تعاملات متقلبة لأسواق النفط وسط مخاوف الركود .. الأسعار تعود إلى مستويات ما قبل الحرب

تعاملات متقلبة لأسواق النفط وسط مخاوف الركود .. الأسعار تعود إلى مستويات ما قبل الحرب
روسيا تسعى إلى توجيه النفط والغاز من الحقول الشمالية والقطبية إلى الصين.

تتجه السوق النفطية في 2023 إلى نفض كل غبار الأزمات والحرب في أوكرانيا، التي كانت السمة الرئيسة للاقتصاد في العام الماضي، حيث يرى المراقبون أن هناك دلائل متزايدة على أن الاضطراب قد يقترب من نهايته، حيث تراجعت أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي والمواد الغذائية إلى مستويات ما قبل الحرب، بينما سجل اليورو ارتفاعا 7 في المائة مقابل الدولار في ختام العام الماضي.
ويلاحظ المعنيون بسوق النفط الخام، عودة أسعار الطاقة بشكل عام إلى مستويات ما قبل الحرب، بعدما كانت أسعار النفط قد ارتفعت إلى نحو 130 دولارا للبرميل في مارس الماضي بعد أسابيع قليلة فقط من الحرب في أوكرانيا.
ويقول لـ"الاقتصادية" محللون إن العقوبات المفروضة على روسيا أدت إلى تقليص الإمدادات النفطية، لكن أسعار النفط تواجه انخفاضا مستمرا منذ يوليو العام الماضي، ويتم تداولها حاليا حول مستوى ما قبل الحرب البالغ 80 دولارا للبرميل.
وأوضح المحللون أن انخفاض الأسعار في الأشهر الأخيرة، يرجع بشكل رئيس إلى مخاوف الركود، وزيادة أسعار الفائدة في عديد من الاقتصادات المتقدمة، مشيرين إلى توقعات شركة "ريستاد إنرجي" باستمرار وتيرة التباطؤ الاقتصادي العالمي، كما أن هناك مخاوف من أن أسعار النفط قد تنخفض أكثر بسبب ارتفاع حالات الإصابة بجائحة كوفيد في الصين.
وفي هذا الإطار، يقول سيفين شيميل، مدير شركة في جي إندستري الألمانية: إن مخاوف تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي تهيمن على السوق في بداية العام الجديد، لافتا إلى توقعات بنك "كريدي سويس" باتساع وتيرة صفقات البيع في أسواق النفط الخام، حيث من المحتمل أن يشهد خام برنت مزيدا من الاتجاه الهبوطي، كما عانت أسواق العقود الآجلة للخام التراجع.
ولفت إلى أن الوضع الحالي يشير إلى أن تجار النفط يعتقدون أن أسعار خام برنت أقرب إلى الاستمرار في الانخفاض، خاصة إذا استمرت أزمة الإصابات السريعة والكثيفة بجائحة كورونا مجددا في الصين، التي تقود الطلب العالمي على النفط الخام وكل موارد الطاقة، موضحا أن العالم يترقب الخروج بشكل كامل من قيود كوفيد.
ومن جانبه، يقول روبين نوبل، مدير شركة "أوكسيرا" الدولية للاستشارات: إن عديدا من العوامل الهبوطية، التي أدت إلى خفض أسعار النفط في العام الماضي وأبرزها سياسة عدم انتشار فيروس كورونا في الصين، والإفراج السريع عن احتياطي البترول الاستراتيجي من قبل عديد من الحكومات بقيادة الولايات المتحدة، لن تكون موجودة في 2023 إلى جانب تأثيرات العقوبات المفروضة على النفط الروسي والغاز، معتبرا أن هذا من شأنه أن يرفع أسعار النفط الخام.
وأشار إلى أن أزمة العقوبات ضد روسيا تزايدت بعد تطبيق الحظر الأوروبي على النفط الخام في 5 ديسمبر المقبل، وفرض سقف سعري للنفط والاستعداد لفرض حظر جديد على المنتجات النفطية في فبراير المقبل، لافتا إلى أن قرارات أوروبا كانت بمنزلة مفاجأة لروسيا بعدم القيام بما كان متوقعا بعد الحرب في أوكرانيا في فبراير الماضي، حيث كانت روسيا تعتقد أن أوروبا ستستمر إلى حد كبير في شراء إمدادات الغاز والنفط الروسية على الرغم من ضغوط الولايات المتحدة على عدم القيام بذلك.
ومن جانبه، ذكر ماركوس كروج، كبير محللي شركة "أيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز: أن روسيا تسعى حاليا إلى توجيه كثير من النفط والغاز من حقول روسيا الشمالية والقطبية الشمالية إلى الصين، كما أن روسيا فتحت الطريق أمام استثمارات صينية ضخمة في البنية التحتية للطاقة والنقل في روسيا، وتدشين تعاون أوسع وأعمق بكثير بين البلدين، وذلك بحسب بيانات رسمية صادرة عن الحكومتين.
وأضاف أن روسيا تعمل أيضا على وضع الأساس لبناء خط أنابيب "باور إف سيبريا 2"، والذي سيمر عبر منغوليا من غرب روسيا ومن المقرر أن يبدأ البناء في عام 2024، كما تشير التقارير الدولية إلى سعي روسيا إلى زيادة مبيعات الغاز إلى الصين إلى 48 مليار متر مكعب سنويا بحلول 2025 وإلى 88 مليار متر مكعب بحلول 2030.
بدورها، تقول جولميرا رازيفا، كبير المحللين في المركز الاستراتيجي للطاقة في أذربيجان: إن التقلبات تظل هي السمة الأبرز في السوق على مدار العام الماضي وربما الجاري، مشيرة إلى أن الخام الأمريكي انخفض بشكل مطرد إلى أدنى مستوى إغلاق في 2022 عند 71.02 دولار للبرميل في ديسمبر الماضي، بينما تشير توقعات لقيادات نحو 150 شركة للنفط والغاز إلى أن الخام الأمريكي قد يسجل مستوى نحو 84 دولارا للبرميل في نهاية العام الجاري.
وأشارت إلى استمرار تحالف "أوبك +" في قيادة السوق وضبط إيقاع المعروض النفطي من خلال التخفيضات القياسية التي طبقت في أكتوبر الماضي، وقدرها مليونا برميل يوميا، التي ستستمر إلى يونيو المقبل مع احتمال النظر في إجراء تعديلات خلال الاجتماع الوزاري للجنة المراقبة في تحالف "أوبك +" في فبراير المقبل، لافتة إلى أن أعين السوق تتجه إلى الوضع الوبائي المتذبذب في الصين بعد تجدد وتيرة الإصابات المرتفعة وتأثيرات ذلك الواسعة في الطلب العالمي على النفط الخام.
ومن ناحية أخرى، تراجعت أسعار النفط أمس في معاملات متقلبة متأثرة ببيانات طلب ضعيفة من الصين وتوقعات غير مبشرة للاقتصاد العالمي.
وبحلول الساعة 1246 بتوقيت جرينتش، تراجعت العقود الآجلة لخام برنت 1.13 دولار أو 1.32 في المائة إلى 84.78 دولار للبرميل.
ونزلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط 1.01 دولار أو 1.26 في المائة إلى 79.25 دولار للبرميل.
وصعد الخامان بأكثر من دولار في المعاملات المبكرة، ورفعت الحكومة الصينية حصص التصدير لمنتجات البترول المكررة في أول شحنة لعام 2023. وأرجع المتعاملون هذه الزيادة إلى توقعات بضعف الطلب المحلي، بينما تواجه الصين، أكبر مستورد للخام في العالم، زيادة في الإصابات بمرض كوفيد - 19.
كما انكمش نشاط المصانع في الصين مع زيادة الإصابات بكوفيد - 19، الأمر الذي تسبب في اضطراب الإنتاج، وأثر سلبا في الطلب بعد رفع الصين معظم قيود مكافحة فيروس كورونا.
وقالت كريستالينا جورجييفا، المدير العام لصندوق النقد الدولي الأحد، إن الولايات المتحدة وأوروبا والصين -وهي المحركات الرئيسة للنمو العالمي- تشهد جميعها تباطؤا متزامنا، ما زاد النظرة المستقبلية تشاؤما.
وتترقب الأسواق مزيدا من المؤشرات من اجتماع لجنة السياسة النقدية للمركزي الأمريكي في اجتماعها اليوم، ورفع البنك المركزي الأمريكي سعر الفائدة 50 نقطة أساس في ديسمبر بعد أربع زيادات متتالية كل منها بمقدار 75 نقطة أساس.

الأكثر قراءة