الحد من تفاقم سعر الغاز

بعد شهرين من المباحثات وافق الإثنين الماضي وزراء طاقة الاتحاد الأوروبي على تبني آلية تحكم مرنة لأسعار الغاز الطبيعي. ويسري مفعول آلية أسعار الغاز التي تمنع تبادل عقود الغاز الطبيعي المستقبلية عند تجاوز أسعار غاز الشهر المقبل 180 دولارا للميجاواط/ ساعة "3.41 مليون وحدة حرارية بريطانية"، لثلاثة أيام متتابعة، وكذلك تجاوزها السعر المرجعي للغاز المسال في الأسواق العالمية بمبلغ 35 دولارا للميجاواط/ساعة. ويبدأ تطبيق الآلية في 15 فبراير 2023.

ولم تسجل عقود الغاز الطبيعي مستويات تفوق الحدود القصوى للأسعار قبل 2022، لكنها تجاوزتها بكثير العام الحالي. وكانت أسعار استيراد الغاز الطبيعي لأوروبا قبل عامين تقل عن خمسة دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية، لكنها قفزت بشدة بعد الحرب الأوكرانية حتى تجاوزت 70 دولارا للكمية نفسها أغسطس الماضي، وفاقت بعض عقود الغاز هذه المستويات وازدادت قوى المضاربة في أسعار الغاز الأوروبي.

بعد ذلك تراجعت أسعار الغاز بشكل تدريجي حتى وصلت يوم الإثنين 19 ديسمبر 2022 في مركز تبادل الغاز الرئيس الأوروبي في هولندا إلى 107 يوروهات للميجاواط/ساعة "نحو 31 دولارا للمليون وحدة حرارية بريطانية".
يأمل الأوروبيون أن تحد آلية تسعير عقود الغاز الطبيعي من تأثير التبادلات الحادة في الأسواق على أسعار الغاز الطبيعي التي يدفعها المستهلكون.

وتنشأ في بعض الأحيان ضغوط سعرية في أسواق السلع ترفع مستويات المضاربة وتؤثر في تدفق السلع إلى المستهلك النهائي للسلعة. فارتفاع أسعار العقود يقود إلى رفع مخزونات المضاربة، ما يؤثر في إمداداتها ويرفع أسعارها إلى مستويات مجحفة بحق المستهلكين الحقيقيين.

وقد ارتفعت تكاليف الغاز الطبيعي بشكل غير مسبوق بالنسبة لملاك المنازل وشركات الطاقة، ما ضغط على أسعاره وتكاليف توليد الكهرباء ودفع الدول الأوروبية لتخصيص مبالغ ضخمة لدعم استهلاك الأسر من الطاقة.
تفيد عديد من المصادر بوجود عشرات السفن المحملة بالغاز الطبيعي المسال التي تبحر بالقرب من القارة الأوروبية ببطء شديد وبعضها يقف في عرض البحار دون حراك بسبب أوضاع سوق الغاز الطبيعية الأوروبية.

ويمكن لهذه السفن أن تزود أوروبا بكميات كبيرة من احتياجاتها لكن المتاجرين بالغاز الطبيعي يفضلون الانتظار على أمل ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في وقت لاحق من فصل الشتاء لتعظيم أرباحهم. وهذا يرجح ارتفاع مستويات المضاربة بشدة في الأسواق الأوروبية فوق المستويات المعتادة.

وكانت أسعار الغاز الطبيعي قد بلغت أوجها أغسطس الماضي، لكن ما لبثت أن تراجعت فيما بعد عندما امتلأت تقريبا مخزونات الغاز الطبيعي في معظم القارة.
كانت القارة العجوز تستورد قبيل الحرب الأوكرانية نحو 40 في المائة من إجمالي وارداتها من روسيا والربع من النرويج والباقي من مصادر أخرى أهمها الولايات المتحدة والجزائر والمملكة المتحدة. وقد توقف جزء كبير من واردات الغاز الروسية بعد تفجير أنابيب الغاز الروسية إلى ألمانيا، بعدها لجأت أوروبا إلى استيراد الغاز المسال لتغطية العجز الناتج عن خفض الإمدادات الروسية. وقد أدى اعتماد أوروبا على إمدادات الغاز الروسية إلى خفض قدرات تخزين الغاز الأوروبية وانخفاض عدد أرصفة استقبال الغاز المسال في الموانئ.

ونتج عن هذا بدوره إشكالات حالية في سلسلة إمدادات الغاز الأوروبية، كما زاد تذبذب أسعار الغاز داخل القارة. وتتكون حاليا ما يسمى حالة كونتانجو في أسواق الغاز الأوروبية، أي إن المشترين مستعدون لدفع أسعار أكبر في المستقبل من الأسعار المتوقعة لارتفاع تكاليف تخزين السلعة.
توجد معارضة قوية من قبل بعض الدول التي ما زالت تستفيد من إمدادات الغاز الروسية كالمجر التي تنخفض فيها تكاليف الغاز الطبيعي التي يدفعها مستهلكو منازلها إلى سبعة مستويات أسعاره في السويد الأعلى سعرا، خلال النصف الأول من العام الحالي.

وهناك تفاوت كبير بين أسعار الغاز الطبيعي التي يدفعها ملاك المنازل الأوروبيون، حيث وصل متوسط أسعار النصف الأول من العام الحالي في السويد إلى نحو 222 يورو للميجاوط/ساعة بينما بلغ متوسط السعر الأوروبي 86 يورو للميجاواط "عشرة دولارات في روسيا".

وعموما فقد ارتفعت تكاليف الغاز الطبيعي التي يدفعها ملاك المنازل الأوروبيون بما لا يقل عن 70 في المائة في النصف الأول من هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
مرة أخرى تثبت تقلبات أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا فشل الأسواق وانخفاض كفاءتها وقت الأزمات وضرورة تدخل الحكومات للحد من التقلبات الحادة في الأسعار، وتخفيف أعباء الآثار الكارثية على الأسر ومنخفضي الدخل.

كما تثبت أن الأغلبية الساحقة بما في ذلك الدول الصديقة ومواطنو الدول تستغل الأزمات لمصلحتها. وتحاول الحكومات الأوروبية الحد من التأثيرات السيئة لارتفاع أسعار الغاز في أوروبا على الأسر من خلال عدة إجراءات من بينها آلية الحد من تفاقم أسعار العقود.

إلا أن هذه الآلية تبدو ضعيفة، في التأثير بشكل فعال على أسعار الغاز النهائية فهي أعلى بكثير من الأسعار المرتفعة حاليا، لكنها يمكن أن تساعد على الحد من زيادة تفاقم أزمة أسعار الغاز الأوروبية.

من ناحية أخرى قد يلجأ مركز تبادل الغاز الطبيعي في هولندا إلى الانتقال خارج أوروبا، ما سيخفض من جدوى هذه الآلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي