قصص رعب البنوك المركزية .. الضحية الأكبر سمعتها
أسهم وسندات وائتمان وعملات مشفرة وسندات حكومية طويلة الأجل مرتبطة بمؤشر – قائمة قصص رعب السوق في 2022 تطول. لكن الضحية الأكبر هذا العام كانت بالتأكيد سمعة البنوك المركزية الكبرى.
في الفترة منذ ظهور جائحة فيروس كورونا والحرب الروسية- الأوكرانية، كانت توقعات البنوك المركزية للتضخم خاطئة بشكل مؤسف. كما أن استجابتها للارتفاع السريع في مستوى الأسعار بطيئة، وفي الحالة الملحوظة للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، كانت الاستجابة متخوفة في البداية.
الحكمة التقليدية للبنوك المركزية تعد أن من الضروري "النظر في" الصدمات المتعلقة بجانب العرض مثل ارتفاع أسعار النفط والغاز وإغلاق الموانئ ومصانع أشباه الموصلات لأن تأثيرها على الناتج المحتمل مؤقتا.
لكن من الواضح أن صدمات العرض والتضخم الناشئ عن عوامل مثل تفكك العولمة سيؤديان إلى انخفاض دائم في الناتج المحتمل. في مثل هذه الظروف، مهمة صانعي السياسة النقدية هي التشديد بحيث يتماشى الطلب مع القدرة الإنتاجية المنخفضة. أحد الدروس المستفادة من التضخم بسبب التكلفة في السبعينيات بعد الارتفاع الأول في أسعار النفط هو أن الصدمات من جانب العرض يمكن أيضا، بلغة البنوك المركزية، أن تزعزع توقعات التضخم وتنتج موجة ثانية من الآثار في أسواق العمل.
قد تعكس أخطاء السياسة النقدية الأخيرة جزئيا فقدان الذاكرة الجماعي للأجيال. قلة قليلة من محافظي البنوك المركزية اليوم كانوا يقفون على المتاريس لمكافحة التضخم بعد الصدمات النفطية في السبعينيات. لا شك في أن الثقة المفرطة بعد عقود من انخفاض التضخم كانت عاملا أيضا. بالنسبة إلى الخطوة الأولية المترددة لتشديد السياسة، يجب القول بإنصاف إنه من المعروف أن من الصعب تقييم فجوة الناتج في الوقت الفعلي.
يشير لايل برينارد، نائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي، إلى التسلسل المطول من الصدمات على المعروض من العمالة والسلع والمدخلات المهمة مثل أشباه الموصلات. أدى هذا إلى ضبابية الخطوط الفاصلة بين ما يشكل صدمة مؤقتة وصدمة مستمرة للناتج المحتمل.
كانت نتيجة كل هذا أن البنوك المركزية فقدت سلطتها. في الوقت نفسه، التشديد المتأخر لسياستها يضر بميزانياتها العمومية لأن ارتفاع العوائد يلحق خسائر كبيرة مقومة بسعر السوق في محافظ السندات الضخمة التي تم الاستحواذ عليها منذ الأزمة المالية بين 2007 و2009.
لن تبلغ جميع البنوك المركزية عن هذه الخسائر – فهناك تباين كبير في ممارسات الإبلاغ. سيجادل كثيرون بأنها ليست مؤسسات قائمة على تحقيق أقصى قدر من الربح، ويمكن أن تعمل بشكل جيد مع العجز. لا يمكنها أن تفلس لأن في إمكانها طباعة النقود.
لكن يمكن أن تكون هناك نقطة تحول، حيث تخشى الأسواق من أن الضعف المالي سيؤدي إلى تضخم مرتفع أو مفرط، يمكن أن يؤدي اللجوء إلى وزارات المالية للحصول على رأس المال إلى تقليل ما تحتفظ به البنوك المركزية من استقلالية منذ الأزمة المالية. "هذا لا ينطبق، بالمناسبة، على بنك إنجلترا، الذي سعى إلى تعويض من وزارة الخزانة عن الخسائر في الأزمة وحصل عليه".
هذا هو عدم اليقين الذي يحيط بحالة الاقتصادات المتقدمة، حيث هناك خطر الإفراط النقدي والضعف النقدي. قد يؤدي الانتقال إلى الركود في 2023 إلى الكشف عن الهشاشة المالية الناشئة عن الفترة الطويلة لأسعار الفائدة المنخفضة للغاية، التي بحث فيها المستثمرون عن العائد بغض النظر عن المخاطر.
الافتراض السائد بين محافظي البنوك المركزية هو أنه منذ الأزمة المالية تعززت الميزانيات العمومية للبنوك، لكن هذه المخاطر انتقلت إلى القطاع المالي غير المصرفي. هناك شيء ما في هذا، كما أظهر تراكم المديونية في نظام المعاشات التقاعدية في المملكة المتحدة الذي تم الكشف عنه في أزمة السندات الحكومية في أيلول (سبتمبر).
لكن هناك أيضا مخاطر كبيرة وغير شفافة كثيرا خارج الميزانية العمومية في كل من القطاعات المالية المصرفية والقطاعات المالية غير المصرفية، ولا سيما فيما يتعلق بالديون بالدولار في مقايضات العملات الأجنبية، والعقود الآجلة، ومقايضات العملات. في ورقة بحثية لبنك التسويات الدولية، أشار كلاوديو بوريو وروبرت ماكولي وباتريك ماكجواير إلى أن 85 تريليون دولار من الالتزامات المستحقة لدفع الدولارات في هذه الأدوات تفوق مخزون سندات الخزانة بالدولار واتفاقيات إعادة الشراء والأوراق التجارية المالية مجتمعة.
إن الالتزامات، التي ارتفعت بحدة منذ الأزمة المالية، هي في الغالب قصيرة الأجل للغاية وغالبا ما تنطوي على تفاوت آجال الاستحقاق في مؤسسات مثل شركات التأمين وصناديق المعاشات التقاعدية. تؤدي احتياجات التمديد الناتجة إلى حدوث ضغوط في التمويل بالدولار، كما حدث في الأزمة المالية وفي مارس 2020 في بداية الجائحة. لا تظهر التزامات السداد بالدولار في الميزانيات العمومية ولا ترد في الإحصاءات العادية للديون. إن مجال حدوث مشكلات هنا واضح.
في الوقت الحالي، تتمثل وجهة نظر السوق القياسية في أن شعار البنوك المركزية "تشديد لفترة أطول" سيبقي عوائد السندات في ارتفاع والأسهم في انخفاض. لكن السؤال المهم يتمحور حول ما إذا كانت البنوك المركزية، في حالة حدوث أزمة تمويل، ستشعر بأنها مضطرة مرة أخرى للعودة إلى شراء الأصول لدعم الأسواق والمؤسسات المالية، وبالتالي إضعاف موقفها المناهض للتضخم.
مثل هذا المنعطف من شأنه أن يكون بمنزلة تعديل البنك المركزي لنظام عالي المستوى، في الواقع عودة إلى سياسة نقدية غير متكافئة تنطوي على مخاطر أخلاقية، الأمر المقلق هو أن كل هذا ممكن جدا.