معركة التضخم تشتد احتداما مع ارتفاع تكلفة الخدمات
يحذر اقتصاديون من أن كبح التضخم المرتفع باستمرار في الولايات المتحدة سيكون صعبا بعد أن تأصل في قطاع الخدمات في الاقتصاد، ما يشير إلى أن الاحتياطي الفيدرالي سيضطر إلى المضي قدما في مزيد من الزيادات في أسعار الفائدة في 2023.
بعد عام من الارتفاع الهائل في أسعار المستهلكين، من المتوقع أن يشهد معدل التضخم في الولايات المتحدة تراجعا سريعا العام المقبل. لكن كثيرا من الاقتصاديين يحذرون من أن الضغوط الأساسية ستبقيه عند مستويات أعلى بكثير مما يعده الاحتياطي الفيدرالي مقبولا.
قال جان بويفين، نائب محافظ بنك كندا المركزي السابق الذي يرأس الآن معهد بلاك روك للاستثمار "يكمن خطر وجود التباس هنا في أنه سيبدو مثل تقدم هائل من ناحية وسنشعر أنه ربما بإمكاننا الهدوء. لكن هذه الأرقام في نهاية العام ستكون بعيدة كل البعد عما سيراه الاحتياطي الفيدرالي مناسبا".
رفع البنك المركزي الأمريكي أسعار الفائدة بقوة هذا العام في محاولة لكبح التضخم المرتفع. لكن مهمته أصبحت أكثر تعقيدا بسبب الاختلاف بين اتجاهات أسعار السلع والخدمات.
التضخم المرتبط بالسلع اليومية مثل الأثاث والسيارات المستعملة والأجهزة في انخفاض. ارتفعت أسعار هذه المنتجات في وقت مبكر من الجائحة مع ارتفاع الطلب وتعطل التصنيع والشحن. تشير البيانات الحديثة إلى أن الاتجاه بدأ في الانعكاس ومن المرجح أن يستمر في 2023 مع تخفيض تجار التجزئة أسعار المخزونات المتخمة.
من المرجح أيضا أن تنخفض تكاليف الإسكان، حسبما يقول الاقتصاديون. أدى ارتفاع أسعار الفائدة على الرهن العقاري المرتبطة بارتفاع أسعار الفائدة الذي فرضه الاحتياطي الفيدرالي إلى انخفاض أسعار المساكن. هبطت عقود الإيجار الجديدة للعقارات المؤجرة من ذرواتها الأخيرة، إذ سجلت أسعار الإيجارات أكبر انخفاض شهري في الأعوام السبعة منذ أن بدأت شركة زيلو العقارية في تتبع البيانات.
مع أخذ ما سبق في الحسبان، يتوقع معظم مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي أن ينخفض مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي - عند استبعاد تكاليف الغذاء والطاقة المتقلبة - إلى معدل سنوي يبلغ 3.5 في المائة العام المقبل. توقع الاقتصاديون المشاركون في استطلاع "بلومبيرج" أن يتراجع التضخم الأساسي في نفقات الاستهلاك الشخصي إلى نحو 3 في المائة بحلول الربع الرابع من العام المقبل.
لا يزال كلا التوقعين أعلى بكثير من مستهدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 في المائة. ارتفع مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي 4.7 في المائة على أساس سنوي في تشرين الثاني (نوفمبر)، وفقا للبيانات المنشورة الجمعة، متباطئا من ذروة بلغت 5.4 في المائة سابقا هذا العام، لكنه أعلى من مستهدف "الفيدرالي".
يعوض انخفاض تضخم السلع تكاليف تناول الطعام في الخارج، وقص الشعر، والتنقل، وغيرها من الأنشطة المرتبطة بقطاع الخدمات - قوى محركة حذر منها جاي باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي في مؤتمره الصحافي الأخير لعام 2022.
قال بعد اجتماع السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي في كانون الأول (ديسمبر)، حيث أبطأ البنك المركزي فيه وتيرة زيادة أسعار الفائدة ورفع سعر الفائدة إلى نطاق مستهدف جديد من 4.25 في المائة إلى 4.5 في المائة "لقد تحول تضخم السلع بسرعة كبيرة الآن بعد أن لم يتحول على الإطلاق لعام ونصف. لكن هناك توقعا بأن تضخم الخدمات لن ينخفض بهذه السرعة، لذلك سيتعين علينا البقاء عند هذا الحد، وقد نضطر إلى رفع أسعار الفائدة لنصل إلى حيث نطمح".
يعتمد مدى استمرار تضخم الخدمات بشكل رئيس على سوق العمل. وسط نقص العمالة والطلب الاستهلاكي المزدهر، كان على أصحاب العمل زيادة الأجور والمزايا لمواكبة ذلك. مقارنة بنوفمبر من العام الماضي، ارتفعت الأجور 6.4 في المائة، وفقا لبيانات من الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا.
أقر مسؤولو الفيدرالي بأن جهوده الرامية إلى خفض التضخم ستستلزم فقدان الوظائف، لكنهم يؤكدون أن تجنب الركود ممكن. يتوقع معظم المسؤولين أن يتوسع الاقتصاد 0.5 في المائة فقط العام المقبل وأن يرتفع معدل البطالة نحو نقطة مئوية كاملة إلى 4.6 في المائة.
"ما يحاولون فعله هو إبطاء التضخم بوتيرة أسرع من خفض الأجور"، كما قالت ديان سوونك، كبيرة الاقتصاديين في شركة كيه بي إم جي، عن الفيدرالي.
تتوقع سوونك أن يتجه الاقتصاد إلى الركود العام المقبل في حين ينخفض التضخم إلى أدنى من 3 في المائة بقليل بحلول نهاية 2023. كما قالت "إن احتمال إلقاء اللوم عليه في فقدان الوظائف يضع الفيدرالي في موقف فظيع باضطراره إلى الظهور وكأنه ضد سوق العمل".
يؤكد المسؤولون أن بإمكانهم السيطرة على التضخم برفع سعر الفائدة القياسي على الأموال الفيدرالية بما يراوح بين 5 و5.25 في المائة العام المقبل والحفاظ على هذا المستوى على الأقل حتى 2024 - وجهة نظر تتعارض مع أسعار السوق الحالية، ما يشير إلى أن البنك المركزي لن يضطر إلى رفع سعر الفائدة الأساسي أعلى من 5 في المائة، وسيفرض نحو خفضين في أسعار الفائدة بحلول نهاية العام المقبل.
كما حذر باول من أنه قد يتعين على "الفيدرالي" أن يصبح أكثر تشددا إذا لم تظهر البيانات نتائج جيدة، نظرا إلى التزامه الثابت بإعادة التضخم إلى الانخفاض. أحد المخاوف يكمن في التأثير المحتمل من رفع الصين سياسة "صفر كوفيد"، الذي يحذر بعض الاقتصاديين من أنه ربما يطلق جولة أخرى من الزيادات في أسعار السلع الأساسية.
قال ستيفن تشيتي، الخبير الاقتصادي في جامعة برانديز الذي ترأس سابقا القسم النقدي والاقتصادي في بنك التسويات الدولية "دون استقرار الأسعار، لن تحقق شيئا. لا يوجد استقرار وازدهار على الصعيد الاقتصادي العام. لا يوجد استقرار مالي. ما حصل هو الفوضى فقط".