الأسواق الخاصة .. لا هروب من الواقع بعد الآن
إذا كانت الفقاعة فكرة جيدة تجاوزت الحدود، فقد تكون السوق العالمية - التي تبلغ قيمتها عشرة تريليونات دولار للاستثمار الخاص في كل شيء من الديون إلى الشركات إلى العقارات - فكرة مماثلة.
بدأ هيجان الاستثمار الخاص في أوائل العقد الأول من القرن الـ21، بعد نجاح صندوق الهبات التابع لجامعة ييل بقيادة ديفيد سوينسن، الذي تبنى الاستثمارات الخاصة للتنويع بعيدا عن أسواق الأسهم والسندات وتحقيق الاستقرار في العوائد على المدى الطويل. تعريف سوينسن لكلمة "طويل" كان عقودا، وليس مجرد عشرة أعوام، علاوة على التحول التالي من السوق الهابطة إلى السوق الصاعدة. لقد بحث عن مديري القطاع الخاص الذين يبنون الشركات وليس من يعيدون هيكلة المنشآت ويطرحونها للاكتتاب العام لتحقيق ربح سريع. عرف سوينسن وظيفته بأنها توليد ثروة متعددة الأجيال لدعم جامعة ييل. لكن كان لنهجه أيضا القدرة على تحرير مديري الأموال من الضغوط اليومية في الأسواق، وتجاوز التفكير قصير المدى الذي كان يصيب الرأسمالية الحديثة.
ما بدأ كفكرة منطقية أصبح هربا من شيء آخر مختلف كليا، الواقع. مقابل الوعد بتحقيق عوائد عالية، عادة ما تحبس الصناديق الخاصة أموال العملاء لمدة تصل إلى عشرة أعوام، ثم تقدم تقارير للعملاء بمعدل أقل بكثير مما تفعله الصناديق العامة، كل ربع عام على الأكثر، وليس يوميا. في عصر السياسات النقدية المتشددة الجديد، مع انتشار الخسائر عبر فئات الأصول، أصبحت القنوات الخاصة وسيلة لمديري الأموال لإخفاء الخسائر عن العملاء - غالبا من يخصصون رأس المال في صناديق التقاعد أو مؤسسات الادخار الكبيرة الأخرى - الراضون غالبا بجهلهم بما يحدث. ولا يريدون مواجهة آلام التقلبات اليومية.
إنها مؤامرة صمت مبنية على الأمل. الإجماع الاقتصادي هو أن تشديد الاحتياطي الفيدرالي قد يؤدي إلى ركود قريبا، لكنه سيكون غير عميق وقصير. إذا تمكنت الصناديق الخاصة من الصمود لبضعة أشهر أخرى فقط، فستكون المؤامرة قد حققت هدفها، التستر على الخسائر في هذه السوق الهابطة.
لقد نجح أسلوب "دفن الرأس في الرمال" هذا مع كثير من الصناديق الخاصة في فترات الركود الأخيرة. بعد أن بلغت الأسواق العامة ذروتها في 2007، أجلت صناديق الاستحواذ التقارير إلى ما بعد بدء الانتعاش في 2009، ما يعني أنها لم تضطر إلى الكشف عن العمق الكامل لخسائرها على الإطلاق. مع انتشار كوفيد - 19 في أوائل 2020، راهن مديرو الأسهم الخاصة بهدوء على أن السوق ستتعافى قبل أن يتمكن عملاؤهم من الفرار، وقد حدث ذلك على الفور عندما جاء الاحتياطي الفيدرالي للإنقاذ.
لكن الآن، مع احتمال أن يكون التضخم أكثر ثباتا من ذي قبل، فقد انتهت حقبة المال السهل. لقد بدأت حقبة جديدة من السياسات النقدية المتشددة. فإذا لم يأت الاحتياطي الفيدرالي لإنقاذ الوضع بسرعة، فلن يكون التراجع التالي قصيرا وسطحيا.
لا توجد فكرة سديدة تقول إن كثيرا من المال لا يمكن أن يفسد الأمور. على عكس سوينسن وغيره من رواد الاستثمار الخاص، الذين اشتروا بأسعار منخفضة في الأسواق الخاصة وباعوا بأسعار مرتفعة في الأسواق العامة، فإن المديرين من قطاع الاستثمار الخاص يطاردون الصفقات ويشترون بسعر مرتفع ويأملون البيع بسعر أعلى ويراكمون ديونا قياسية في العملية. الشركة العادية المملوكة لشركة أسهم خاصة عليها ديون تزيد على خمسة أضعاف أرباحها، مقابل ضعف إلى ثلاثة أضعاف للشركات المتداولة في الأسواق العامة.
في الوقت الراهن، ما يقارب 100 في المائة من القروض التي تستخدمها الصناديق الخاصة لتمويل عمليات الاستحواذ "متساهلة" - خالية من الشروط - ارتفاعا من نحو 0 في المائة قبل عقد. يتدافع المستثمرون في الصفقات الخاصة حيث تغلق الأبواب، مع اختفاء سوق الطروحات الأولية. كثير من القادمين المتأخرين هم من مستثمري التجزئة، وهو تحذير تقليدي من تكون فقاعة. نصح سوينسن، الذي توفي العام الماضي، صغار المستثمرين بتجنب الأسواق الخاصة، فهي معقدة للغاية ومكلفة لمن لا يعملون فيها.
منذ عام 2000، ارتفعت الأصول التي تديرها الأسواق الخاصة بمقدار 11 ضعفا، بمعدل أسرع أكثر من أربع مرات من أسواق الأسهم. اتسعت هذه الفجوة سريعا بشكل خاص منذ 2018، عندما انتهت فترة تقلبات السوق مع تخلي الاحتياطي الفيدرالي عن تحوله إلى سياسة نقدية أكثر تشددا. على الرغم من أن كثيرا من المستثمرين ينجذبون إلى الصناديق الخاصة بسبب عوائدها المعلنة المرتفعة للغاية، فإن هذه العوائد تتأثر بالديون الكبيرة، والتقييمات غالبا لا تستند إلى أسعار السوق بل إلى تخمينات الشركات الخاصة لما ستكون عليه قيمة الشركات التي تمتلكها بعد أعوام من الآن.
تثير هذه الحسابات الشكوك حول كل من المبالغة في تقدير النتائج و"تخفيفها". سجلت شركات الأسهم الخاصة مكاسب بنحو 3 في المائة هذا العام، عندما تراجعت الأسواق العامة 20 في المائة أو أكثر، وأثرت السياسات النقدية المتشددة في جميع الأسواق على نحو مشابه. إذا استخدمنا العوائد الواقعية، وطرحنا الرسوم، فقد ينتهي الأمر بالصناديق الخاصة بتحقيق عوائد أقل من الصناديق العامة.
مع ذلك، جمعت صناديق الأسهم الخاصة أكثر من تريليون دولار العام الماضي، بزيادة قياسية بلغت 20 في المائة، وفقا لأحدث البيانات. كتب المستثمر كليف أسنيس أخيرا عن احتمال "مذهل" أن المستثمرين الآن يقبلون عوائد أقل "من أجل عدم إخبارهم بالأسعار".
إن الاختباء من الواقع يوجد وهما بأن الاستثمارات الخاصة أقل خطورة مما تظهره ديونها بوضوح، الأمر الذي يجذب مزيدا من الأموال، ويزيد من المخاطر. من المحتمل أن تأتي لحظة تصفية الحساب عندما يستمر الانكماش ويتعين على الأسواق الخاصة أن تكشف أخيرا عن خسائرها في سوق هابطة. قد تؤدي الصدمة إلى تدافع نحو المخارج. بينما سيستمر بعض المديرين من قطاع الاستثمارات الخاصة في تقديم رأسمال طويل الأجل للمساعدة على بناء الشركات، سيظهر كثير من المديرين الآخرين على أنهم مهندسون ماليون قاموا ببناء مسيراتهم المهنية على أساس ضعيف من المال السهل.
في النهاية، لن يكون هناك مكان للاختباء فيه في حقبة التضييق النقدي. والأسواق الخاصة، التي حققت عوائد إلى حد كبير من الاقتراض الكبير والفضفاض أكثر عرضة للخطر من الأسواق العامة في هذا العصر الجديد.
*رئيس روكيفيلر إنترناشونال