سر الجماجم المثقوبة

آلاف الجماجم المثقوبة وجدت في أكثر من مكان حول العالم. كثرت التكهنات عن سبب تلك الثقوب، هل هي إحدى وسائل التعذيب التي مورست على البشر قديما أم جرائم قتل، أو كانت لعلاج المرضى أم طقسا من طقوس العبادات قبل التوحيد؟!
يعود أقدم الجماجم المكتشفة التي تمثل أدلة على عمليات "نقب الجمجمة أو التربنة" إلى نحو ستة آلاف عام قبل الميلاد، وقد وجدت تحديدا في شمال إفريقيا وأوكرانيا والبرتغال، وهذا دليل على أن ثقب الجماجم قد بدأ في العصر الحجري.
والنقب هو إجراء عمليات جراحية بسيطة تنطوي على عمل ثقب في جمجمة إنسان حي، إما عن طريق حفر طبقات من العظام، وإما قطعها أو كشطها بوساطة أداة حادة مثل المناشير، دون أن يؤثر ذلك بأي شكل من الأشكال أو يضر أي طبقة من الطبقات الثلاثة للغشاء السميك المحيط بالدماغ، حيث إن الفرضية تقول إن هذا سيسمح لضربات القلب بالنبض من خلال شرايين الدماغ بالمستوى نفسه الذي كان يحدث في مرحلة الطفولة.
ومن الواضح أنها كانت عملية مهمة في الماضي حتى في الوقت الحاضر، حيث تم إجراء مثل هذه العمليات في ستينيات القرن الماضي من قبل الجراحين، إلا أن العلماء كانوا وما زالوا مختلفين حول مدى فائدة مثل هذا الإجراء الخطير، خصوصا إذا عمل بطريقة خاطئة، فمنهم من رأى أنه يعمل لأجل علاج حالات طبية معينة، حيث يظهر عديد من الجماجم المثقوبة علامات إصابات في الجمجمة أو أمراض عصبية، تكون في منطقة " النقب" نفسها، بينما يرى البعض الآخر أنها عملت لأغراض أخرى كطقس لإخراج الشياطين من الرأس أو للسماح للأرواح بالدخول إلى الجمجمة!
وحديثا يعتقد بعض الأطباء أن ثقب الجمجمة هو الخطوة الأولى لنشأة جراحة الأعصاب، ويعرف القرن الـ18 بقرن النقب لأن الجراحين الأوروبيين اهتموا بهذه العملية واستخدموها لعلاج الارتجاج والتهاب الدماغ، وعلى مدى قرنين اعتقد الناس فاعليتها الجسدية والروحية، لدرجة أن الفنانة البريطانية أماندا فيلدينج أجرت عملية نقب لجمجمتها بنفسها في 1970، بل طلبت أن تبدأ الصحة الوطنية بتوفير عمليات نقب الجمجمة للمواطنين عندما ترشحت إلى البرلمان، وفي أواخر التسعينيات أصبح النقب موضة!
وأثبتت دراسة علمية حديثة قام بها البروفيسور بيتر هاتشينسون، فاعلية عملية ثقب الجمجمة في علاج أورام الدماغ، بصورة أفضل بكثير من العقاقير الحديثة وحدها، وأنها قد تنقذ آلاف المرضى سنويا، وتمنحهم فرصة للنجاة بمقدار 21 في المائة مقارنة بالذين اعتمدوا على الأدوية فقط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي