النفط على أعتاب عام مليء بالشكوك وتقلبات الأسعار .. نقص السيولة أبرز العوامل
استمرت التقلبات في سوق النفط الخام وسط توترات متلاحقة، خاصة بعد عاصفة الشتاء الأمريكية القاسية "إليوت" التي اجتاحت معظم أنحاء الولايات المتحدة خلال فترة العطلات، حيث أظهرت أن مزودي الطاقة لا يمكنهم التنبؤ بدقة بزيادة الطلب على الطاقة، وأن أنظمة وشبكات الغاز بحاجة إلى الاستعداد بشكل أفضل لظواهر الطقس القاسية.
ولجأ مزودو الطاقة في ولايات أمريكية متعددة إلى تنفيذ انقطاعات مخططة في الكهرباء لإدارة الزيادة في الطلب على الطاقة أثناء فترة العاصفة، حيث أظهرت هذه الأزمة ضرورة الاستمرار في الاعتماد على الوقود التقليدي وصعوبة أن تقوم الرياح والطاقة الشمسية بتوفير كل احتياجات الطاقة.
وأشار محللون نفطيون إلى أن أسعار النفط الخام تعرضت لضغوط هبوطية خلال الفترة الماضية بسبب ارتفاع الدولار، إضافة إلى ضعف السيولة في السوق، بينما في المقابل تكون المكاسب مدفوعة بتصميم الصين على مواصلة تخفيف القيود حتى مع ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كوفيد هناك.
وأوضح المحللون أن التقلبات زادت أيضا في السوق بعد أن أعلن الكرملين حظر تصدير النفط الخام الروسي والمنتجات المكررة إلى المشترين الأجانب الذين يلتزمون باتفاق سقف السعر الذي فرضته مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي.
وقال مفيد ماندرا نائب رئيس شركة "إل إم إف" النمساوية للطاقة، "إن سوق النفط تتسم بحالة عدم اليقين بشكل متزايد، حيث لا تزال التوقعات غير مؤكدة إلى حد كبير"، مبينا أن نجاح الصين في إنهاء سياسة "صفر - كوفيد" قد يكون مفتاح التعافي الاقتصادي، لكن الأمر سيستغرق وقتا لاتضاح الآثار المترتبة على الطلب في النفط الخام.
وأوضح أن مسار أسعار النفط الخام خلال العام الجاري شهد كثيرا من الصعود والهبوط، حيث ارتفعت الأسعار بقوة في أعقاب الحرب الروسية - الأوكرانية ثم تراجعت تدريجيا مع تنامي المخاوف من حدوث تباطؤ عالمي، لافتا إلى أن السوق معرضة لاستمرار حالة التقلبات الحادة بسبب نقص السيولة في العام الجديد.
من جانبه، قال أندرو موريس مدير شركة بويري الدولية للاستشارات، "إن صعوبات السوق النفطية وتعقيد التوقعات تنامت بعدما أصدرت الحكومة الروسية قرارها بحظر توجيه إمدادات النفط الخام إلى الدول التي تلتزم بسقف أعلى لأسعار النفط الروسي، كإجراء مؤقت على الأرجح، قبل فرض قيود لاحقة أكثر صرامة".
وأشار إلى أن السوق حاليا تحت تأثير دخول الحد الأقصى لسعر النفط الخام الروسي، وحظر الاتحاد الأوروبي على واردات الخام الروسي المنقولة بحرا، حيز التنفيذ في 5 ديسمبر، كما سيمتد الحد الأقصى للسعر وحظر الاتحاد الأوروبي إلى صادرات المنتجات النفطية الروسية بدءا من 5 فبراير المقبل، مبينا أن الزبائن الرئيسين الحاليين للنفط الروسي الهند والصين لم يبديا أي استعداد للانضمام إلى اتفاق السقف السعري، حيث أنهم يستفيدون بالفعل من الأسعار المخفضة.
من ناحيته، قال أندريه جروس مدير شركة "إم إم أيه سي" الألمانية، "إن السوق ستواجه تحديات في العام الجديد بسبب القيود المفروضة على الشحن البحري والتأمين والتمويل والمساعدة الفنية، التي تأتي مع فرض سقف سعري، لذا من المتوقع أن تضطر روسيا إلى إيقاف بعض الإنتاج".
وأشار إلى أن جميع المعنيين بالصناعة يراقبون حاليا تطورات أرصدة العرض والطلب والمخزونات النفطية العالمية خاصة مع إعادة فتح الصين واستمرار تشديد البنوك المركزية السياسات المالية والرفع المتكرر لأسعار الفائدة، مبينا أن الصناعات الأوروبية تحديدا تواجه بالفعل أزمة تنافسية حقيقية للغاية ويجب على الحكومات أن تدعم الحصول على طاقة موثوقة بأسعار معقولة.
بدورها، قالت ويني أكيللو المحللة الأمريكية في شركة أفريكان إنجنيرينج الدولية، "إن السوق النفطية تتطلع إلى نشاط تجاري قوي مدعومة بمناخ استثماري مستقر ويمكن التنبؤ به"، لافتة إلى أن عملاق الطاقة "إكسون موبيل" استثمر على مدى الأعوام العشرة الماضية أكثر من ثلاثة مليارات دولار في مشاريع التكرير الكبرى.
وأوضحت أن شركات الطاقة العالمية تقدم مزيدا من منتجات الطاقة إلى السوق الأوروبية حاليا في وقت تكافح فيه أوروبا لخفض وارداتها من الطاقة من روسيا، بينما انتقدت عديد من شركات النفط والغاز الضرائب غير المتوقعة كسياسة، قائلة "إنها لا تساعد على خفض تكاليف المستهلك"، مبينة أن الصناعة على أعتاب عام آخر مليء بالشكوك وبتقلبات الأسعار لأسواق الطاقة والمواد الخام والشحن، حيث نالت الحرب كثيرا من أمن تدفقات النفط والغاز والسلع الأخرى.
وفيما يخص الأسعار، تراجع النفط أمس، إذ أضعف ارتفاع حالات الإصابة بكوفيد - 19 في الصين الآمال في تعافي الطلب على الوقود في ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم.
وبحسب "رويترز"، دفع نطاق التفشي الأخير في الصين والشكوك حيال البيانات الرسمية بعض الدول إلى سن قواعد سفر جديدة على الزوار الصينيين، حتى عندما بدأت بكين في السلطات هناك نظام الإغلاق والاختبار الأكثر صرامة في العالم.
وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت تسليم شباط (فبراير) 42 سنتا، أو 0.5 في المائة، إلى 82.84 دولار للبرميل خلال التعاملات أمس، بينما هبط الخام الأمريكي 50 سنتا، أو 0.6 في المائة إلى 78.46 دولار للبرميل.
وتأثرت أسواق النفط أيضا بتوقعات رفع أسعار الفائدة الأمريكية مرة أخرى في الولايات المتحدة، حيث يحاول مجلس الاحتياطي الاتحادي الحد من ارتفاع الأسعار في سوق العمل التي تعاني شحا.
ومما أثر في الأسعار أيضا، قالت شركة تي.سي إنرجي لتشغيل خطوط الأنابيب "إنها تعمل على إعادة تشغيل جزء من خط أنابيب كيستون، الذي اضطرت السلطات إلى إغلاقه بعد تسرب هذا الشهر".
ومع ذلك، حظيت الأسواق ببعض الدعم من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بحظر تصدير النفط الخام والمنتجات النفطية بدءا من الأول من فبراير لمدة خمسة أشهر إلى الدول التي تلتزم بسقف السعر الغربي.
وقالت ألمانيا "إن الحظر ليس له أهمية عملية"، في ظل عمل برلين منذ الربيع على استبدال إمدادات النفط الروسية وضمان أمن الإمدادات.