أسواق التجزئة الأمريكية .. موسم تسوق مليء بالمطبات
امتد طابور الانتظار أمام متجر فيفث أفينيو ليجو حول الحي في وقت الغداء هذا الأسبوع، حيث كان سكان نيويورك والسائحون يتدافعون لانتزاع هدايا عطلة الكريسماس في اللحظة الأخيرة من الرفوف في ظل نموذج من القوالب البلاستيكية لمركز روكفلر القريب.
أصبحت منطقة التسوق الرئيسة في مانهاتن مزدحمة مرة أخرى بعد موسمين من العطلات أثناء الجائحة تميزا بمخاوف صحية ونقص في الإمدادات. في نهاية عام شهدت فيه الولايات المتحدة أعلى معدلات التضخم منذ أربعة عقود، كانت مرونة إنفاق المستهلكين إحدى المفاجآت الاقتصادية لهذا العام.
رغم ارتفاع أسعار كل شيء بداية من البقالة إلى البنزين، ومضاعفة معدلات الرهن العقاري والعناوين الرئيسة التي تحذر من ركود محتمل في 2023، لا يزال الأمريكيون ينفقون بحرية - ويوفرون دعامة مهمة للاقتصاد.
يتوقع الاتحاد الوطني لتجارة التجزئة أن تنمو مبيعات التجزئة في الولايات المتحدة خلال العطلات هذا العام بنسبة تراوح بين 6
و8 في المائة مقارنة بمبلغ 889 مليار دولار القياسي المسجل في 2021. يشير بعض العلامات التجارية إلى موسم أقوى من ذلك الموسم، حيث قالت شركة نايكي الأربعاء، إن إيراداتها في أمريكا الشمالية ارتفعت بأرقام مكونة من خانتين خلال الجمعة السوداء وأسبوع الإنترنت.
في هذا الأسبوع أيضا، سجل مؤشر ثقة المستهلك الصادر عن مجموعة كونفرنس بورد أعلى قراءة له في ثمانية أشهر، ما أدى إلى انتعاش الأسهم الأمريكية ما جعل المستثمرين يتساءلون عما إذا كان هذا يشير إلى أن الركود قد يتم تفاديه.
يصعب العثور على هذا الطلب المنتعش من المستهلكين في أوروبا، حيث تسهم تكاليف الطاقة المرتفعة وأسعار الفائدة المرتفعة في أزمة تكلفة المعيشة التي تضر بشكل خاص بكثير من الأسر ذات الدخل المنخفض. قالت وكالة يوروستات هذا الشهر إن مبيعات التجزئة تراجعت 1.8 في المائة في تشرين الأول (أكتوبر). مع ذلك، يعتقد كثير من الخبراء الاقتصاديين أن الانكماش في الاقتصاد الأوروبي سيكون أكثر ضحالة مما كان متوقعا في بداية الأزمة بين روسيا وأوكرانيا.
بالنسبة إلى صناع السياسة في الولايات المتحدة، تثير التجربة الأوروبية السؤال حول المدة التي يمكن للمتسوقين الأمريكيين أن يستمروا فيها في تحدي توقعات المتشائمين. هل يؤخر الإنفاق القوي خلال عيد الميلاد ببساطة ركودا لا مفر منه؟
بعيدا عن الصخب في العلامات التجارية الكبرى الرائدة، هناك بالفعل دلائل على أن المتسوقين الأمريكيين أصبحوا أكثر حذرا، وأن كثير من العوامل التي جعلتهم يستمرون في الإنفاق بدأت في التراجع.
إن الرغبة في الحصول على مجموعات ميلينيوم فالكون ليجو بسعر 850 دولارا أو البدلات المرصعة المعروضة في نوافذ متجر ساكس فيفث أفينيو، لا تهم فقط تجار التجزئة على الجانبين المتقابلين لشارع التسوق الرئيس في نيويورك. هناك قليل من المؤشرات الاقتصادية التي يراقبها الاحتياطي الفيدرالي أكثر من صحة المستهلك الأمريكي.
قال جاي باول، رئيس البنك المركزي الأمريكي، في مؤتمر صحافي في حزيران (يونيو)، "سيكون من الصعب مراقبة أي شيء من كثب أكثر من مراقبتنا الإنفاق الاستهلاكي".
في الوقت الذي يحاول فيه البنك المركزي بنشاط تهدئة الاقتصاد من أجل السيطرة على التضخم المرتفع لعقود، فإن كبح الطلب على البضائع والخدمات المختلفة عن طريق رفع تكاليف الاقتراض سريعا يعد أمرا أساسيا لجهوده.
منذ آذار (مارس)، رفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة القياسي لسياسته من نحو 0 إلى أقل من 4.5 في المائة، وأشار إلى نيته لاتخاذ مزيد من الإجراءات العام المقبل. يتوقع معظم المسؤولين الآن أن يرتفع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى مستوى يراوح بين 5 و5.25 في المائة. حذر كثيرون، بمن فيهم باول، من أنهم قد يحتاجون إلى رفع سعر الفائدة إلى مستويات أعلى إذا ثبت أن التضخم أكثر عنادا من المتوقع.
مع ذلك، تستغرق تعديلات السياسة النقدية وقتا للتخلل في الاقتصاد والبدء في تغيير سلوك المستهلك. حتى الآن، أثرت تكلفة الاقتراض المرتفعة بشكل طفيف في الإنفاق - ما يعكس المرونة التي قالت ماري دالي، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، الأسبوع الماضي إنها "مفاجئة".
تقول ميشيل ماير، كبيرة الاقتصاديين الأمريكيين في معهد ماستركارد إيكونوميكس، "لقد استخف الناس بتصميم وقدرة المستهلك الأمريكي على الإنفاق طوال 2022. هذا يعكس مصادر القوة الشرائية التي تمتع بها المستهلك طوال 2022 وسيواصل الاعتماد عليها في 2023".
كان الأمريكيون غارقين في فرص العمل معظم هذا العام، حيث سارعت الشركات للتغلب على النقص الطاحن في العمال، ولا سيما في قطاعات الخدمات مثل الضيافة والسفر. أدى ذلك إلى ارتفاع الأجور، التي أصبحت الآن أعلى 6 في المائة مقارنة بمستواها في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، وفقا للاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا. لا يزال معدل البطالة قريبا من أدنى مستوياته قبل الجائحة، عند 3.7 في المائة.
مع ذلك، فإن الدفعة الكبيرة للقوة الشرائية للأسر الأمريكية تمثلت في المدخرات "الزائدة" البالغة 2.2 تريليون دولار التي جمعتها بفضل حزم التحفيز المالي التاريخية التي أقرها المشرعون الأمريكيون لتقليل الضرر الاقتصادي الناجم عن أزمة كوفيد.
يعتقد الخبراء الاقتصاديون في مصرف سيتي جروب أن الأمريكيين أنفقوا الآن نحو 700 مليار دولار من هذا المبلغ. كما بدأ كثيرون في أخذ مزيد من القروض، تقترب ديون بطاقات الائتمان، التي انخفضت في وقت مبكر من الجائحة حيث دفع الأشخاص الذين لديهم خيارات أقل للإنفاق أقل من المستحقات، الآن من مستويات ما قبل كوفيد. مع ذلك، لا تزال مستويات الدين الاستهلاكي باعتباره حصة من الدخل القومي المتاح أقل من المتوسط في 2019.
كتب محللو مصرف سيتي جروب في مذكرة بحثية حديثة، "تدخل الأسر 2023 بميزانيات عمومية على الأقل بالقوة نفسها لمستويات ما قبل الجائحة وببعض المقاييس بمساحة أكبر لتحمل مزيد من الديون. ينبغي أن يساعد ذلك على دعم الإنفاق في النصف الأول من 2023، حتى إذا ظل نمو الأجور الحقيقي سلبيا وتباطأ نمو الوظائف بشكل أكبر".
مع ذلك، ليس هذا ما يعتمد عليه كل بائع تجزئة. على بعد مبنيين من "فيفث أفينو" من متجر ليجو، كان متجر هوليستر لبيع الملابس يروج بشكل بارز لصفقات "تخفيضات العطلات" بما في ذلك بيع معاطف وسترات ثمنها 49 دولارا بسعر 20 دولارا. كان خلاط كيتشين أيد بقيمة 350 دولارا، الذي تم تخفيضه بمقدار 100 دولار، من بين صفقات اللحظة الأخيرة عبر الإنترنت في متجر بيد باث أند بيوند، سلسلة البضائع المنزلية التي أدت مبيعاتها المتدهورة إلى تداول سنداتها عند مستوى أقل كثيرا من القياسي.
كتبت إيلين زينتنر، كبيرة الخبراء الاقتصاديين الأمريكيين في مصرف مورجان ستانلي، للعملاء الأسبوع الماضي، "الرياح المعاكسة في العام الماضي تلحق بالمستهلكين وتجبرهم على أن يكونوا أكثر تحفظا خلال التسوق في العطلات هذا الشتاء. بينما سارع المستهلكون في العام الماضي إلى شراء الهدايا في وقت مبكر بسبب انخفاض المخزونات، ينتظر 70 في المائة من المستهلكين هذا العام الخصومات قبل بدء التسوق في العطلات".
أدى الطلب المكبوت على تناول الطعام في الخارج، والترفيه والسفر إلى تحويل الإنفاق من البضائع إلى الخدمات مع انحسار الجائحة. تأثرت المشتريات باهظة الثمن مثل الأجهزة، والأثاث والسيارات، لكن الآن تشير سلاسل المتاجر التي تخزن سلعا ميسورة التكلفة إلى أن عملاءها يبحثون عن الصفقات التوفيرية أو تبديل الأشياء القديمة بجديدة.
أشارت أحدث مجموعة من تقرير "بيج بوك" لفروع الاحتياطي الفيدرالي عن الملاحظات السردية للبنوك الاحتياطية الإقليمية إلى أن التضخم كان يدفع المتسوقين، ولا سيما ذوي الدخل المنخفض، إلى "سلع ذات أسعار منخفضة ومتاجر منخفضة الأسعار". ووجد الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي انخفاض عمليات قص الشعر في صالونات الحلاقة، حتى مع ازدهار أماكن الترفيه الراقية.
يروي كثير من الشركات التي تواجه المستهلك قصة مشابهة، حيث اشتكت شركة سميث أند ويسون خلال إعلان أرباح هذا الشهر من أن المبيعات قد تضررت جراء اختيار المستهلكين بنادق أقل ثمنا. شهدت شركة تشرش أند دوايت الأشخاص يستبدلون خيط تنظيف الأسنان من شركة ووتربيك بقيمة 100 دولار إلى منتجات بديلة بقيمة 50 دولارا، ومن سلة مهملات فضلات القطط الممتازة إلى طرازات بديلة ذات قيمة توفيرية. أشارت "دولار جنرال"، سلسلة لبيع المنتجات المخفضة، إلى أن عددا متزايدا من العملاء يختارون السلع ذات العلامات التجارية الخاصة أو يتسوقون في وقت قريب من يوم الدفع.
هذا وقد أصبحت مثل هذه التحولات في الإنفاق واضحة في جميع أنحاء العالم. حيث وجدت دراسة حديثة أجرتها شركة ماستر كارد أن التضخم المرتفع في أسعار المواد الغذائية يدفع المستهلكين بداية من البرازيل إلى إندونيسيا إلى التسوق بعدد مرات أكثر، لكن الإنفاق بشكل أقل في كل زيارة، على أمل تجنب الهدر وإدارة ميزانياتهم.
هناك مشكلات تكمن في المستقبل. أولها أن الحد الأقصى المتوقع لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية في العام المقبل يراوح بين 5 و5.25 في المائة، على الرغم من أن جاي باول حذر من أنه قد يرتفع أكثر في ظل ظروف معاكسة. كما توقع الاحتياطي الفيدرالي أن يكون معدل البطالة 4.6 في المائة في 2023، بالنظر إلى أن الشركات قامت بخفض عدد الوظائف الشاغرة. أيضا، سجلت المملكة المتحدة تراجع 10 في المائة في الإنفاق خلال رحلة تسوق لشراء حاجيات البقالة في المتوسط في 2022، على الرغم من أن الرحلات كانت أكثر تواترا. من المتوقع أن يتكرر هذا النمط في الولايات المتحدة العام المقبل.
في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، قام المستهلكون برحلات أكثر بـ37 في المائة إلى متاجر البقالة في أيلول (سبتمبر) الماضي مقارنة بسبتمبر 2019، لكن إنفاقهم كان أقل بـ10 في المائة في كل رحلة. خلص التقرير إلى أن "رد فعل المستهلك في المملكة المتحدة يعطينا لمحة عامة عما سيحدث في 2023 في مناطق أخرى، مثل أستراليا، وكندا والولايات المتحدة".
بالنسبة إلى خبراء الاقتصاد الذين يراقبون المستهلكين الأمريكيين، فإن أكبر ورقة جامحة هي مدى ارتفاع معدل البطالة بشكل كبير. حيث تلاحظ ماير أن الأشخاص الذين يشعرون بأن وظائفهم في خطر أو أنهم لن يتمكنوا من العثور على وظيفة جديدة، قد يكونون أقل ميلا للسحب من المدخرات أو تحمل مزيد من الديون.
تؤكد أن الأمر قد لا يتطلب الأمر خسائر كبيرة في الوظائف و"انهيار" في إنفاق المستهلكين لكي يشعر الاحتياطي الفيدرالي بالقدرة على التراجع عن حملته الأكثر صرامة، لتشديد السياسة النقدية منذ الثمانينيات. بدلا من ذلك، سيتطلب الأمر اعتدالا في نمو الوظائف وتخفيف ضغوط الأجور، مع ارتفاع معدل البطالة إلى 4.7 في المائة.
يتماشى هذا مع التوقعات الأخيرة من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي، الذين يؤكدون أن الاقتصاد الأمريكي يمكن أن يتجنب الركود العام المقبل، ويرون أن معدل البطالة سيصل إلى ذروته عند 4.6 في المائة حيث تفضل الشركات خفض الوظائف الشاغرة بدلا من السعي إلى تسريح جماعي للعمال.
لكن خبراء الاقتصاد الآخرين أقل تفاؤلا. يلاحظ جيمس نايتلي، كبير الخبراء الاقتصاديين الدوليين في شركة أي إن جي، أن ثقة الرؤساء التنفيذيين عند أدنى مستوى لها منذ الأزمة المالية العالمية. يحذر قائلا، "إذا كان الرؤساء التنفيذيون بهذا التشاؤم، فتوقعوا من الشركات أن تنتقل إلى وضع خفض التكاليف أو التقشف".
إضافة إلى سوق الإسكان حيث يعتقد أن الأسعار يمكن أن تتراجع نحو 20 في المائة على مدار الأشهر 18 المقبلة مع ارتفاع أسعار الفائدة على الرهن العقاري، "يجب أن نكون مستعدين لفترة يكون فيها المستهلكون أكثر حرصا فيما يتعلق بأموالهم"، كما يجادل نايتلي. يعتقد أن نمو إنفاق المستهلكين الحقيقي سيبدأ في الانخفاض مباشرة بداية من مارس إلى سبتمبر من العام المقبل.
ميجان جرين، كبيرة الخبراء الاقتصاديين العالميين في شركة كرول والمحررة المساهمة في صحيفة "فاينانشيال تايمز"، تتوقع حدوث ركود في منتصف العام المقبل تقريبا حيث يدفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة الخاص به إلى معدل يتجاوز 5 في المائة.
تقول، "إن السرد القائل إن الشركات ستقلل من فرص العمل الشاغرة، وأن سوق العمل لن تتدهور بشكل كبير هي نظرية جيدة حقا، لكن لا يمكن تطبيقها بشكل جيد في الممارسة العملية".
إذا قام أصحاب العمل بتخفيضات أعمق، فقد يترك ذلك قارعي الأجراس من جماعة جيش الخلاص الذين يجمعون المال للعائلات المحتاجة هذا الأسبوع يقومون بترفيه حشود أقل في فيفث أفينيو العام المقبل. كما تشير جرين إلى أن "المستهلكين يميلون إلى التوقف عن الإنفاق عندما يتم تسريحهم، أو تسريح أصدقائهم من العمل أو عند سماعهم عن عمليات التسريح".