ملتقى النقد والسرديات يرسخ لروايات وقصص تأبى النسيان

ملتقى النقد والسرديات يرسخ لروايات وقصص تأبى النسيان
الشاعر الدكتور عبدالعزيز خوجة أحد أبرز حضور الملتقى.
ملتقى النقد والسرديات يرسخ لروايات وقصص تأبى النسيان
من جلسات ملتقى النقد والسرديات.
ملتقى النقد والسرديات يرسخ لروايات وقصص تأبى النسيان
د. معجب العدواني متحدثا عن رواية "حوش عباس".

القصة فن خيبة الأمل، كما يصنفها نقاد، أما الرواية فهي في مرتبة أكثر رحابة، كون القاص عانى طويلا التهميش والتجاهل، بخلاف روائيين حضروا في المشهد الأدبي من أول رواية، جنبا إلى جنب مع الشعراء، وفي المحصلة، يتأرجح وصف كتاب القصة القصيرة بين القاص، وكاتب قصة، وسارد.
هذا الرأي النقدي وغيره هو بطبيعته قطرة من بحر النقد الذي شهده ملتقى النقد والسرديات، ونظمته الموسوعة العالمية للأدب العربي "أدب"، بدعم وتمكين من هيئة الأدب والنشر والترجمة، واختتم فعالياته قبل أيام في جدة، بحضور نخبة من الروائيين الذين أثروا جلسات الملتقى الثماني بالتجارب السردية والقراءات الناقدة.
7 أبواب ونافذة واحدة
على لسان القراء، وفي إحدى جلسات الملتقى، يتساءل الدكتور معجب العدواني أستاذ النقد والنظرية في جامعة الملك سعود: كيف تقاس المتعة في الرواية؟ أو ما الطرائق التي يمكن أن تقدم بها تلك المتعة؟ هذان سؤالان مهمان يضعان القارئ في رحلة بحث مستمرة، للحصول على إجابات ما.
ويرى الدكتور العدواني أنه "من المفيد أن نعرف أن إثارة هذين السؤالين لا يمكن أن تظهر بعد قراءة عمل رديء، لكنها تتراءى لنا بعد قراءة الأعمال الجيدة والمقبولة"، نأخذ مثالا على ذلك عبر استحضار ما يردده بعضهم "إن المدن كالنساء"، ولعلي أضيف هنا: "إن الروايات كالمدن لها ملامحها ومخابرها الجاذبة أو المنفرة، مع أن هناك بعض المدن التي تتشابه في أوقات محددة"، مستشهدا برواية "حوش عباس" للروائي جابر مدخلي "ثمة مدن وقرى تتشابه في سكون الليل وهدوئه، وإن اختلفت في عاداتها وتقاليدها"، فنتفاعل معها إيجابا أو سلبا، ونعيش مع ما تصنعه لنا من آمال أو تحدثه من آلام بمستوى لا يتفاوت كثيرا في تقبله أو رفضه طالما كانت روح الحب مغلفة لما يحدث لنا".
وتابع الدكتور معجب العدواني في حديثه "إننا لن نستبعد أن تكون الروايات كالأشخاص، تميل ذاكرتنا إلى استحضار الصور الجميلة عن الأشخاص والمدن، واستبعاد الصور القبيحة، إنها ممثلة في إسهام النسيان في صناعة ذلك الفارق التمهيدي، فالأعمال الروائية الرديئة لن يكون لها حضورها لدى القارئ، ولو كان ذلك بوصفها رواية رديئة".
رواية تدفعنا إلى مزيد من الأسئلة
عودا إلى رواية "حوش عباس"، يصفها العدواني بأنها الرواية التي تأبى ببساطة أن تكون مادة للنسيان، وتحرص على أن تستجلب سؤالي طرائق بناء المتعة وقياسها، وتدفعنا إلى مزيد من الأسئلة، وما ترسيخ الأبواب السبعة التي تتوسل إلى قياس تلك المتعة إلا محاولة لضبط ما يثار من رؤى وأفكار بعد قراءتها.
كان اقتراح سبعة أبواب للرواية ونافذة متصلا بكونها قابلة لمداخل نقدية متباينة، ما يلائم هذه التجربة الروائية جيدا، ومستنبتا من إطارها المكاني، نلحظ أن هذه الأبواب أدوات دخول، والنافذة أداة خروج بصري أولي، ليكون هذا العمل مغريا بالدخول بوجود أبوابه السبعة، ولهذا كانت تلك العوامل الإيجابية أبوابا يبنى عليها العمل، لتحديد طرائق للمتعة، وما الذي يجعل الجميل جميلا فيه.
فن خيبة الأمل
من عالم الرواية إلى عالم القصص، ويتحدث عبدالله العقيبي الكاتب والناقد عن شهادة نقدية في محبة قصص عبدالله ناصر، وكان رأيه صادما في شهادته، حينما قال "إن القصة القصيرة فن خيبة الأمل، فما بالك بفن القصة القصيرة جدا"، معللا ذلك بأن معظم الكتاب الذين اكتفوا بكتابتها تاريخا ظلوا يعانون التهميش والتجاهل، فبخلاف الرواية التي ينعم كتابها - حتى أصحاب التجارب الإجرائية منها - بالحضور في المشهد الأدبي من أول رواية، حتى بات وصف الروائي يضاهي وصف الشاعر، بينما كتاب القصة القصيرة يتأرجح وصفهم بين القاص، وكاتب قصة، وسارد، ونادرا ما تجد كاتب قصة قصيرة يعرف نفسه بهذه الأوصاف المتذبذبة، وهذا الأمر يعود إلى عدم فهم كثير من النقاد والقراء المفاهيم العميقة لهذا الفن، حتى بات كثير منهم يطبق قواعد ومصطلحات الرواية على هذا الفن العصي.
وتناول العقيبي مفهوم القصة القصيرة، ونشر شهادته النقدية عن ناصر عبر مدونته الإلكترونية، مبينا أن أكبر دليل على فرادة تجربة عبدالله ناصر القصصية هو قبولها، قبولها لدى النقاد الذين كتبوا عنها واستجلوا جمالياتها، وقبولها لدى عموم القراء، وقد تعدى هذا القبول حدود المحلية، كان هذا القبول بدون ضجيج، أو ملاحقة من الكاتب نفسه، الضجيج أتى من داخل التجربة، وهذا شأن التجارب الفريدة، تربك المياه الراكدة وتقلق الجو الفني العام، ولن أبالغ لو قلت إن تجربة عبدالله ناصر إحدى التجارب العربية القليلة التي أعادت إلى القصة القصيرة وهجها، فعل عبدالله ذلك بذكاء من يدلف إلى المكان من الباب الخلفي، فلم تأت تجربته الأولى "فن التخلي" لتتحدى الأنماط القصصية الراسخة، فلم تتناص إلا مع نفسها، في اللحظة التي كانت فيها القصة القصيرة محليا وعربيا ترزح بالاختصارات، اختصار الرواية إلى قصة، أو تعويم المقالة وعسفها لتصبح قصة فكرية ممجوجة، وحين أتبعها بالمجموعة الثانية "العالق في يوم أحد" اتضح للجميع أن عبدالله ناصر لم يكن زائرا سريعا لحقل السرد الجمالي، بل مقيما إقامة دائمة، وبات له قراء ينتظرون ويتطلعون إلى جديده، وأنا واحد من هؤلاء.

أين تنتهي القصة؟
العقيبي في شهادته المطولة يرى أن الفنتازيا في جوهرها تعتمد على الإبهار، ويعتمد المنطق في أساسه على الحقيقة، وقصص عبدالله ناصر في تكوينها تحاول البحث عن الحقيقة بطريقة مبهرة، وهذا ما يبرر التذاكي في قصصه، فالقارئ يغفر له كل مرة هذا التذاكي، ومن ثم يغفر له خذلان أفق توقعه، لأن عبدالله ناصر يجيد اللعب في هذه المنطقة.
ويقرأ من قصة "لا مبالاة"، "يعيش بوجه الحائط، بنفس الطول والسمك والعبوس"، لاحظ المحددات المنطقية، تنتهي القصة بالحقيقة التي يحاول إلصاقها بجمود وجه الشخص اللامبالي الحائطي "فمن وجهة نظره الخاصة ليس هناك ما يدعو إلى الضحك في هذه الدنيا، كما ليس هناك ما يدعو إلى البكاء"، وأنت لا تدري يقينا هل أراد الكاتب وصف وجه الجدار، أم وجه الشخص اللامبالي، وعلى الأغلب لن تهتم، فالقصة لدى عبدالله ناصر بهذين الوجهين على الدوام، لكن المقدرة الإبداعية هي التي ستنقذ قصصه من السقوط في سؤال: ثم ماذا؟ لن يسأل القارئ على الأغلب هذا السؤال، لأن سلطة الإقناع تسربت إليه عبر المقدرة الإبداعية التي يتميز بها، وهي مقدرة متعلقة دائما بلحظة الوقوف، أين تنتهي القصة؟
أدوات القاص المتطورة
الدكتورة كوثر محمد القاضي أستاذ السرديات في جامعة أم القرى كانت لها شهادة نقدية في الملتقى عن القاص حسن آل عامر الألمعي، الحاصل على جائزة أبها للثقافة عن القصة القصيرة عام 2005، صدرت له ثلاث مجموعات "المتشظي" و"نصف لسان"، والمجموعة الأخيرة "بقايا وجه"، وعدت المجموعة الأولى "المتشظي" - في رأي كاتبها - تمرينا على الكتابة، ومدخله إلى القصة القصيرة، حتى بدأ يتمكن من الكتابة في مجموعته الثانية "نصف لسان" التي امتلك فيها أدواته السردية، حتى اقترب من تخوم الرواية في قصة من قصصها هي قصة "البصمة"، أما المجموعة الثالثة "بقايا وجه" فقد حلق فيها إلى أجواء فانتازية ورمزية.
ووفقا للدكتورة القاضي، فإن اللغة في القصتين لا تخرج عن إطار الوصف الذي يشمل المجموعة كلها، لكنه الوصف المزجي الذي يجمع بين الوصف الظاهري والداخلي معا، فهو يجمعهما ويفسر محيطهما، وهو متعلق بالنفس البشرية أكثر، وهنا يبدو تشخيص الجمادات أكثر من خلال هذا النوع من الوصف.
وفي المجموعة الأخيرة "بقايا وجه"، تقرأ الدكتورة كوثر القاضي أن أدوات القاص تطورت تطورا كبيرا، فقصصها تنحو إلى الخط التجريبي والإسقاط على الواقع كذلك، لكن بلغة رمزية وفانتازية، وتعدها قصصا حداثية جدا، مع أنها تستفيد من الموروث الثقافي للمكان والقدرة على استحضار التفاصيل الدقيقة فيه، وتعتقد أن القاص انطلق من موروث القرية الحاضر دائما في قصصه إلى تلك الفانتازيا التي أصفها بأنها أصيلة، غير مجلوبة من الآخر.
وشهد الملتقى الأول للنقد والسرديات حضورا نوعيا، وسجل حضورا لأدباء أثروا الساحة الثقافية السعودية، مثل الدكتور عبدالعزيز خوجة الشاعر ووزير الإعلام الأسبق، وأكثر من مائة ناقد وأديب وروائي ومهتمين، وسط دعوات إلى تنظيم ملتقى للنقد والشعريات، أطلقها الدكتور سعود الصاعدي.

الأكثر قراءة