الدين السيادي .. دور محوري يحمل مخاطر «2 من 2»
هناك أساليب تعاقدية مختلفة تقترض الحكومات من خلالها. وتمثل القروض أحد أشكال التمويل الشائعة، ويتم ترتيبها على أساس ثنائي، أو من خلال اتحاد للمقرضين، ويكون السداد عادة مقسما على عدة أعوام. وفي المقابل، تصدر السندات لمئات أو آلاف الدائنين، ويتعين أن يتم سداد المبالغ كاملة في وقت واحد. وإضافة إلى ذلك، هناك كثير من الأدوات غير الشائعة التي يمكن للكيانات السيادية الاقتراض من خلالها، لكن هذه الأدوات تكون عادة ذات نطاق أصغر كثيرا.
وتسعى الحكومات إلى تقليل تكاليف اقتراضها - أي أسعار الفائدة - إلى أدنى حد مع منع هيكل ديونها من الوصول إلى مرحلة الخطر البالغ. فعلى سبيل المثال، يجد كثير من الحكومات أن اقتراضها بالدولار أو اليورو أرخص تكلفة من الاقتراض بعملاتها الخاصة. غير أن هذا الأمر يمكن أن يسبب مشكلات إذا انخفضت قيمة عملاتها، حيث يزيد ذلك من العبء الحقيقي للدين. وبالمثل، تفضل بعض الحكومات أن تدفع سعر فائدة ثابتا على الدين، إذ يضمن ذلك استقرار تكاليف خدمة الدين. لكن من الممكن أن يكون من الأرخص "في البداية على الأقل" إصدار دين يرتبط بسعر فائدة متغير أو بتضخم أسعار المستهلك، ومع ذلك، قد يشكل ذلك أيضا بعض المخاطر إذا تحركت هذه المتغيرات في اتجاه غير متوقع أو غير محبذ.
ويمكن لهيكل الدين العام الذي يتسم بالحذر أن يساعد على إبقاء تكاليف الاقتراض السيادي منخفضة على المدى الطويل. غير أن هناك عوامل أخرى كثيرة تؤثر في الجدارة الائتمانية للكيان السيادي وفي تكاليف اقتراضه، مثل مستوى تنميته الاقتصادية، وحجم أسواقه المالية، وسجله في الوفاء بتعهداته، وأوجه تعرضه للصدمات الخارجية، إلى جانب الأوضاع المالية العالمية. وكثير من هذه العوامل يكون خارجا عن سيطرة الحكومات. وتحتفظ هيئات تصنيف المراتب الائتمانية السيادية والمؤسسات الدولية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي، بنماذج واضحة تتولى باستمرار تقييم الجدارة الائتمانية للكيانات السيادية.
على غرار الأفراد والشركات، قد تتعثر الكيانات السيادية في سداد ديونها. ويمكن أن يرجع ذلك إلى أنها اقترضت أكثر مما ينبغي أو اقترضت بأسلوب يحمل مخاطر عالية - أو بسبب أنها أصيبت بصدمة غير متوقعة، مثل حدوث ركود عميق أو كارثة طبيعية.
وفي مثل هذه الظروف، يتعين على الكيان السيادي إعادة هيكلة ديونه. لكن خلافا للأفراد والشركات، لا توجد محاكم إفلاس للكيانات السيادية يمكنها أن تجبر المدينين ودائنيهم على حل المسألة. وبدلا من ذلك، يخضع الأمر للتفاوض، فالدائنون يريدون استعادة أكبر قدر ممكن من أموالهم، في حين ترغب الكيانات السيادية في إعادة الوضع "الطبيعي" في الأسواق المالية، دون دفع كثير من الأموال.
وغالبا ما تفرض أشكال إعادة الهيكلة هذه تكاليف طائلة على المدين والمقرضين على السواء، وهو ما يجعلها من الحالات النادرة نسبيا. ومن الأمثلة المشهورة على ذلك روسيا 1998، والأرجنتين 2005، واليونان 2012، وأوكرانيا 2015. فمن الطبيعي أن تكون التكاليف أقل كثيرا عندما يمكن الوصول إلى اتفاق قبل التوقف عن سداد الدين السيادي، من خلال التخلف عن سداد قسط من أقساط الدين. فعمليات إعادة الهيكلة الوقائية هذه عادة ما تحل بسرعة وتكون ذات آثار سلبية أقل في بقية الاقتصاد والنظام المالي، لكن بمجرد أن يتوقف الكيان السيادي عن سداد دينه، فإن عملية إعادة الهيكلة اللاحقة يمكن أن تكون طويلة ومكلفة.
وقد قطع الاقتراض السيادي شوطا طويلا منذ حروب الملك إدوارد الثالث داخل فرنسا، فقد أصبح أكبر حجما، وأكثر تطورا، وذا صبغة دولية أكبر، وله دور حيوي في الاقتصاد العالمي من خلال السماح للحكومات بالحفاظ على سلامة اقتصاداتها أثناء فترات الركود وغيرها من الصدمات غير المتوقعة، وتمويل الاستثمارات التي ترفع الإنتاجية والنمو. غير أن المخاطر - المتمثلة في الإفراط في الاقتراض واحتمالات التوقف عن السداد - باقية معنا حتى يومنا هذا.