ديمقراطيات أمريكا اللاتينية صامدة

ديمقراطيات أمريكا اللاتينية صامدة
ديمقراطيات أمريكا اللاتينية صامدة

في الأشهر الأخيرة فقط، حاول رئيس بيرو حل الكونجرس، وأدين نائب رئيس الأرجنتين بالتزوير، وهدد الرئيس البرازيلي الحالي بعدم ترك منصبه إذا خسر الانتخابات المقبلة. أضف إلى ترسيخ الديكتاتوريات في فنزويلا ونيكاراغوا وإعلان الرئيس السلفادوري أنه سيسعى إلى إعادة انتخابه على الرغم من القيود الدستورية، ويبدو أن الديمقراطية في مأزق في أمريكا اللاتينية. لكن نظرة فاحصة تكشف صورة مختلفة. بحسب تقرير أندريس فيلاسكو، المرشح الرئاسي السابق ووزير المالية في تشيلي، وعميد كلية السياسة العامة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.
الرئيس البيروفي الذي حاول إغلاق الكونجرس تمت الإطاحة به بسلام. وبينما قضى الرئيس البرازيلي المنتهية ولايته الأسابيع الستة الماضية في مجمعه - على غرار دونالد ترمب - أعلن مساعده الرئيس أن نقل السلطة سيستمر دون معوقات. وبالمثل، على الرغم من أن الأرجنتين لديها كثير من المشكلات الأخرى، يمكن للأرجنتينيين أن يكونوا شاكرين لأن لديهم على الأقل قضاة يمكنهم اتهام المسؤولين الحكوميين الأقوياء.
قد لا تكون هذه أفضل الأوقات للديمقراطية الليبرالية في أمريكا اللاتينية، لكنها ليست أسوأ الأوقات أيضا. مع ظهور الأزمات وتوقفها، أثبتت الثقافة والمؤسسات الديمقراطية أنها قادرة على الصمود بشكل غير متوقع في عديد من الدول. يضيف فيلاسكو مؤلف عديد من الكتب والأوراق حول الاقتصاد الدولي والتنمية، وعمل في هيئة التدريس في جامعات هارفارد وكولومبيا ونيويورك.
كان زعيم بيرو الذي تم عزله، بيدرو كاستيلو، أول معلم مدرسة في بلدة صغيرة يصبح رئيسا، لكنه كان أيضا غير كفء بشكل هزلي وغير مستعد بشكل مؤسف لهذا المنصب. في أقل من عام ونصف، مر بخمس حكومات وأكثر من 80 وزيرا. بعد أن اتهمه المدعي العام في البلاد وعدد من أفراد عائلته بالفساد، حاول تولي سلطات دكتاتورية.
لكن هذه المناورة أكدت فقط عدم كفاءته. لقد فشل في الحصول على دعم القوات المسلحة والشرطة، التي أعلن قادتها بسرعة أنهم لن يدعموه. حتى أعضاء حكومته تنصلوا من الاستيلاء على السلطة. في غضون ساعات، تم عزله واعتقاله، وأدت نائبة الرئيس دينا بولوارت اليمين كأول رئيسة لبيرو.
مع خروج أنصار كاستيلو إلى الشوارع للاحتجاج، في بعض الأحيان بعنف، اقترح بولوارت، ووافق الكونجرس، على إجراء الانتخابات العامة المقبلة في نيسان (أبريل) 2024، قبل عامين تقريبا من الموعد المحدد. لم تنزل أي دبابات في الشوارع، وهناك أسباب للبقاء متفائلين بحذر بشأن المستقبل السياسي للبلاد.
في البرازيل، كان الخوف الذي زرعه الرئيس جايير بولسونارو من التهديدات المناهضة للديمقراطية قويا بما يكفي لدفع السياسيين الوسطيين حتى قادة الأعمال إلى الإمساك بأنوفهم ودعم المرشح اليساري، لويز إيناسيو لولا دا سيلفا. كان مصير الديمقراطية في البرازيل أهم بالنسبة إليهم أكثر من تفضيلاتهم الحزبية قصيرة المدى. لن يتم تنصيب لولا حتى الأول من كانون الثاني (يناير)، لكن فرص حدوث أي شيء يعرقل الانتقال السلمي للسلطة تبدو الآن ضئيلة للغاية.
وسط فضائح الفساد في العقد الأول من القرن الـ21، قدم الرئيس البرازيلي السابق فرناندو هنريكي كاردوسو مزحة مشهورة الآن لشرح كيف عرف أن الديمقراطية البرازيلية تحرز تقدما. لاحظ أنه في الماضي، كان الجميع يعرفون أسماء الجنرالات الذين قد ينظمون انقلابا، في حين أن الجميع يعرف الآن أسماء القضاة والمدعين العامين الذين يلاحقون مسؤولين مزعومين فاسدين "بما في ذلك لولا، الذي حكم عليه بالسجن 12 عاما، لكن أطلق سراحه بعد 580 يوما، في 2019، عندما ألغيت إدانته لأسباب فنية". لفترة من الوقت، بدا بولسونارو، الذي ملأ خزانته برجال يرتدون الزي العسكري، مستعدا لإثبات خطأ كاردوسو. لكن في النهاية، سادت الديمقراطية.
في الأرجنتين، يبدو الاقتصاد مهتزا كما كان دائما، كما يتضح من تعدد أسعار الصرف المختلفة - بما في ذلك سعر الصرف المخصص لعشاق كرة القدم الذين سافروا إلى قطر للمشاركة في كأس العالم. ومع ذلك، تظل السياسات الديمقراطية متجذرة بأمان. من المقرر إجراء الانتخابات العامة المقبلة في 2023، وتشير استطلاعات الرأي الحالية إلى أن المعارضة ستفوز إذا تمكنت من تشكيل جبهة موحدة.
بينما تزعم نائبة الرئيس كريستينا فرنانديز دي كيرشنر أنها لن تترشح لأي منصب عندما تنتهي فترة ولايتها الحالية، فإن المحللين السياسيين يشككون. ومن المتوقع أن تستأنف إدانتها الأخيرة بتهم الاحتيال، وسيعني التقاعد أنها لم تعد في مأمن من الاعتقال. في ماضي الأرجنتين غير البعيد، كان من الممكن أن يرد الحزب الحاكم بإطلاق النار على القاضي المخالف، أو بإرسال السفاحين إلى الشوارع. لكن هذه المرة، كل ما استطاعت كيرشنر فعله هو محاكاة إيفا بيرون وتصوير نفسها على أنها ضحية - في هذه الحالة، "مافيا" قضائية.
كيرشنر ليس الزعيم الوحيد في أمريكا اللاتينية الذي يتعارض مع المحاكم. في المكسيك، دعا الرئيس أندريس مانويل لوبيز أوبرادور "المعروف باسم AMLO" إلى تنظيف القضاء واتهم القضاة بالدفاع عن مصالح "مجموعات" مجهولة الهوية بدلا من "الشعب". تماما كما يعتمد ترمب على "الحقائق البديلة"، دعم AMLO سابقا ادعاءاته من خلال التلميح إلى "بيانات أخرى" لا يمكن التحقق من حقائقها. لكن عندما حاول أخيرا تغيير الدستور لإضعاف المعهد الانتخابي الوطني INE، قرر المجتمع المكسيكي أن ينهي الأمر.
أرسل المثقفون وقادة الرأي رسائل ووقعوا على التماسات، وخرج ربع مليون شخص إلى الشوارع في مكسيكو سيتي لمعارضة التغيير المقترح. في النهاية، حتى زعيم حزب AMLO في مجلس الشيوخ صوت ضد الإصلاح، قائلا، "أريد فقط احترام الدستور". لكن على الرغم من أنه لم يستطع حشد الأغلبية العظمى اللازمة لتعديل الدستور، إلا أن AMLO حصل على عدد كاف من الأصوات لتقليص استقلالية المعهد الوطني للإحصاء، وخفض ميزانيته، وإقالة عديد من موظفيه الحاليين. سترفع المعارضة الآن طعنها إلى المحكمة العليا، حيث ستجادل بأن مشروع القانون ينتهك الدستور. في الوقت الذي اهتزت فيه الديمقراطية المكسيكية، تم دفع الديمقراطيين المكسيكيين إلى العمل.
وكذلك فعل الديمقراطيون التشيليون، الذين أنهوا في أواخر 2019 احتجاجات الشوارع العنيفة بإطلاق عملية إصلاح دستوري. بينما فشلت المحاولة الأولى لكتابة دستور جديد، اتفقت مجموعة واسعة من الأحزاب الآن على الإجراءات التي ستحكم المحاولة الثانية. بحلول نهاية 2023، من المرجح أن يكون لدى تشيلي دستور جديد ليحل محل الدستور الذي أشرف عليه الجنرال أوجوستو بينوشيه في 1980.
تعيش الديمقراطية الليبرالية في القوانين وكتب القواعد والمؤسسات. لكن الأهم من ذلك أنها تعيش في قلوب الناس وعاداتهم العقلية. الديمقراطية - مهما كانت عيوبها - هي الآن النظام الطبيعي للحكم لما يقرب من 700 مليون شخص يعدون أمريكا اللاتينية وطنهم. تبدو البدائل غير القابلة للتصديق على نحو متزايد. مع اقتراب 2022 الفظيع من نهايته، فإن مرونة الديمقراطيات في المنطقة سبب كاف للفرح.

الأكثر قراءة