حرب النجوم .. سباق الهيمنة على الفضاء قادم

حرب النجوم .. سباق الهيمنة على الفضاء قادم

شهدت الأعوام القليلة الماضية حروبا تجارية وحروبا ساخنة. لكن قد يجلب هذا العام حرب النجوم، حيث يصبح الفضاء - "الحد الاقتصادي النهائي" - محور سباق عالمي للهيمنة من كل من الجهات العامة والخاصة.
نمت "سبيس إكس" التابعة لإيلون ماسك و"بلو أوريجين" لجيف بيزوس و"أوربيتال أيه تي كيه" و"فياسات" و"إس إي إس" و"ون ويب" وأكثر من عشرة آلاف شركة تجارية أخرى في قطاع الفضاء على مدار العقدين الماضيين لتصبح قطاعا مزدهرا يعرف باسم "الفضاء الجديد"، تنصب جهود القطاع على التوسع في الوصول إلى الفضاء الخاص وصيانة المحطات الفضائية إلى عمليات الأقمار الأصطناعية، وتكنولوجيا الدفاع، وتحليلات البيانات، وحتى مجالات خيالية أكثر مثل السياحة الفضائية والتصنيع وتعدين الكويكبات.
"سبيس إكس" أشهر لاعب مؤثر جديد في مجال الفضاء، حيث أطلقت آلاف الأقمار الأصطناعية للاستخدام العام والخاص. أبقت خدمة ماسك "ستارلينك" الإنترنت الأوكراني مشغلا حتى مع إغلاق القوات الروسية الاتصالات السلكية واللاسلكية الأخرى. لكنها أصبحت أيضا هدفا محتملا لجيش موسكو، حتى عندما كان ماسك يساوم البنتاجون على تكلفة استمرار اتصال الأوكرانيين بالإنترنت.
هذا يبرز الجدل المتزايد بشأن من له أن يتحكم في اقتصاد الفضاء، الذي بلغت قيمته 469 مليار دولار في 2021، وفقا لمؤسسة سبيس فاونديشن غير الربحية، ويتوقع بنك أوف أمريكا أن يصبح صناعة بقيمة 1.4 تريليون دولار بحلول 2030.
ارتفعت الإيرادات في قطاع الفضاء التجاري 6.4 في المائة عن 2020، وفقا لتقرير الفضاء لـ2022 الصادر عن "سبيس فاونديشن"، حيث كان جزء كبير من النمو مدفوعا بزيادة 19 في المائة في الإنفاق الحكومي على برامج الفضاء العسكرية والمدنية "ارتفع إنفاق الهند 36 في المائة، تليها الصين 23 في المائة، ثم 18 في المائة في الولايات المتحدة".
في حين كان يدور استكشاف الفضاء حول البرامج المدعومة من الدولة التي تركز على الأمن القومي والفخر الوطني والبحث العلمي، بدأت الولايات المتحدة في التراجع عن سيطرة الحكومة المركزية على الفضاء بعد حادثتي تحطم مكوك فضائي مميتتين "تشالنجر في 1986 وكولومبيا في 2003". أدى ذلك إلى توصل لجنة رئاسية معنية بسياسة استكشاف الفضاء الأمريكية في 2004 إلى أن "دور (ناسا) يجب أن يقتصر فقط على تلك المجالات التي يوجد فيها إثبات قاطع على أن الحكومة وحدها يمكنها تنفيذ النشاط المقترح".
في حين إن برامج الأقمار الاصطناعية المشتركة بين القطاع العام والخاص كانت موجودة منذ الستينيات، فإن المجموعات الجديدة من شركات الفضاء التجارية لم تبدأ أعمالها إلا بعد أن بدأ ينتهي برنامج مكوك الفضاء "وتم إلغاؤه في النهاية في 2011". أجرى الكونجرس تغييرات على حوافز التمويل ووضع سياسة جديدة "برنامج خدمات النقل المداري التجاري" لتشجيع الخصخصة. أصبحت "ناسا" والوكالات الحكومية الأخرى عميلة لجهات متعاقدة خاصة في قطاع الفضاء، بدلا من أن تصبح مبتكرة لتكنولوجيات جديدة أو حتى مشرفة عليها.
كما هي الحال مع جميع عمليات الخصخصة، كانت الفكرة هي خفض التكاليف وزيادة الابتكار. تظهر بيانات "ناسا" من 2014 أن "سبيس إكس" كانت قادرة على تسليم كيلوجرام واحد من الحمولة إلى محطة الفضاء الدولية بنحو ثلث سعر المكوك الفضائي. تؤدي الرحلات الخاصة الآن أغلبية مهام إعادة الإمداد للمحطة الفضائية، بل وتنقل بعض أفراد الطاقم.
لكن حسبما جادل ماثيو وينزيرل، البروفيسور في كلية هارفارد للأعمال، في حين انخفضت التكاليف وزاد الإبداع في إعادة استخدام المواد والمعدات، زادت القوة الاحتكارية أيضا. يمكن لحفنة من شركات الفضاء الجديدة الصعود على ظهر "ناسا" والاستفادة من تكنولوجياتها التي استغرق تطويرها عقودا، في حين لم تجن الشركات المتعاقدة القديمة التي أسهمت في إنشائها أي ربح. لم يحصل دافعو الضرائب الذين مولوا البحث الأساسي على حصة في الثروة التي يحققها أصحاب المليارديرات في الفضاء، أكبر المشاعات العامة على الإطلاق.
من نواح كثيرة، يعكس هذا تفاوت القوى بين القطاعين العام والخاص، الذي شوهد في بناء ثروات السكك الحديدية في القرن الـ19 "ما أدى إلى آخر حقبة عظيمة من مكافحة الولايات المتحدة لقوى الاحتكار في الثلاثينيات" أو في الاتجار بالإنترنت، حيث حققت حفنة من شركات التكنولوجيا الكبرى أرباحا أكثر من الشركات الأخرى.
لكن سباق الفضاء الجديد أكثر تعقيدا بكثير، بسبب حجمه واحتمال حدوث أضرار. أصبحت المخلفات الفضائية - بما فيها الأقمار الاصطناعية غير الصالحة وأجزاء المركبات الفضائية والنفايات الناتجة عن الاصطدامات بينها - تمثل عامل خطر رئيسا في الرحلات الفضائية. لكن لا يوجد إجماع على من عليه أن يدفع ثمن تبعات الاصطدامات أو ينظفها أو يحكم فيها. لا يزال القانون الرئيس الذي يحكم المشاعات الفضائية هو معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967 التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة، التي لم يرد فيها كثير عن تكنولوجيات الفضاء الحديثة. هي ببساطة تحظر نشر الأسلحة النووية أو غيرها من أسلحة الدمار الشامل في الفضاء.
قد يجادل المتفائلون بأن الأرباح المحتملة من تسويق الفضاء ستغطي ما هو أكثر من تكاليف تنظيف الحطام، أو أن تنظيما أفضل سيتبع الابتكار بشكل طبيعي. لكن من السهل جدا تخيل أي عدد من كوارث الخيال العلمي، بدءا من إنشاء مستعمرات خارج العالم، حيث يتمكن الأغنياء من الهرب من مشكلات هذا الكوكب "مقابل ثمن"، إلى أصحاب المليارات الأشرار الذين يكتنزون المعادن الأرضية النادرة في الفضاء. من المثير للدهشة، كما أشار فاينزيرل، أن لوكسمبورج تهيئ نفسها بالفعل لتصبح لشركات الفضاء مثلما هي ولاية ديلاوير للشركات الأمريكية التي تسعى إلى تجنب الضرائب.
هذا أمر غير مقبول. لكن معالجة هذه القضايا وعدد لا يحصى من القضايا الأخرى الناجمة عن استغلال الفضاء التجاري ستتطلب نوعا من التعاون العالمي، الذي يفتقر إليه كوكب الأرض حاليا.

الأكثر قراءة