشادات منظمة الصحة العالمية. تشير التقديرات إلى أن تلوث الهواء في جنوب آسيا يتسبب في الوفاة المبكرة لمليوني شخص سنويا.
حتى إن تلوث الهواء يعد دافعا قويا للهنود الأثرياء لمغادرة الدولة، كما يرى أجاي شارما، مؤسس شركة الاستشارات أبهيناف اميجريشن لشؤون الهجرة. يقولون "ما فائدة ثروتنا عندما نفقد أعواما من حياتنا في دلهي؟"، لكن سكان مومباي، موطن أكبر الأحياء الفقيرة في الهند ونجوم بوليوود وثاني أغنى رجل في الهند، موكيش أمباني، لا ينتابهم القلق عادة.
توضح أنوميتا روي شودري، مديرة الأبحاث والدعوة في مركز العلوم والبيئة "ينظر إليها على أنها، أوه! مومباي على الساحل، لذلك يأتي نسيم البحر ويزيح كل التلوث بعيدا. إنه يولد شعورا بالرضا والتسليم - يبدأ الناس في الاعتقاد أن شمال الهند فقط هو الذي يعاني المشكلة، أما هم ففي أمان".
وتضيف "بطريقة ما علينا دحض هذه الخرافة"، كما تقول "إن "العلوم الصحية تظهر بوضوح شديد أن الناس يمرضون ويموتون عند مستويات التلوث التي شوهدت في مدن مثل مومباي وتشيناي وبنجالور في ولايات الهند الغربية والجنوبية".
مثلما بالكاد يرى سكان مومباي الطرف الآخر من جسر "باندرا وورلي سي لينك" الشهير الذي يبلغ طوله 5.6 كيلومتر، كان سبب العجاج غير واضح كذلك. من بين خبراء الأرصاد الجوية المراقبين الدكتور غفران بيج، مؤسس ومدير مشروع نظام التنبؤ بجودة الهواء في الهند المعروف باسم "سفر". أظهرت بياناته لمراقبة الهواء خطورة ارتفاع التلوث: بين الخامس من نوفمبر و12 ديسمبر، سجل مؤشر جودة الهواء في مومباي قراءة "سيئة" لـ20 يوما، مقارنة بستة أيام في الفترة نفسها من 2021. أربعة أيام كانت "سيئة للغاية"، مقابل صفر العام الماضي.
يقول بيج هذا الشتاء، "كانت سرعات الرياح السطحية أبطأ نسبيا من متوسط الأعوام العشرة الماضية". ولم تغير الرياح اتجاهها وتجلب هواء البحر كل بضعة أيام كما تفعل عادة، لقد تعطل نظام التنقية الذاتية. أوضح قبل الكريسماس أن "الرياح الضرورية القادمة من المحيط إلى اليابسة لم تثر إلا الأسبوع الماضي". دون نسيم يجرفها بعيدا، أصبحت الانبعاثات الكثيرة - من المركبات، وحرق النفايات، والصناعة، وغبار البناء - محبوسة في عجاج مؤذ للعين.
يقول بيج "إن دوران الريح غير المعتاد هذا جزء من اضطراب أوسع في أنماط الرياح بسبب تأثير ظاهرة طقس النينا (التذبذب الجنوبي) المطول على الهند، المرتبطة بتغير المناخ".
تتولى الهند الآن رئاسة مجموعة العشرين، وفي 14 ديسمبر، هبط مندوبو فريق المجموعة المعني بالتطوير في مومباي وهي مبهرجة لاستقبالهم - طلاء جديد على الجدران وستائر ولافتات تحجب العشوائيات في طريقهم، وعرض رقص موسيقي فخم بالقرب من نصب بوابة الهند. بأعجوبة، كان أنقى يوم منذ أسابيع.
عملت مومباي على تحديث خطة الهواء النقي في 2019. لكن هذا ليس كافيا. يقول الخبراء "إن على المسؤولين تنفيذها الآن قبل أن تتغير الرياح".