دكتور التشاؤم: علينا أن نعيش في حالة تأهب قصوى
يشعر نورييل روبيني بالكآبة، ولم يكن الأمر يتعلق فقط بوصوله إلى لندن في رحلة بدأت في الليل ووصلت صباحا، وأنه لم يتمكن من الحصول على طاولة في مطعم نوبو. ولا حتى المخاوف الاقتصادية التقليدية. بل كل شيء، مجموعة من المشكلات، القديمة والجديدة.
يقول "أعتقد أن العالم حقا ينهار ببطء. هناك مخاطر كبرى جديدة لم تكن موجودة من قبل، وهي تتراكم ونحن لا نفعل الكثير حيالها".
روبيني هو الخبير الاقتصادي الذي حذر في آب (أغسطس) 2006 من أن هناك فرصة بنسبة 70 في المائة لحدوث ركود في الولايات المتحدة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الركود في قطاع الإسكان. تم تجاهله في البداية باعتباره غريب الأطوار. وبالفعل، عندما تقابله، فإن سلبيته التي لا تتزعزع، ولا تبتسم، ولا مساومة فيها تبدو كأنها انفصال عن آليات التأقلم البشرية العادية.
في هذه الأيام التشاؤم منتشر على نطاق واسع. للحفاظ على ميزته، قام روبيني برفع مستوى تشاؤمه إلى الحد الأعلى. يعد كتابه وابلا من المخاطر السلبية، من التضخم إلى الذكاء الاصطناعي، وتغير المناخ والحرب العالمية الثالثة، التي يجادل بأنها ستجتمع لإحداث أقصى قدر من التأثير. يكتب: علينا أن نتعلم كيف نعيش في حالة تأهب قصوى. سنحتاج إلى الحظ، والتعاون العالمي والنمو الاقتصادي غير المسبوق تقريبا، حتى تنتهي الأمور بشكل جيد.
أتساءل عما إذا كان روبيني يستخف بصانعي السياسة. عندما ضرب كوفيد - 19 في 2020، قال إنهم لن يقدموا استجابة مالية كبيرة. لقد فعلوا ذلك. تم تأليف كتاب "ميجاثريتس" قبل أن ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة بشكل جدي لترويض التضخم. لا يزال روبيني غير راض.
"الحكمة التقليدية القادمة من صانعي السياسة أو وول ستريت، كانت خاطئة بشكل منهجي. أولا، قالوا إن التضخم سيكون مؤقتا (...) ثم كان هناك جدل حول إذا ما كان ارتفاع التضخم ناتجا عن سياسات سيئة أو سوء حظ"، أي صدمات العرض مثل الحرب الروسية الأوكرانية والقيود الصينية الخاصة بـ"صفر كوفيد". يرى روبيني الإجماع الآن على أنه "ستة أشهر من الركود، مشكلة كبيرة". مرة أخرى، لا يوافق. "لا، لن يكون هذا ركودا قصيرا وسطحيا، بل سيكون عميقا وطويلا".
"الاحتياطي الفيدرالي، والبنك المركزي الأوروبي، ووول ستريت، وحي المال اللندني يقولون، نعم، سنهبط هبوطا سلسا. في التاريخ النقدي للولايات المتحدة على مدى الـ60 عاما الماضية، لم نشهد مطلقا حلقة كان فيها التضخم أعلى من 5 في المائة - وهو اليوم 7.1 - ومستويات البطالة أقل من 5 في المائة - تبلغ الآن 3.7 - وأنك عندما ترفع أسعار الفائدة لمحاربة التضخم، تحصل على هبوط سلس. دائما تحصل على هبوط قاس".
أما بالنسبة إلى أوروبا، "فالوضع أسوأ بكثير. إذ إن المملكة المتحدة في حالة ركود تضخمي بالفعل. حيث تجاوز معدل التضخم 10 في المائة، وحتى بنك إنجلترا يتوقع مرور خمسة أرباع على الأقل من النمو الاقتصادي السلبي (...) وأضر البريطانيون بأنفسهم بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لذا فهذه صدمة ركود تضخمي أخرى". ونظرا لأن الدين العام والخاص مرتفع للغاية - حيث ارتفع من 220 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي 1999 إلى 350 في المائة 2019 - فلن ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة كثيرا.
لتحديد الفقاعات المالية، يشير الاقتصاديون غالبا إلى أنماط تاريخية. بعبارة أخرى، هذه المرة ليست مختلفة. لكن الحجة المتشائمة اليوم هي أن هذه المرة مختلفة حقا، من حيث نطاق المخاطر.
يقول روبيني "ولدت في 1958 في تركيا، ثم انتقلت إلى طهران ثم إلى إسرائيل، ثم إيطاليا". كان والده يستورد السجاد الفارسي إلى ميلانو، وانتقلت الأسرة بأكملها لاحقا إلى الولايات المتحدة. يعد روبيني نفسه مواطنا عالميا.
يقول "هل قلقت يوما من نشوب حرب بين القوى العظمى؟ أبدا. كان هناك وفاق في السبعينيات، وذهب نيكسون إلى الصين. وبذلك انخفض خطر نشوب حرب نووية إلى الصفر. هل كنت قلقا بشأن تغير المناخ؟ لم أسمع قط عن تغير المناخ. هل كنت قلقا بشأن الجوائح العالمية؟ كان آخرها عام 1918. هل كنت قلقا بشأن تدمير الذكاء الاصطناعي معظم الوظائف؟ هل كنت قلقا بشأن تراجع العولمة، والحروب التجارية؟ أبدا. هل كنت قلقا بشأن وصول الأحزاب الشعبوية اليمينية المتطرفة أو اليسارية إلى السلطة؟ لم يكن لدينا الاستقطاب نفسه الموجود اليوم. هل كنت قلقا بشأن الركود الشديد أو الكساد العظيم؟ بالطبع لا. في سبعينيات القرن الماضي، كان لدينا ركود تضخمي لكن بعد ذلك كان لدينا اعتدال كبير. هل كنت قلقا بشأن الأزمة المالية؟ لم أسمع قط بالأزمة المالية".
وأضاف "هذه المرة مختلفة، لكنها مختلفة بالنسبة إلى الأعوام الـ75 الماضية من السلام والتقدم والازدهار النسبي، لأنه قبل ذلك التاريخ كان تاريخ البشرية عبارة عن تاريخ من المجاعة، والحرب، والمرض والإبادة الجماعية وما إلى ذلك. الأعوام الـ75 الماضية استثناء، وليست القاعدة".
إن روبيني ورقة إعلان للأخبار السيئة. حيث يقدم نصف دزينة "درزن" من الأسباب التي ستجعل العمل المناخي ضئيلا للغاية. "حتى لو فعلنا ما تم الاتفاق عليه في مؤتمري القمة في جلاسكو وشرم الشيخ، فنحن في طريقنا إلى 2.4 درجة مئوية من الاحترار، ولن نفعل كل ما قلناه، لذا فنحن في الطريق إلى ثلاث درجات مئوية. ثلاث درجات مئوية فظيعة حقا (...) في الولايات المتحدة، لا يؤمن نصف الدولة بتغير المناخ أو أنه من صنع الإنسان، لذلك عندما يكون الحزب الجمهوري في السلطة، فإن السياسات لن تفعل شيئا". الكبار والصغار أنانيون للغاية، جزء كبير من الانبعاثات "يأتي من تربية الماشية. ينبغي لنا جميعا أن نكون نباتيين، لكننا لسنا كذلك. حاولت لمدة ثلاثة أشهر واستسلمت".
يصر على أن الذكاء الاصطناعي سيتولى وظائف ذوي الياقات البيضاء. "إنها مسألة وقت قبل أن تصبح وظيفتي كمراقب في الاحتياطي الفيدرالي أمرا عفا عليه الزمن تماما. أضمن لك أنه، بعد عشرة أعوام من الآن، سيكون هذا الذكاء الاصطناعي ينظر في جميع البيانات الاقتصادية، وكل خطاب يلقيه كل محافظ بنك احتياطي فيدرالي، ويمكنه أن يتنبأ بالضبط بما يفعله الاحتياطي الفيدرالي بشكل أفضل من أفضل مراقبي الاحتياطي الفيدرالي".
سأل أحد أصدقائه أخيرا روبوت محادثة جديدا بالذكاء الاصطناعي "تشات جي بي تي" عما إذا كان كتاب روبيني صحيحا أم خاطئا؟ يقول روبيني، وهو يريني الرسالة النصية على الهاتف "كانت الإجابة مذهلة. ذكي للغاية". وقد لاحظت أنه في دردشة تطبيق واتساب مع صديقه، كان روبيني أقل إعجابا - إذ وصف جواب روبوت الدردشة بأنه "عادي نسبيا وتقليدي". هل يزيد من تشاؤمه من أجل التأثير؟ "نعم، نعم، الآلة عادية الآن، لكن أمهلها عشرة أعوام".
ما أفضل دحض لتشاؤمه؟ التكنولوجيا، كما يقول "إنه متفائل بشأن الاندماج النووي"، لكنه يجادل بأن "الأمر سيستغرق من 15 إلى 20 عاما. لكن في غضون 15 إلى 20 عاما، سنكون هالكين". بعد أيام، أفادت "فاينانشيال تايمز" عن اكتشافات في الاندماج. نقد آخر يتمثل في أن روبيني يتجاهل التفاعلات الإيجابية المحتملة بين "ميجاثريتس"، يمكن أن تساعد الهجرة المناخية شيخوخة التركيبة السكانية في الغرب، على الرغم من أنه يرى المنافسة على الوظائف النادرة.
يعرف روبيني أن الناس يصفونه بالساعة المتعطلة، تكون صحيحة في اليوم مرتين. حيث حذر من احتمال اندلاع حرب بين الولايات المتحدة وإيران 2020. ويشرح قائلا "لا يمكن لأحد التنبؤ بالمستقبل بشكل صحيح طوال الوقت". كان التنبؤ بالأزمة المالية العالمية بمنزلة نعمة. وصلت مجموعته البحثية إلى ذروتها عند 60 موظفا، حتى أقنعته الهوامش المنخفضة وساعات العمل الطويلة بالتخلص منها 2016. "لم تكن لدي حياة. وقت الظهيرة في سنغافورة هو منتصف الليل في نيويورك (...) قال لي طبيبي: أنت لا تدخن، ولا تشرب، ولا تتعاطى المخدرات، لكن مع وتيرة السفر هذه، ستصاب بنوبة قلبية أو سكتة دماغية. وكنت حتى أثقل وزنا مما أنا عليه الآن".
وفر 20 في المائة من دخله خلال العقد الماضي، ويعمل الآن في شركة إدارة أصول لأول مرة، شركة أطلس كابيتال ومقرها أبو ظبي. بسبب ارتفاع معدلات التضخم، فشلت استراتيجيات التحوط الشائعة. "خسرت هذا العام أموالا على السندات أكثر مما خسرت في الأسهم (...)" وافترض أن "صدمات التضخم غيرت التوقعات على المدى الطويل".
لذلك يحتاج المستثمرون إلى إيجاد الأمان في مكان آخر "الفكرة ستكون إما أن تذهب إلى سندات الخزانة قصيرة الأجل، أو تذهب إلى السندات المقيدة بمؤشر التضخم، أو تذهب إلى الذهب". انخفضت أسعار العقارات بسبب ارتفاع أسعار الفائدة. لكن روبيني يرى أن البنوك المركزية ستتأثر، لذا فإن "الأرض وسيلة تحوط جيدة"، طالما أنها "مرنة بيئيا. حيث سيتم تدمير نصف الأراضي في الولايات المتحدة بسبب تغير المناخ (...) لدينا بيانات تنظر إلى كل دولة، أو حتى كل مبنى، لمعرفة أي من صناديق الاستثمار العقاري العامة سليمة بيئيا".
كنت أشاهد روبيني في مناسبة تلقى فيها الخطابات في مايفير. "ها هو، دكتور الشؤم" كما هتف المضيف. روبيني يكره هذا اللقب ويفضل "دكتور الواقعية". ويستشهد برأيه في 2015 بأن اليونان لن تغادر الاتحاد الأوروبي، ورأيه في 2016 بأن الصين ستحصل على هبوط سلس. "كنت أكثر تفاؤلا بكثير من الإجماع".
الحديث الذي يلقيه روبيني هذه المرة تشاؤم خالص. حيث يجادل بأن الحرب العالمية الثالثة بدأت في تشرين الأول (أكتوبر)، عندما منعت الولايات المتحدة بيع كثير من الرقائق الدقيقة للصين. ستكون الأعمال العدائية التجارية كبيرة جدا، لأنه سرعان ما سيصبح لكل شيء رقاقة. "حتى تلك الزجاجة ستحتوي على شريحة من الجيل الخامس"، كان يقول مشيرا إلى زجاجة لتر من الماء الفوار تبدو بريئة.
لا يرى الجمهور روبيني على أنه غريب الأطوار، بل مقبول. في هذه الأيام، لا أحد يريد أن يدافع عن التقدم. على حد تعبير روبيني، "لا أعلم من يؤلف كتابا يقول فيه إن الأعوام العشرة المقبلة ستكون رائعة". سيكون ذلك تناقضا بالفعل.
أتساءل عن الخسارة الشخصية لتشاؤمه. حيث يبلغ من العمر 64 عاما، وليس لديه أطفال. يقول "ولا أريد أن يكون لدي أطفال"، مستشهدا بالمخاطر المختلفة. ويضيف "إذا حدثت أشياء، فأفضل الموت على العيش في عالم بائس". لقد اشتهر بحبه للحفلات. لكن السفر يزعجه "لا تأكل جيدا، ولا تمارس الرياضة، ولا تنم بشكل كاف، وليس لديك وقت للتأمل. عندما أكون في نيويورك، أكون أكثر هدوءا واسترخاء". تعلم الطبخ خلال كوفيد.
قال أثناء مغادرتي "آمل أنني لم أحبطك كثيرا. نحن سننجو. أنا قلق على الناس الآخرين".