"بورش" وتراجع سوق الأسهم الألمانية
عندما أدرجت شركة بورش الألمانية لصناعة السيارات الرياضية أسهمها في بورصة فرانكفورت في طرح عام أولي بقيمة 75 مليار يورو في أيلول (سبتمبر)، تحدث ثيو فايمر، الرئيس التنفيذي لشركة دويتشه بورصة بحماسة عن الأمر قائلا: "يوم تاريخي". لقد كان فايمر على حق - لكن بمعنى مختلف عما كان يدور في ذهنه.
سيتذكر الناس أكبر إدراج في أوروبا من حيث القيمة السوقية باعتباره حماسة نادرة وسط تراجع سوق الأسهم الألمانية في الأعوام الأخيرة.
بعد أقل من شهر من الطرح العام الأولي لـ "بورش"، أعلنت شركة ليندا، أكبر عضو في مؤشر داكس من حيث القيمة، في تشرين الأول (أكتوبر) أنها ستشطب إدراجها من بورصة فرانكفورت. ستركز "ليندا" بدلا من ذلك على بورصة نيويورك، بحجة أن إدراجها في ألمانيا أعاق تقييمها.
إن قصة النجاح الأكثر لفتا للانتباه في ألمانيا، مجموعة التكنولوجيا الحيوية بيو إن تيك في مينز، لم تهتم في الإدراج في بورصة فرانكفورت. اختار مخترع أحد لقاحي كوفيد الرائدين بورصة ناسداك لإدراجها في 2019. لقد كان القرار منطقيا للغاية، حيث تتداول الشركات الأمريكية على مضاعفات تقييم أعلى بكثير.
انهار أحد آمال ألمانيا الكبيرة من قطاع التكنولوجيا -شركة وايركارد- في 2020 في واحدة من أكبر عمليات الاحتيال المحاسبية في أوروبا بعد الحرب، حيث تتم محاكمة الرئيس التنفيذي السابق ماركوس براون حاليا في ميونيخ.
لقد تركت هذه الضربات السوق المالية الألمانية تضم قائمة طويلة من الشركات الكبرى التاريخية، وقائمة قصيرة في مجالي الديناميكية والابتكار. من بين 40 شركة كبرى مدرجة في مؤشر داكس الرائد في البلد، يمكن تتبع جذور 23 شركة إلى القرن الـ19 أو ما قبله. تم تأسيس شركتين فقط مدرجتين في مؤشر داكس هذا القرن، مجموعة فونوفيا العقارية ومتاجر زالاندو للبيع بالتجزئة عبر الإنترنت.
بينما يشير توسع مؤشر داكس من 30 إلى 40 شركة في أعقاب فضيحة "وايركارد" إلى تنوع أكبر، فإن المؤشر لا يزال يهيمن عليه في الواقع عدد قليل من التكتلات الصناعية الكبيرة والشركات الفرعية التابعة لها: "سيمنز" (أربع شركات)، "فوكس فاجن/بورش" (ثلاث)، "مرسيدس" (اثنتان)، "فريزينيوس" (اثنتان) و"باير" (اثنتان).
بدأ تاريخ مؤشر داكس الطويل من الأداء الضعيف للأسواق المالية العالمية قبل فترة طويلة من فقدان الصناعة الألمانية الوصول إلى الغاز الروسي الرخيص هذا العام. على مدى الأعوام الخمسة الماضية، ارتفع مؤشر داكس 6 في المائة بينما ارتفع مؤشر إم إس سي آي العالمي 18 في المائة في الفترة نفسها. في الولايات المتحدة، ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز500 بنسبة 42 في المائة خلال الفترة نفسها. ومعيار آخر مؤثر هو أنه عند 1.6 تريليون يورو، فإن القيمة السوقية المجمعة لأكبر 40 شركة مدرجة في ألمانيا هي أقل بمقدار الخمس من شركة أبل، التي تبلغ قيمتها 2.1 تريليون دولار.
هناك أسباب كثيرة لهذا الانحدار النسبي، أحدها هو نقص الابتكار على الرغم من نقاط القوة في الهندسة والتصنيع في ألمانيا. في التصنيف العالمي للابتكار لعام 2022 الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية، احتل أكبر اقتصاد في أوروبا المرتبة الثامنة، بعد بلدان مثل سويسرا والسويد والولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
ليس من الصعب التساؤل عما إذا كان الاعتماد الغريزي على الدفاع عن نماذج الأعمال القديمة قد أعاق تطوير كثير من الأفكار الجديدة. خذ مثلا صناعة السيارات في ألمانيا، التي تمثل خمس إجمالي قيمة سوق الأسهم في مؤشر داكس. كانت هذه الشركات بطيئة في الاستجابة للتحول إلى السيارات الكهربائية ومارست الضغط ضد قواعد الانبعاثات الصارمة. حتى إن شركة فولكس فاجن زورت بيانات الانبعاثات –يزعم أن مرسيدس أيضا فعلت الشيء نفسه- حيث تكافحان من أجل تلبية الحدود التنظيمية.
هناك مشكلة أخرى تتمثل في نظام حوكمة الشركات الألماني ذي المستويين، مجلس إدارة يدير العمليات ومجلس رقابي يشرف على المديرين التنفيذيين. نصف أعضاء مجلس الرقابة بموجب القانون الألماني يمثلون العمال. يمكن أن يؤدي ذلك إلى نهج قائم على توافق الآراء لاتخاذ القرارات في المجالات التي قد تؤثر في التوظيف. في كثير من الشركات، يكون رئيس مجلس الرقابة أيضا رئيسا تنفيذيا سابقا، وقد يكون مخلصا لاستراتيجيات الشركة الحالية بدلا من الأساليب الجديدة.
بشكل عام، يمكن للرؤساء التنفيذيين، الذين يعانون ضعف الأداء مقاومة ضغط المساهمين للاستقالة أو تغيير استراتيجيتهم. شركة باير، مثلا، التي كانت قادرة على الشروع في استحواذها المشؤوم على شركة مونسانتو بقيمة 63 مليار دولار في 2016 على الرغم من معارضة المساهمين الشرسة، ودون طرح الصفقة للتصويت في اجتماعها السنوي. في 2019، احتفظ الرئيس التنفيذي لـ "باير"، ويرنر بومان، بوظيفته على الرغم من تصويت 55 في المائة من المساهمين ضد المصادقة على إجراءات الإدارة، ولا يزال في منصبه على الرغم من انخفاض أسهم الشركة 43 في المائة منذ الإعلان عن الصفقة، ولا تزال القيمة السوقية البالغة 48 مليار يورو لـ "باير" أقل بكثير مما تم دفعه لـ "مونسانتو".
ينبغي التفكير كثيرا لتصحيح تدهور السوق الألمانية، لكن تحسين حوكمة الشركات وحقوق المساهمين سيكون نقطة انطلاق جيدة.