تدابير أوروبية لمواجهة الشتاء «2 من 2»
قد يكون من الصعب الإسراع بتنفيذ الاستجابة الأولى الفضلى على صعيد السياسات من الناحية العملية. ففي كثير من الدول، يمكن تقديم تحويلات الدخل بسرعة فقط إلى الأسر التي تتلقى مساعدات اجتماعية بالفعل. لكن نظرا إلى المدى الذي وصلت إليه طفرة الأسعار في الآونة الأخيرة، فإن بعضا من الأسر منخفضة الدخل والأسر في الشريحة الأدنى من فئة الدخل المتوسط غير المغطاة بشبكات الأمان، قد تحتاج أيضا إلى الدعم.
ولمساعدة هذه الأسر، يمكن للحكومات إرسال تحويلات أو شيكات مصرفية بناء على معلومات ضريبة الدخل أو تشجيع الأسر على التسجيل، للحصول على الدعم وتقديم المعلومات المطلوبة عن الدخل، وتعكس قوانين خصوصية البيانات والقيود على القدرات عدم جدوى هذه المناهج في كثير من الدول، والبديل الذي يقتضي حدا أدنى من الإجراءات الورقية، هو إعطاء كل الأسر خصما مقطوعا على فاتورة استهلاك الطاقة أو شيكا بمبلغ مقطوع لا علاقة له بفاتورة الكهرباء، إذ قد ينظر إلى الحل الأول باعتباره دعما للاستهلاك. ويمكن توجيه تحويلات إضافية إلى الأشد فقرا من خلال نظم الرعاية، بينما يمكن استرداد الدعم المقدم للأسر ذات الدخل الأعلى من خلال النظام الضريبي.
والخيار الآخر الذي لا يزال يحافظ على بعض الإشارات السعرية هو "التسعير حسب الشريحة"، أي تطبيق سعر مخفض على مستهلكي الطاقة حتى مستوى الكفاف وتطبيق سعر الاستهلاك السائد في السوق على الشرائح الأعلى. ويمكن أن يتحدد استهلاك الكفاف عند المستوى نفسه للأسر جميعها، أو أن يختلف تبعا لنسبة معينة من أحدث حجم استهلاك لكل أسرة، "كمؤشر بديل لحجم الأسرة". ولا تميز هذه المناهج بين مستويات الدعم حسب مستوى دخل الأسرة، ومن ثم ينبغي تكملتها بإجراءات لزيادة الإيرادات الضريبية بأسلوب تصاعدي من أجل استرداد الدعم المقدم للأسر الأعلى دخلا.
وقد اتخذ بعض الدول إجراءات محددة "من بين مزيج من برامج التخفيف" لا تتداخل مع الإشارات السعرية. وتتضمن الأمثلة تحويلات لمرة واحدة تصاعدية أو موحدة، "قبرص وألمانيا، على الترتيب"، وتحويلات لمرة واحدة إلى الأسر منخفضة الدخل التي لا تغطيها مزايا "الحد الأدنى من الدخل الضروري"، ولا تتلقى معاشا تقاعديا، "إسبانيا"، ورسوم وتخفيضات لمرة واحدة على فواتير استهلاك الطاقة مع استردادها من خلال النظام الضريبي لأصحاب الدخول الأعلى، "بلجيكا وألمانيا"، والتوسع في برامج المساعدة الاجتماعية المقطوعة القائمة، لتشمل مزيدا من الأسر، "بلجيكا وألمانيا ولوكسمبورج". كما تم تنفيذ التسعير حسب الشريحة أو أعلن في دول عدة.
ويمكن للحكومات كذلك أن تدفع للمستخدمين لخفض استهلاكهم للطاقة أو تحويله إلى التوقيتات اليومية التي تزيد فيها إمدادات الطاقة من مصادر متجددة، ويقل فيها الاعتماد على الغاز، ويمكن أن يتم ذلك من خلال مزادات لخفض إجمالي الاستهلاك أو خفض الاستهلاك خلال ساعات الذروة. وإذا عقدت هذه المزادات على نطاق واسع على المستوى الأوروبي، "حيث عادة ما تكون أسواق الكهرباء مترابطة فيما بينها، وإن كانت بشكل غير كامل"، فقد ينتج عنها منافع كبيرة من خلال خفض الطلب الكلي، ومن ثم تخفيض أسعار الطاقة العالمية. وتنظر ألمانيا حاليا في إجراء المزادات لتطبيق وفورات الطاقة على الشركات على سبيل المثال.
وإجمالا، وسط التوقعات بأن تظل أسعار الطاقة أعلى من مستويات ما قبل الحرب لبعض الوقت، يجب أن يتحول تركيز السياسة الأوروبية سريعا من تدابير كبح الأسعار إلى تخفيف أعباء الدخل الموجه إلى الفئات الضعيفة. ويجب أن تتيح التدابير تقديم حوافز قوية لتوفير الطاقة وفي الوقت نفسه احتواء تكاليف المالية العامة. ونظرا إلى حجم الصدمة، فقد يحتاج بعض الأسر التي لا تتلقى حاليا مساعدات الرعاية إلى الدعم أيضا.
ورغم أن بعض الدول قد تسعى جاهدة إلى تنفيذ أولى فضلى السياسات المتمثلة في السماح بعمل الإشارات السعرية وتقديم تحويلات موجهة إلى الأسر الضعيفة، فإن هناك ثاني أفضل الخيارات العملية المنطقية، التي تتضمن التحويلات الموحدة لمرة واحدة، أو تقديم دعم للاستهلاك على مستوى الكفاف من خلال التسعير حسب الشريحة، الذي يمكن استرداده من الأثرياء من خلال الضرائب، وفي ظل بيئة من التضخم المرتفع، يمكن تقديم التخفيف في إطار موقف غير توسعي للمالية العامة حتى لا تضاف أي أعباء على الطلب الكلي. وعلى المدى الأطول، فإن أفضل الوسائل الموثوقة لخفض أسعار الطاقة وضمان أمن الطاقة، هي زيادة إمدادات الطاقة من المصادر غير الأحفورية، والحفاظ على صدور إشارات سعرية واضحة سيساعد على إجراء هذا التحول.