الصناعات العسكرية .. بعد فتح النوافذ شرقا
الصناعة خيار المستقبل، كما قيل منذ القدم، وتوطين الصناعة في أي بلد رمز للقوة ودعم لاستقلال القرار وتوفر متطلبات الحياة بكل أنواعها، ولذا وضعت الصناعة في بلادنا ضمن أهم برامج رؤية 2030 التي تقودنا إلى مستقبل أفضل، وتشكل الصناعة العسكرية نقطة الاهتمام الأولى الآن بعد أن قطعنا شوطا مميزا في صناعة الغذاء والدواء.
ورغم أنني كتبت أكثر من مرة عن الصناعة السعودية، وصناعة السلاح بالذات، فإنني أجد أن هناك حاجة إلى مزيد من اهتمام كتاب الرأي والمختصين منهم بتناول هذا الموضوع كي نساعد القائمين على الصناعة لتقويم مسيرة هذه القاطرة التي نعول عليها كثيرا لنقلنا لمستقبل قوي ومزدهر لنا ولأبنائنا من بعدنا، وكي يشعر العاملون المنجزون في أي موقع بأن عملهم مقدر، وأيضا كي يدرك المواطن حجم الجهد المبذول من أعلى قيادة، ومن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالذات، لتحويل الحلم إلى هدف يتحقق وفق جدول زمني محدد، وهذا أسلوب عراب الرؤية في متابعة تحويل الأحلام لأهداف يتم تنفيذها على أرض الواقع، ولا شك أن الصناعات العسكرية - وهي مجال حديثنا اليوم - تعتمد على تقنيات متقدمة، وتبنى على اعتبارات جيوسياسية وهو ما يجعل الفعل الصناعي أو التقدم في الإنتاج يأتي لاحقا بعد تحقق القوة الاقتصادية والتقدم العلمي والبحثي للدول والمكانة السياسية والموثوقية الدولية والقدرة على مد الجسور وبناء التحالفات الراسخة، وهو ما تحقق لبلادنا منذ القدم ونضجت ممارساته بشكل واضح في هذا الوقت ببناء محاور عدة من الشراكات، والتوازن بينها دون أن يكون أي منها مانعا للآخر أو بديلا عنه، فالشراكات الاقتصادية والعسكرية للمملكة تتقدم بوضوح مع دول متعددة في العالم شرقا وغربا، والاتفاقيات المتعلقة بالتصنيع العسكري تتوالى مع عدة دول، وليس استثناء منها فتح النوافذ نحو دول الشرق، وعلى رأسها جمهورية الصين الشعبية، الذي سيحقق توطين الصناعة السعودية بمختلف مجالاتها وتطويرها وانفتاحها على مجالات ربما لم تدخلها من قبل في مدة زمنية أسرع بكثير من الدول التي تظهر التردد في دعم صناعتنا ونقل التقنية إلى مصانعنا والبقاء في موقف المصدر للبضائع وللسلاح خصوصا، بينما دول الشرق تتشارك مع شركائها ومنهم بلادنا نتائج الأبحاث، بل الاستثمار في تأسيس مصانع في السعودية فلديها عوامل جذب كثيرة من أهمها الاستقرار والقوة الشرائية والموقع الجغرافي المهم، ولديها العنصر الأهم وهو العقول القادرة على تطوير المنتج والمشاركة في إدارة وتشغيل المصانع بكفاءة عالية، ولو أردنا التحدث بشكل مركز على صناعة السلاح لكونها حتمية وجودية، خصوصا في منطقة تحيط بها الخلافات وتتزايد عليها المطامع، فإننا نجد أن الاهتمام بهذا النوع من الصناعة بدأ منذ القدم حيث أصدر الملك المؤسس ـ رحمه الله ـ قرارا عام 1368هـ - 1949 بإنشاء المصانع الحربية في الخرج، وهي الآن جزء من منظومة صناعة السلاح التي شهدت نقلة غير مسبوقة ضمن محاور رؤية المملكة 2030 أدت إلى الأخذ بأحدث الأساليب المعتمدة على الأبحاث المحلية والعالمية وتوسيع دائرة المصانع التابعة للقطاع العام وتشجيع القطاع الخاص للدخول في هذا المجال أيضا، وللإشراف على تنظيم هذه المنظومة تم تأسيس الهيئة العامة للصناعات العسكرية عام 2017 لتكون الجهة المسؤولة عن تنظيم وتمكين وترخيص الصناعات العسكرية ويرأس مجلس إدارتها ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، وتعمل على توطين 50 في المائة من إنفاق المملكة على المعدات والخدمات العسكرية بحلول عام 2030، وقد بلغ عدد المصانع التي رخصت من قبل الهيئة حتى شهر نوفمبر من هذا العام 156 مصنعا بحجم استثمار يبلغ نحو 40 مليار ريال، وسيعمل في هذه المصانع ما يقرب من 21 ألف موظف، من بينهم كفاءات سعودية من شباب وبنات هذا الوطن.
وأخيرا: في بلادنا جميع مقومات نجاح الصناعة من توافر الكفاءات الشابة ذات التأهيل المميز والطاقة الإيجابية لخدمة وطنهم، وكذلك وجود الكثافة السكانية والقوة الشرائية، مع قدرة بلادنا على التصدير منذ أن أصبحت منتجاتنا تحظى بقبول وطلب في الأسواق العالمية، كما ان تشجيع الأبحاث بالتعاون مع المراكز البحثية المحلية أو الدول الصديقة يشكل عاملا مهما يمكن الاعتماد عليه.