إضرابات المملكة المتحدة .. شكوك حول استقلالية هيئات مراجعة الأجور

إضرابات المملكة المتحدة .. شكوك حول استقلالية هيئات مراجعة الأجور

يتم حاليا التشكيك في الطريقة التي تحدد بها أجور القطاع العام في المملكة المتحدة بعد أن أدى التضخم المرتفع والإنفاق الحكومي المتشدد إلى وضع نظام هيئات مراجعة الأجور المستقلة تحت ضغوط شديدة.
ومع وصول مساعي الممرضين وعمال سيارات الإسعاف المضربين إلى طريق مسدود مع الحكومة للتوصل إلى حل لموضوع الأجور، إضافة إلى نتائج اقتراع المعلمين بالإضراب عن العمل المقرر تنفيذه في أوائل كانون الثاني (يناير)، تناقش النقابات بشكل متزايد ما إذا كانت هيئات مراجعة أجور القطاع العام وسيلة عادلة لتحديد الأجور.
كانت الهيئات الثمانية، التي تغطي 2.5 مليون عامل في القطاع العام وتتفاوض على أجور سنوية قيمتها 100 مليار جنيه استرليني، قد صمدت أثناء فترات ارتفاع التضخم في الماضي - خاصة في أواخر الثمانينيات - وكانت حتى الآن تحظى بدعم كل من النقابات والحكومة. لكن الخلافات هذا العام دفعت الثقة بالنظام إلى نقطة الانهيار.
ما حجم الضغط الذي يخضع له نظام مراجعة الأجور؟
ربما تكون هذه الفترة هي الأصعب في تاريخها. تم إنشاء هيئات مراجعة الأجور المستقلة نتيجة النزاعات في 1963 على الأجور بين الحكومة والأطباء العاملين في خدمة الصحة الوطنية، وامتدت بعدها لتشمل 45 في المائة من العاملين في القطاع العام. كان التأييد للهيئات من قبل جميع الأطراف باعتبارها وسيلة لتحديد الأجور التي تحافظ على أجور القطاع العام عند مستوى يتوافق مع الأجور المشابهة في القطاع الخاص عموما.
لكن نقابات القطاع العام فقدت الثقة باستقلالية توصيات هيئة مراجعة الأجور، ويهدد كثير منها الآن بمقاطعة العملية العام المقبل، ويطالبون بدلا من ذلك بإجراء مفاوضات جماعية مباشرة مع الوزراء.
قالت بات كولين، الأمينة العامة للكلية الملكية للتمريض، إن نقابتها "تعرضت للخداع من خلال منح المصداقية لهذه العملية لأعوام" وأن صبرهم الآن بات ينفد.
قالت، "تستخدم الحكومة هيئة مراجعة الأجور كغطاء ولهذا السبب بالتحديد، فإن النقابات تبحث مثلنا بجدية فيما إذا كنا سنشارك بعد الآن".
في أماكن أخرى من القطاع الصحي، قال اتحاد جي إم بي، الذي يمثل سائقي سيارات الإسعاف وآخرين غيرهم، إنه سينسحب من العملية العام المقبل وسيمتنع عن تقديم الأدلة لهيئة مراجعة الأجور التابعة لهيئة الخدمات الصحة الوطنية. قالت نقابة "يونايت"، التي تقول إنها تمثل 100 ألف عامل في القطاع العام، إن الهيئات "غير مؤهلة لهذا الغرض". كما يقول كبار المديرين في قطاع الصحة، الذين يمثلهم مشروع مشترك بين "يونيسون" و"فيرست ديفيجن أسوسييشن"، إن "الوضع سيزداد صعوبة" بالنسبة إلى نظام مراجعة الأجور.
قال كيفن كورتني، الأمين العام المشترك لاتحاد التعليم الوطني، لصحيفة "فاينانشال تايمز" إن نقابات التعليم تفكر على نطاق واسع في مقاطعة العملية العام المقبل، لأن "الحكومة كانت تختبئ وراء ما يسمى باستقلالية هيئات مراجعة الأجور".
في المقابل، يدعم الوزراء هذه العملية بالكامل. قالت وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية إن هيئات مراجعة الأجور تضم خبراء مستقلين في الصناعة كما شجعت النقابات على المشاركة في العملية العام المقبل.
قالت، "إن هيئات مراجعة الأجور تدرس بعناية الأدلة المقدمة إليها من مجموعة من أصحاب المصلحة، ومنهم الحكومة والنقابات العمالية. كما أن توصياتهم مبنية على عدة عوامل منها السياق الاقتصادي، وتكلفة المعيشة، والتوظيف والاحتفاظ بالموظفين، والروح المعنوية والتحفيز لموظفي خدمة الصحة الوطنية".
هل أدى ارتفاع التضخم إلى هذه المشكلات؟
كلا. يقول جيري كوب، الذي شغل منصب رئيس هيئة مراجعة الأجور في خدمة الصحة الوطنية من 2011 إلى 2017، إنه يجب إلغاء مراجعة 2022، مضيفا أن الأدلة التي نظرت فيها الهيئة قد تم جمعها في شباط (فبراير)، وأنه "ربما أصبحت قديمة عند وقت نشر التقرير" في تموز (يوليو).
لكن الهيئة توقعت في تقريرها أن يرتفع التضخم إلى 10 في المائة، وهو ليس أقل بكثير من ذروة تشرين الأول (أكتوبر) التي بلغت 11.1 في المائة، لذلك من غير المرجح أن تكون الزيادات المرتفعة في الأسعار وحدها سببا لهذه المشكلات.
كان على نظام مراجعة الأجور هذا العام أن يتعامل مع الأسعار المرتفعة بالتزامن مع خطط إنفاق الإدارات الحكومية لمدة ثلاثة أعوام التي افترضت حدوث تضخم بـ2 في المائة، فضلا عن فترة طويلة من النمو الاقتصادي الضعيف الذي أدى إلى إيرادات ضريبية مخيبة للآمال. علاوة على ذلك، أصبحت المملكة المتحدة أكثر فقرا، حيث يتعين عليها دفع أسعار أعلى للطاقة التي يتم استيرادها في الغالب.
نتيجة لذلك، كان أداء مستويات أجور القطاع العام ضعيفا مقارنة بالقطاع الخاص. نمت أجور القطاع الخاص في الأشهر الثلاثة حتى أكتوبر بمعدل سنوي بلغ 6.9 في المائة مقارنة بـ2.7 في المائة في القطاع العام.
على النقيض من ذلك في أواخر الثمانينيات، عندما بلغ معدل التضخم الرئيس آنذاك 10.9 في المائة، كان نمو الإنتاجية أقوى وكانت مراجعات الإنفاق تجري بصورة سنوية - لذلك كان بالإمكان التكيف بسرعة مع التضخم المرتفع. كما ارتفعت عائدات الضرائب بشكل كبير، والتزمت الحكومة بتوصيات هيئة مراجعة أجور الخدمات الصحية الوطنية التي حافظت على الأجور بما يتماشى مع التضخم.
قال البروفيسور ريتشارد ديزني من جامعة ساسيكس، الذي كان عضوا في كثير من هيئات مراجعة الأجور في السابق، إن الفجوة بين عرض الحكومة لزيادة الأجور 3 في المائة ومطالب النقابات بـ19 في المائة، تشير إلى فقدان الثقة بالنظام بشكل مضر.
حذر قائلا، "المطالبات بإلغاء هيئات مراجعة الأجور خاطئة، هذا يخاطر باستجرار هيئة مستقلة إلى ما أصبح الآن نزاعا صناعيا بين الحكومة ونقابات موظفي هيئة الخدمات الصحية الوطنية".
هل هيئات مراجعة الأجور مستقلة؟
يتم تعيين أعضاء هيئات تحديد الأجور من قبل الوزراء، لكن وفقا لكوب فهم "يحافظون على استقلاليتهم بشراسة".
لكن قادة النقابات يشتكون من أن استقلالية الأفراد الذين يترأسون الهيئات معرضة للخطر، لأن الحكومة ترسم صلاحياتهم وتطلب منهم مراعاة قيود القدرة على تحمل التكاليف وخطط الإنفاق على مستوى الإدارات وهدف الحكومة لمعدل التضخم بـ2 في المائة.
قال ديزني إن هذه الشروط قيدت ما تستطيع أن تحدده الهيئات على أنه تسوية عادلة. قال، "إنك لا ترغب في التوصية بشيء من المرجح أن يرفضه الوزراء".
لكنه أضاف أن الهيئات تتمتع اليوم باستقلالية أكثر مما مضى - مثلما كانت مضطرة إلى فرض تجميد أجور القطاع العام بتكليف من الحكومة في أعوام التقشف التي تلت 2010.
قال بن زارانكو، كبير الخبراء الاقتصاديين في معهد الدراسات المالية، إن خطط الإنفاق لوزارة الخزانة لعبت دورا كبيرا في نتائج توصيات مراجعة الأجور، وبينما كانت القدرة على تحمل تكاليف الأجور مهمة، فإن الأجزاء الأخرى من صلاحيات الهيئات لم يكن لها معنى.
قال، "لا يوجد سبب لقيام هيئات مراجعة الأجور بضبط أجور القطاع العام للتأثير في التضخم على مستوى الاقتصاد"، مضيفا أن هذه مهمة بنك إنجلترا.
هل هناك حل للطريق المسدود مع النقابات؟
بدأت الحكومة بالفعل في مراجعة الأجور لـ2023 ومع مناقشة النقابات حول ما إذا كانت ستشارك فيها، هناك حاجة تدعو إلى حل النزاع حول 2022 حتى يكون لعملية العام المقبل معنى.
كما قال ديزني إن الأمر سيستغرق وقتا طويلا لعكس الانخفاض في رواتب القطاع العام بالنسبة إلى القطاع الخاص في مراجعة الأجور لـ2023، لذلك حث الوزراء على إيجاد أموال إضافية لمنح دفعة واحدة غير موحدة في هذه الأثناء من أجل تسوية النزاعات.
قال، "لا شك أن وزارة الخزانة ستقاوم المبالغ الكبيرة في مواجهة استراتيجيتها لمكافحة التضخم، لكن (...) الزيادات في الأجور تمثل خطرا أقل كثير لزيادة معدل التضخم مقارنة ببعض العوامل الأساسية الأخرى"، مثل أسعار الطاقة.

الأكثر قراءة